تقارير وإضاءات

لماذا تستخدم الحكومة المصرية الكنيسة لا الأزهر لنشر نفوذها في أفريقيا؟

لماذا تستخدم الحكومة المصرية الكنيسة لا الأزهر لنشر نفوذها في أفريقيا؟

 

إعداد يوسف أحمد

 

يؤدي الأزهر الشريف دورا كبيرا لقوة ناعمة تمثل العالم الإسلامي لا مصر فقط في العديد من القارات خصوصاً القارة الأفريقية في مواجهة التبشير الصليبي الذي جلبته معها القوى الاستعمارية.

لكن مصر لجأت مؤخراً الى نفوذ الكنيسة الارثوذوكسية بها لتعزيز نفوذها في أفريقيا في إطار استراتيجية القوة الناعمة، حسبما زعمت صحيفة “المونيتور” الأمريكية في تقرير لها.

وقالت الصحيفة: إنه في إطار استراتيجية القوة الناعمة لتعزيز نفوذها في ظل أزمة سد النهضة الإثيوبي الكبير، تعمل الحكومة المصرية من خلال الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في قارة أفريقيا، وفي دول حوض النيل تحديدًا.

أكدت أن دور الكنيسة في أفريقيا لا يقتصر على الجوانب الروحية والدينية فحسب، بل يمتد إلى تنفيذ عدد من المشروعات الخيرية، وبناء المستشفيات والمدارس، ما يعزز دورها التبشيري في القارة الأفريقية.

ويوضح التقرير أن الحكومة المصرية لجأت إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بغرض الترويج لمبادرة «صوت مصر في أفريقيا»، وتعزيز نفوذ مصر إفريقيا.

وتزامن هذا مع تعيين البابا تواضروس للأنبا جوزيف بوصفه أسقفًا عامًّا لأفريقيا وممثلًا للكنيسة في القارة في مارس الماضي لزيادة نفوذ الكنيسة هناك.

وكان البابا تواضروس الثاني، قال لوسائل الإعلام في 19 سبتمبر الماضي: إن «الكنيسة تلعب دورًا مهمًا في إيضاح الموقف المصري من أزمة سد النهضة الإثيوبي وطبيعة نهر النيل، لكن هذه القضية اتخذت الآن بُعدًا سياسيًّا تمامًا”.

ولدى الكنيسة المصرية في السودان 23 كنيسة في العاصمة الخرطوم، ومدينتي أم درمان، وعطبرة، بالإضافة إلى أربع مدارس ثانوية، والعديد من مدارس المرحلة الابتدائية، والمكتبات، والنوادي، بخلاف دول أفريقية أخرى.

لماذا تجاهل الأزهر؟

أثار اعتماد مصر على الكنيسة لا الأزهر كقوة ناعمة في أفريقيا تساؤلات مراقبين حول ما إذا كان ذلك يعني تجاهل دور الأزهر التقليدي كقوة نفوذ ناعمة ومؤثرة خدمت مصر على مر العصور.

وقالوا إن هناك خلافات بين الكنيسة المصرية والأثيوبية ما يُصعب تدخل الكنيسة في أزمة سد النهضة الإثيوبي، كما أن نسبة مسلمي دول حوض النيل كبيرة ولهم تأثير في دولهم، والأزهر كمؤسسة دينية نفوذه التاريخي في إفريقيا أقوى.

بالمقابل يبرز دور المؤسسة العريقة (الأزهر) التي يزيد عمرُها على ألف عامٍ، كقوة نفوذ ناعمة قوية عالمية ذات تأثير عميق في العالم الإسلامي، ورمزا للعالم الإسلامي مثل الفاتيكان للكاثوليكية.

كما أن الحكومات المتعاقبة بقيت تعتمد على الأزهر للتسويق لمصر إقليميًا وعالميًا، والاعتماد على خريجيه المنتشرين في العديد من دول العالم.

حيث يستقبل الأزهر الشريف نحو أربعين ألف طالب من 120 دولة، منهم نحو 4 آلاف طالب يدرسون بمنح الأزهر، بالمعاهد الأزهرية المختلفة وجامعة الأزهر ومرحلة الدراسات العليا.

ويؤدي دورا حيويا في تقديم الدعم والمساندة لمسلمي العالم ويحتل شيخه مكانة مرموقة بين كل الدول، ويحظى بحفاوة استقبال الملوك والرؤساء.

وشهدت العلاقة بين السلطات المصرية والأزهر فتورا بسبب رفض شيخ الأزهر تنفيذ خطة تسمى “تطوير الخطاب الديني” تنال ثوابت العقيدة ما أدى لتجاهل رسمي لدوره، وهجوم إعلام السلطة عليه في كثير من الأحيان.

كما شهدت مؤسسة الأزهر على مدار التاريخ محاولات لتحجيم دورها من قبل الحكومات المصرية المختلفة، والسعي لتغيير التعليم الأزهر بدعاوى مواجهة التطرف بدمج التعليم الأزهري بالتعليم العام وهو ما تصدى له شيوخ الأزهر.

ويكتسب شيخ الأزهر، وفقا لقانون الأزهر الذي أُقرّ في يناير 2012م، ونص على انتخاب شيخ الأزهر “حصانة” في منصبه تجعله غير قابل للعزل.

محاولات تدجين الأزهر

ركزت محاولات تدجين الأزهر على ضرب التعليم الأزهري الديني والسعي لدمجه بالتعليم العام المدني في مصر، وبدأت منذ عهد الملكية ووزير التعليم الأسبق طه حسين بحيث يجعل التعليم كله واحدا، ولكنها محاولات باءت بالفشل لتصدي علماء الازهر له، ورفضهم ذلك.

وكان القانون رقم 103 لسنة 1961م في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر أول المحطات الفعلية الرئيسية في مخطط إلغاء الدور التاريخي للأزهر الشريف كجامعة للعلوم الإسلامية.

وتبع ذلك خطوات أخرى لا تقل خطورة في هدم شخصية الأزهر المميزة واستقلاليته أثرت فعليا عليه جزئيا بدعاوى تطوير الأزهر، بينما هدفها تحجيم دوره.

وعام 1961م صدر أهم وأخطر قانون في حياة الأزهر الشريف (القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر الشريف والهيئات التي يشملها)، وهو القانون الذي لا يزال يثير جدلاً حتى الآن.

وروى الدكتور أحمد طعيمه وزير الأوقاف في الفترة من 1959م وحتى أواخر عام 1961م قصة هذا القانون مؤكداً: “كان الهدف هو الهيمنة، ودعمه الوزير الماركسي كمال رفعت”.

وجرى استغلال هزيمة حرب يونيو 1967 للنيل من الأزهر، فصدر قرار بتخفيض سنوات الدراسة بالأزهر الشريف، بحجة خفض النفقات، وتعبئة الموارد لمواجهة ظروف الحرب.

وكانت أول محاولة لدمج التعليم الازهري في الحكومي جرت 9 يونيو 1998م عقب إقرار البرلمان لقانون جديد حول التعليم الأزهري، يساوي بينه وبين التعليم العام، أيده شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي ورئيس جامعة الأزهر، ووزير الأوقاف وعارضه علماء الأزهر و300 من الكتاب الإسلاميين، في بيان أصدروه حينئذ.

وخلال هذه الفترة تم إلغاء الكتاتيب المخصصة لتحفيظ القرآن الكريم، وجرى إلغاء عشرات الحصص المخصصة للتعليم الفقهي والشرعي واللغوي، واستبدالها بحصص لمواد مدنية ودروس تصل لحد التعارض مع الأخلاق الإسلامية ذاتها، وإلغاء 75% من نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف في مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي الأزهري، وإلغاء دراسة الفقه على المذاهب الأربعة.

وعام 2008م تجدد الجدل مرة أخرى بشأن المطالب الأمريكية بإلغاء التعليم الديني في الدول العربية والإسلامية وإلغاء التعليم الأزهري الجامعي، في أعقاب الكشف عن دراسة لإصدار قانون جديد لتطوير التعليم العالي سيتم دمج الأزهر فيه لأول مرة.

وحذر أساتذة في جامعة الأزهر ونواب برلمانيين حينئذ من أن تكون هذه خطوة أخرى في سياق الاستجابة للمطالب الأمريكية بشأن تفكيك التعليم الازهري.

وسعى نواب جماعة الإخوان المسلمين (يونيو 2002م) لإعادة فتح ملف “تدمير الأزهر”، عبر تغيير مناهجه، والحديث عن الفساد الإداري والمالي في شؤونه المفترض أن يديرها رئيس الوزراء بحكم كونه مسؤولا عن شئون الأزهر وفق القانون، وهو ما افشلته الحكومة حينئذ.

المصدر: مجلة المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى