تقارير وإضاءات

لوفيغارو: مقتل الرهبان الفرنسيين بالجزائر.. رواية تستبعد تورط الإسلاميين

لوفيغارو: مقتل الرهبان الفرنسيين بالجزائر.. رواية تستبعد تورط الإسلاميين

قالت صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية إن التقرير الوارد من قلب المخابرات الجزائرية قد يقوّض الرواية الرسمية بشأن مقتل الرهبان الفرنسيين السبعة في خضم الحرب الأهلية، في مارس/آذار عام 1996 في تبحرين بولاية المدية، وهذا يؤدي إلى إضعاف رواية الهجوم الإسلامي، ويعزز فرضية تلاعب أجهزة المخابرات بالتقارير.

وفي تقرير بقلم كريستوف كورنيفين، قالت الصحيفة إنها اطلعت على مذكرة استخباراتية فرنسية مؤرخة بـ17 يناير/كانون الثاني المنصرم، تكشف عن رواية العميل كريم مولاي الذي يقول إنه عمل بين عامي 1987 و2001 في مديرية المخابرات الأمنية السابقة، خاصة دائرة الاستعلام والأمن التي حُلّت عام 2015، قبل أن يطلب اللجوء السياسي في المملكة المتحدة منذ بداية عام 2001.

ويدّعي كريم مولاي -حسب المذكرة- أنه تعرض لتهديدات بالقتل في رسالة بريد إلكتروني أُرسلت عام 2015 إلى قاضي مكافحة الإرهاب مارك تريفيدتش الذي كان وقتئذ مسؤولا عن التحقيق في قضية تبحرين. وأوضح، في رسالة مصحوبة بلقطات مصورة تُظهر مونتاجا للصور، أنه تعرض “للمضايقة الإلكترونية” و”تم الاتصال به عبر الهاتف مرات عدة” وطلب منه “تغيير نسخته التي تشير إلى تورط دائرة الاستعلام والأمن في موت الرهبان، وتوريط الجماعة الإسلامية المسلحة”.

تهديدات خطِرة

وقال الكاتب إن مولاي أصبح مناهضا للنظام بعد أن شهد اغتيال دائرة الاستعلام والأمن مدير إحدى الجامعات عام 1994، وشعر بالتهديد من قبل زملائه السابقين، وصار عرضة لحقد شديد عندما اعترف عام 2010 بتورط الأجهزة الجزائرية في هجوم فندق أطلس أسني بمراكش عام 1994، وتفاقم الأمر منذ أن اتهم دائرة الاستعلام والأمن السابقة بالتورط في مقتل الرهبان.

ومع ذلك -كما يقول تقرير الصحيفة- رفض مولاي الاستسلام، وروى قصة متفجرة ومفصلة مسجلة في تقرير لخص فيه الحقائق عام 2012، أمام اثنين من مفتشي الشرطة الأسكتلنديين جاؤوا للاستماع إليه بصفته شاهدا.

وبالعودة إلى اختطاف رهبان تبحرين، يذكر مولاي وجود “دائرة للموت” غامضة، ويؤكد أن الجماعات الإسلامية الحقيقية في منطقة المدية ​​الجبلية حيث يوجد دير الرهبان الفرنسيين، كانوا “على خلاف دائم” مع جماعات “مزورة” أنشأتها دائرة الاستعلام والأمن للتلاعب بالرأي العام.

وأكد مولاي -حسب المذكرة الفرنسية- أن الإرهابي “جمال زيتوني” كان يعمل لمصلحة دائرة الاستعلام والأمن، وأنه “أرسل إلى الأدغال للتسلل إلى الجماعة الإسلامية المسلحة”، قبل أن يصبح “الأمير” الذي أعلن مسؤوليته عن اختطاف الرهبان.

ومع أن أصحاب الدير كانوا يتمتعون “بسمعة طيبة في المنطقة” لما قدموه من مساعدة للسكان المحليين، فإن السلطات الجزائرية لها عليهم مأخذان، أولهما أن “الرهبان عقدوا اتفاقية عام 1993 لتقديم المساعدة الطبية للإسلاميين مقابل سلامتهم”، والآخر أنهم شاركوا في مؤتمر سانت إيغيديو “الذي جمع، بمبادرة من الكاثوليك، أحزاب المعارضة بهدف إيجاد نهاية سلمية للنزاع”، فجعل ذلك دائرة الاستعلام والأمن “تطلب منهم مغادرة الجزائر”.

محامي الرهبان في مؤتمر صحفي (رويترز)

منعطف غير متوقع

وعام 1996 -حسب العميل السابق- عندما احتاجت الجزائر إلى كسب المصداقية الدولية وتأمين الدعم الفرنسي في محاربة الإسلاميين، خططت الأجهزة الجزائرية “لخطف سفراء من دول عربية وأوروبية”، ثم اختطاف الملحق العسكري في السفارة الفرنسية، “لكن المشروع ألغاه مسؤول في إدارة تقييم المخاطر”، و”عام 1996 ورد أن ضباط دائرة الاستعلام والأمن دعوا إلى (اجتماع مهم) في البليدة للإعداد لاختطاف الرهبان”.

وكُلّف “الأمير” زيتوني بالقيام بالعمل القذر -حسب المذكرة- و”المشروع كان الاختطاف والتفاوض على إطلاق سراحهم مع إدارة الأمن الترابي وإدارة الأمن الخارجي، للضغط على السلطات الفرنسية”، وكان على زيتوني “الاحتفاظ بهم وتأدية دور الوسيط، حتى يقوم الجيش بعملية تحرير صورية”.

وحسب مولاي، كان من المفترض أن يقود فريق أول، مكون من أجهزة المخابرات الجزائرية والتائبين الإسلاميين، الرهبان معصوبي الأعين إلى “مركز للبحث والتحقيق” في ثكنة عسكرية بالبليدة، ليتسلمهم فريق ثان من جماعة زيتوني الإسلامية لنقلهم إلى الأدغال، غير أن الأمور اتخذت منعطفا غير متوقع عندما حاول جهاديون حقيقيون، بقيادة رجل يدعى أبو مصعب، وضع اليد عليهم.

فوجئ الخاطفون و”قاموا برحلتين ذهابا وإيابا” بين المأوى وثكنة البليدة “لوضع الرهائن في أمان”، إلا أن الأجهزة الجزائرية تحت الضغط، قيل إنها أصيبت بالذعر من فكرة أن “المبعوث” الفرنسي يمكن أن يتصل بزيتوني سرًّا ويكتشف الخدعة. ولذلك -حسب هذه النسخة من الأحداث- ارتكبت الجريمة، وقطعت رؤوس الرهبان بعد تعذيبهم وقتلهم، وقد نددت الجزائر بقوة بالعملية بعد العثور على رؤوسهم على جانب الطريق يوم 30 مايو/أيار 1996.

قطع الرؤوس بعد الوفاة

ويقول باتريك بودوان محامي أُسر الضحايا إن هذه النسخة من الأحداث خطِرة مع أن “الشاهد فيها يبدو أنه من قلب النظام”، مشيرا إلى مجموعة شهادات تؤكد أن الجماعة الإسلامية المسلحة قد استغلها الأمن العسكري.

وأشار التقرير إلى أن بعثة من الخبراء الفرنسيين تمكنت عام 2014 بعد مماطلة من الذهاب إلى تبحرين، وفي مايو/أيار 2015 خلص تقرير الخبراء إلى أن “قطع الرؤوس كان بعد الوفاة”، وأن الرهبان اغتيلوا قبل شهر من تاريخ 23 مايو/أيار الذي قدمه بيان صحفي للجماعة الإسلامية المسلحة مشكوك في أصالته، حسب الصحيفة.

وفضلا عن ذلك، لم يعثر على أي أثر للرصاص في جماجم الرهبان، وهو ما ينفي إشاعة موتهم في قصف خطأ من القوات الجوية، كما أن الخبراء تمكنوا بفضل القرائن النباتية من الكشف عن أن الرؤوس دفنت قبل استخراجها ثم اكتشافها.

وتحولت فكرة التلاعب بالجثث إلى يقين افتراضي في مارس/آذار 2018، بعد أن أوضح الخبراء أن المقارنة الجينية للجماجم بالحمض النووي للوالدين أثبتت أن 6 من جثث الرهبان السبعة قد أُدمجت بغيرها عند وضعها في التوابيت، وهذا “يعزز الطريقة المتسرعة التي وضع بها الجزائريون الجثث وقت دفنها”، حسب المحامي.

وختمت الصحيفة بأن الشهادات والقرائن العلمية جُمعت، إضافة إلى نحو 20 شاهدا لم يسمعوا من قبل، من بينهم عائدون من الجماعة الإسلامية المسلحة و”سجانون” زعموا أن السجناء نقلوا أو احتجزوا في منزل يُدعى دار الحمرا، في مكان يُدعى تالا السير في منطقة المدية.

والواقع، حسب لوفيغارو، أن قضية الرهائن الفرنسيين هذه تفوح منها رائحة فضيحة دولة.

(المصدر: لوفيغارو – الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى