كتابات مختارة

لماذا تحدث الفتن؟ (1-2)

بقلم د. ياسر عبد التواب

يتساءل كثيرٌ من الناس عند وقوع المصائب وحدوث الفتن.. لماذا؟ لماذا تحدث الفتن وتحل المصائب؟ ولماذا حلت بي أنا دون غيري؟ ولماذا تحل بالمسلمين دون غيرهم؟

 ولنبدأ بالنقطة الأخيرة ونقول وهل حقا تحل الفتن بالمسلمين دون غيرهم؟

 الواقع المشاهد أن الفتن تحل بجميع البشر ولكنها بالنسبة للمسلمين والمؤمنين تختلف من حيث وقعها على قلوبهم وصبرهم في تلقيها ورغبتهم في تحويلها لنعمة. يقول الله تعالى {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء:104).

 ويقول تعالى: {إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} أي تتألمون مما أصابكم من الجراح فهم يتألمون أيضا مما يصيبهم، ولكم مزية وهي أنكم ترجون ثواب الله وهم لا يرجونه؛ وذلك أن من لا يؤمن بالله. لا يرجون من الله شيئا. ونظير هذه الآية {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} (آل عمران : 140).

 وعن ابن عباس {إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} قال: توجعون {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} قال: ترجون الخير.

 وعن قتادة في الآية يقول: لا تضعفوا في طلب القوم، فإنكم إن تكونوا تتوجعون فإنهم يتوجعون كما تتوجعون، وترجون من الأجر والثواب ما لا يرجون.

 وها نحن نرى الدنيا وما فيها من بلايا وفتن فنحمد الله تعالى أن أمتنا هي في نهاية المطاف أقل تلك الأمم تعرضا لما تتعرض له تلك البلاد من المحن وإلا خبرني عن نسب الطلاق والقتل والاعتداءات بأنواعها والظلم والأذى والانتحار وغير ذلك سنجد أن نسب كل تلك البلايا والفتن عندنا أقل بكثير من غيرنا فلله الحمد والمنة.

 ونقول لهذه الأسباب تحدث الفتن والمصائب :

1-  لأن الدنيا هي دار الفتن والمصائب والبلايا ولولا ذلك لركن المؤمن لها ولصارت فتنة للخلق فكل بلاء في الدنيا يحل .. يشوق المبتلى إلى دار ليس فيها كدر فلا يجد إلا الجنة فيطلبها.

طبعت على كدر وأنت تريدها  :::    صفواً من الأقذاء والأقذار

ومكلف  الأيام  ضد طباعها   :::    متطلب في الماء جَذوةَ  نار

ومن كلام جعفر الصادق: من طلب ما لم يخلق، أتعب نفسه ولم يرزق، قيل له: وما ذاك؟ قال: الراحة في الدنيا، وأخذ بعضهم هذا المعنى فقال:

تطلب الراحة في دار العنا  :::   خاب من يطلب شيئاً لا يكونا

2- ليرتبط قلبك بالله تعالى لجوءًا وطلبًا وانكسارًا فرب مصيبة حلت بالمسلم فتعبد بسببها بعبادات ما كان ليوفق إليها لولا تلك المصيبة فتنقلب في حقه نعمة قبل أن تكون نقمة، قال بعض الصالحين: من ظن أنه يصل إلى الله بغير الله، قطع به. ومن استعان على عبادة الله بنفسه، وكل إلى نفسه.

ومن أشرقت بدايته، أشرقت نهايته.. أي من عمر أوقاته في حال سلوكه بأنواع الطاعة، وملازمة الذكر والرضا، أشرقت نهايته بإفاضة الأنوار والخير، حتى يظفر بالمراد. وأما من كان قليل الاجتهاد في البداية، فإنه لا ينال مزيد الإشراق في النهاية.

 3- أن تطلب حاجتك من الله تعالى فهو سبحانه يحب أن يسأل فمتى أنزلت حوائجك بالله تعالى  فقد تمسكت بأقوى سبب ، وفزت بقضائها من أفضاله بغير تعب. قال تعالى :  {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ( الطلاق 3).

 4- والمؤمن مأجور على صبره وعلى تصبره كلما حل به بلاء فقد أخرج مسلم والبيهقي عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمِنْ: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له].

 5- وقد يكون نزول البلاء عقوبة إما على فعل المعاصي أو على ترك الشكر لله تعالى لذا فمن فوائد نزول البلاء والفتن أن يعود المرء لربه فيكفيه البلاء ويبعد عنه الفتن، فقد ورد أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللَّهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث) فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس، أخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: [إن الله ليمنع النعمة ما شاء، فإذا لم يشكر قلبها عذابا].

 6- وليظهر للناس فعل أهل النفاق عند نزول البلاء لئلا يكون لهم عند الله حجة فيعاقبهم في الآخرة على ما أظهروه وبدا منهم من سوء الظن بالله وتخذيل المسلمين عن الحق، يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (آل عمران 156).

المصدر: موقع الأمة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى