كتاباتكتابات مختارة

قصص وعبر من مصارع الظالمين قديما وحديثا

د. عوض الله عبده شراقة

من السنن الإلهية ان الظلم مهما طال امده واسودت لياليه وطالت اذرعه واشتد فساده وانتشر في ربوع الارض حتي يضرع المظلمون الي ربهم يقولون اما لهذا الليل من اخر ويتساءلون متي تنقشع  هذه الظلمة وينبلج فجر العدل : فان الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، وقد  جرت عادته في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ونهاية الظالمين أليمة  والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة ولا يبالي الله في أي واد يهلكون ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقد جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره
(ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) [رواه الترمذي  2511  حديث صحيح
وعلى الظالم  الباغي تدور الدوائر فيبوء بالخزي ويتجرع مرارة الذل والهزيمة وينقلب خاسئاً وهو حسير لم يبلغ ما أراد ولن يظفر بما رجا، أقرب الأشياء صرعت الظلوم وأنفذ السهام دعوة المظلوم
فالحكم العدل لابد وان يهلك الظالمين ويمحق المعتدين ويقطع دابر المفسدين، سواء كان الظالم فرداً أو جماعة، حزباً أو طائفة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : “الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته “، وقد قال بعض أكابر التابعين لرجل : “يا مفلس فابتلي القائل بالدين والحبس بعد أربعين سنة “، وضرب رجل أباه وسحبه إلى مكان ما فقال الذي رآه بعد ذلك: إلى هاهنا رأيت هذا المضروب قد ضرب أباه وسحبه إليه، فسبحان من هو قائم على كل نفس بما كسبت، وسبحان من هو بالمرصاد، وسبحان الحكم العدل الذي لا يجور، وسبحان من بيده موازين ومقاليد الأمور، يفعل ما يشاء ويحصي على العباد مثاقيل الذر، وكما تدين تدان

فجانب الظلم لا تسلك مسالكه                                       عواقب الظلم تخشى وهي تنتظر

وكل نفس ستجزى بالذي عملت                                    وليس للخلق من ديانهم وطر

ومن أشد أنواع الظلم تسلط الظلمة على رعيتهم كما تسلط فرعون على قومه وقال: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (غافر29) واليوم كثيرون يظلمون ويتسلطون ويستبدون سيراً على سيرة سلفهم فرعون الطاغية : ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى سورة (غافر26)، وهكذا سفك للدماء، عدوان على الأحياء، بقر لبطون الحوامل، قلع لعيون الناس وأظفار الأطفال، هدم للبيوت، حصار للأعداء، تجويع، تسميم، إهانة، إذلال، استيلاء على الأموال، استعباد كامل، والله سبحانه وتعالى قال على لسان فرعون: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف127 ) لا يستطيعون أن يخرجوا عن حكمنا وقدرتنا، وهذا غاية الجبروت والعدوان والقسوة  ولذلك قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( القصص)
ومن الظلمة الذين مروا في التاريخ قارون الذي بغى على قومه لما آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولي القوة، كما بغى عليهم بجبروت الخبرة كما ظن والذكاء والعلم الذي عنده فماذا كانت النتيجة؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ( القصص 81 ) .
وأبرهة صاحب الفيل الذي بنى كنيسة بصنعاء ليصرف الناس للحج إليها ويجعل العرب يأتونها بدلاً من الكعبة ماذا كانت عاقبته؟ صرف الله عنها الناس وهيأ من يوقد فيها حريقاً ويلطخها بالنجاسة، فأراد أن يأتي البيت ويهدمه حجراً حجراً، فماذا فعل الله به ؟ أرسل طيراً أبابيل جماعات جماعات تحمل الحجارة وترمي أبرهة وجنوده بها، حتى رجع صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فمات هناك وقد هلك أكثر جيشه وانتهى،

    يقول ابن القيم

اذاكنت في نعمة فارعها فان الذنوب تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم

واياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديدالوخم

وسافر بقلبك بين الوري لتبصر اثار من قد ظلم

فتلك مساكنهم  بعدهم شهود عليهم ولاتتهم

وماكان شيء عليهم اضر من الظلم وهو الذي قد قصم

فكم تركوا من جنان ومن قصورواخري عليهم اطم

صلوا بالجحيم وفات النعيم وكان الذي نالهم كالحلم

دعوة المظلوم

فإن دعوة المظلوم سهم لا يرد ولايخطيء، فيا بؤس الظالم المخذول ينام ملء عينيه والمظلوم يدعو عليه، يجأر إلى الله أن ينتقم منه، وأن يشتت شمله، ويعجل عقابه، وينزل به بأسه، ويحل عليه سخطه، ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)[رواه الترمذي3598](واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)[رواه البخاري1496]لو كان المظلوم فاجراً فدعوته مستجابة ففجوره على نفسه، ودعوة المظلوم على الظالم تصعد إلى الله فما بالك بدعوة التقي الصالح أو العالم الرباني ومن بذل نفسه لله؟
وإذا فتحت أبواب السماء لهذه الدعوة أتى الفرج من رب الأرباب ومهلك الجبابرة وقاصم ظهور القياصرة: ( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى *وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) النجم50-52

كان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك
يقول ابن القيم رحمه الله: فسبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترق كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين، قال الله: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (المرسلات46) وقال: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ سورة ص 88 وقد يستهزئ  البعض من كثرة دعوات المظلوم علي الظالم واستبطاء الاجابة ولهؤلاء نقول

اتهزا بالدعاء وتزدريه وماتدري بماصنع الدعاء

سهام الليل لاتخطيء ولكن لها امد وللامد انقضاء

فدعوة المظلوم سلاحٌ على الظالمِ لا يُبقِي وإن طالَ الدهرُ، قال – صلى الله عليه وسلم – لمُعاذ بن جبلٍ – رضي الله عنه – حين بعثَه إلى اليمن: “.. واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ”؛ متفق عليه وعن وهب بن منبه قال:بني جبار من الجبابرة قصرا وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت الي جانبه كوخا تاوي اليه فركب الجبار يوما وطاف حول القصر فراي الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامراة فقيرة تاوي اليه فامر به فهدم فجاءت العجوزفراته مهدوما فقالت من هدمه فقيل : الملك راه فهدمه فرفعت العجوز راسها الي السماء وقالت : يارب اذالم اكن اناحاضرة فاين كنت انت ؟قال : فامر الله جبريل ان يقلب القصر علي من فيه فقلبه
وهذه اروي بنت اوس ادعت علي سعيد بن زيد انه اخذ شيئا من ارضها فذهبت تشكوه الي الخليفة عبد الملك بن مروان الذي استدعاه وساله هل اخذت شيئا من ارض هذه المراة فقال كيف اخذ من ارضها شيئاوقد سمعت رسول الله يقول في ذلك الامر كلاما عظيما ووعيدا شديدا قال وماذا يقول (صلي الله عليه وسلم ) قال يقول : من اخذ شبرا من الارض ظلما طوقه الله الي سبع اراضين يوم القيامة00 قال له : اذهب لا اسالك بينة بعد ذلك وعرف الخليفة انها كاذبة وقد دعا عليها سعيد بن زيد فقال : اللهم ان كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في ارضها واستجاب الله لدعوة سعيد بن زيد فبعد مدة من الزمن عمي بصرها وبينما كانت تسير في ارضها اذ وقعت في حفرة فماتت فيها
وفي “السنن” بسندٍ حسنٍ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمام، وتُفتحُ لها أبوابُ السماوات، ويقول الربُّ – جل وعلا -: وعزَّتي! لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ”
وإن من سُوء عاقبةِ الظلمِ أن دعوةَ المظلومِ مُستجابةٌ حتى ولو من الفاجرِ أو الكافرِ؛ روى أحمد في “مسنده” بسندٍ حسنٍ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا تُردُّ دعوةُ المظلومِ ولو كان فاجِرًا ففُجورُه على نفسه”
وفي حديثٍ آخر عنده – رحمه الله – بسندٍ حسنٍ: “اتَّقوا دعوةَ المظلوم وإن كان كافرًا؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ”

 وصدقَ القائلُ حينما قال:

لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا

فالظلمُ ترجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ

تنامُ عيناك والمظلومُ مُنتبِهٌ

يدعُو عليكَ وعينُ الله لم تنَمِ

من أزجَرِ ما نُقِل في التاريخ: قصةٌ عن خالد بن عبدالله البَرمَكيِّ وولده في حوارٍ بينهما وهُما في السجنِ، فيقول له: يا أبَتَاه! بعد العِزِّ والمُلكِ صِرنا في القَيْدِ والحبس. فقال له: يا بُنيّ! دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليلٍ غفَلنَا عنها والله لم يغفَل عنها
وذكرَ العلماءُ – رحمهم الله – أن مالكَ بن دينارٍ الزاهدَ العابِدَ حُمَّ أيامًا – أي: وجَدَ حرارةً في بدنه -، ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته، فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ، فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا – أي: ضرَبَني أسواطًا – كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى. فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ، فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعةً يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ
وقد جاء عن النبي (ص) انه قال : من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة قال الالباني في الصحيحة  اسناده حسن
فيا ايها الظالم ! تذكَّر انك موقوف غدا بين يدَي احكم الحاكمين – جل وعلا –والذي قال في محكم اياته ( وقفوهم انهم مسئولون )، واخشَ على نفسِكَ من دعوةِ صالحٍ تسري بليلٍ والناسُ نِيامٌ، فيستجيب لها رب العزة وينتقم منك عاجلا واجلا
ومن صور هذا الانتقام الاجل  في الدنيا، قبل الاخرة بسبب دعوة المظلوم ايضاما رواه الطبراني بسندٍ رِجالُهُ رجالُ الصحيح: أن رجلاً نالَ من عليٍّ – رضي الله عنه -، فنهاهُ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، فلم ينتَهِ عن ذلك، فقال سعدٌ: أدعُو الله – جل وعلا – عليك. فدعَا عليه، فما برِحَ حتى جاءَ بعيرٌ نادٌّ فخبَطَه حتى ماتَ
وأوردَ أبو نُعيمٍ في “الحلية”، وابنُ الجوزي في بعضِ كُتبه: أن سُليمان التيميَّ العابِدَ الحافظَ كان بينه وبين رجلٍ شيءٌ، فنازعَه فتناولَ الرجلُ سُليمان فغمَزَ بطنَه، فدعا عليه سُليمانُ فجفَّت يدُ الرجلِ

أخي المُسلم

اسمَع هذه العِبرةَ فاتَّعِظ وازدَجِر؛ حكى ابنُ أبي الدنيا أن رجلاً من مُناوِيء عُثمان – رضي الله عنه – آلَى على نفسه أن يلطِمَ وجهَ عُثمان الشريف. وفي القصَّة قال: فدخلتُ مع صاحبي وإذا رأسُ عثمان في حجر امرأته، فقال لها صاحبي: اكشِفي وجهَه. فقالت: لِمَ؟ قال: ألطُمُ حُرَّ وجهِهِ. قالت: أمَا تذكُرُ ما قال فيه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -؟! قال فيه كذا وكذا – ثم عدَّدَت مزاياه العظيمة -، قال: فاستحيَى صاحبي بعد ذلك فرجعَ، فقلتُ لها أنا: اكشِفي عن وجههِ. قال: فذهَبَت – أي: امرأةُ عُثمان – تدعُو عليَّ، ومع ذلك قال: فلطَمتُ وجهَهُ. فقالت: ما لكَ يبَّسَ الله يدَكَ، وأعمَى بصرَك، ولا غفرَ لك ذنبَكَ. قال: فواللهِ ما خرجتُ من البابِ حتى يبَسَت يدِي، وعمِيَ بصري، وما أرى اللهَ أن يغفِرَ لي ذنبِي. ثم رُؤِيَ يطوفُ في الكعبة ويتألَّى على الله عقوبةً له، فيقول وهو أعمَى: اللهم اغفِر لي، وما أراكَ تفعلُ
ومن القصص التي فيها زجرٌ عن الظلمِ وعظة وعبرة من دعوة المظلوم : ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: شكا أهلُ الكوفةِ سعدًا إلى عُمر حتى قالوا: إنه لا يُحسِنُ يُصلِّي. فقال سعدٌ: أما أنا فإني كنتُ أُصلِّي بهم صلاةَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا أخرِمُ عنها، أركُدُ في الأَوليَيْن (اي اطيل الصلاة قليلا في الركعتين الاوليين  ) وأحذِفُ ( اي اخفف) في الأُخرَيَيْن. قال عُمر: واللهِ ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق

ثم بعثَ عُمر – وهو الخليفةُ العادلُ الذي لا تأخُذُه عاطفةٌ عن الحق والتتبُّع -، رجالاً يسألون عنه في مجالسِ الكوفة، فكانوا لا يأتون مجلِسًا إلا أثنَوا عليه خيرًا، وقالوا معروفًا، حتى أتَوا مسجدًا من مساجِدِهم فقال رجلٌ – يُقال له: أبو سَعدة -، فقال: اللهم إذ سألتُمُونا فإنه كان لا يعدِلُ في القضية، ولا يقسِمُ بالسَّوِيَّة، ولا يسيرُ بالسرِيَّة
وهكذا الظالمُ إذا تبِعَ هواه انطلَقَ لسانُهُ بما يهوَى، وانطلَقَت جوارِحُه بما تهوَى نفسُه الأمَّارة. فقال سعدٌ: اللهم إن كان كاذِبًا فأعمِ بصرَه، وأطِل فقرَه، وعرِّضْه للفتن. قال عبدُ الملك – راوي الحديث -: فأنا رأيتُه يتعرَّضُ للإماءِ في السِّكَكِ، فإذا قيل له: انتَهِ يا أبا سَعدة! قال: كبيرٌ فقيرٌ مفتونٌ أصابَتني دعوةُ سعدٍ

يا مَن ينسَى دعوةَ المظلوم!

لتكُن مثلُ هذه الأمثِلَة زاجِرًا لك ورادِعًا لنفسك عن ظُلم الخلق في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم
.
حُكِي أن رجلاً من قتَلَة الحُسين بن عليٍّ ( رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن أمِّه، وعن آل البيت جميعًا ) رمَى الحُسين بسهمٍ. فقال الحُسين: يا هذا! إيتنِي بماءٍ أشربُه، فلما رماهُ هذا الرجلُ حالَ بينَه وبين الماءِ، فقال الحُسينُ: اللهم أظمِئْهُ
فرُؤِيَ هذا الرامي وهو عند موته في الاحتِضار وهو يصيحُ من الحرِّ في بطنِهِ، ويصيحُ من البردِ في ظهره، فبين يدَيْه المراوِحُ والثلجُ وخلفَه المُصطَلَى، وهو يقول: أسْقُوني أهلَكَني العطشُ، فيُؤتَى بإناءٍ عظيمٍ فيه السَّوِيْقُ  وهو الماءُ واللبنُ، لو شرِبَه خمسةٌ لكفاهم -، فيشربَه جميعًا، ثم يعودُ فيقول: أسْقُوني أهلكَني العطشُ، ثم انقدَّ بطنُهُ كانقِداد البَعير
ونقلب  صفحات التاريخ لنذهب الي  الحجاج بن يوسف الثقفى الذي  قتل مائة وعشرين ألفا ومات و في سجونه خمسين ألف رجل، وثلاثين ألف امرأة، و كان يحبس النّساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر النّاس من الشمس في الصيف ولا من المطر والبرد في الشتاء  ومن أشهر ضحايا هذا الطاغية أكبر علماء الأرض حينذاك وهو “سعيد بن جبير” الذي دعا الله علي الحجاج عند قتله له فقال  : اللهم لاتسلط هذا المجرم على أحد من بعدى وتقبل الله منه هذا الدعاء
وقد ذكرت لنا كتب التاريخ أن الحجاج قد أصيب بمرض “الأكلة ” في بطنه وكان يهرش بطنه بيديه الاثنتين حتى يدمى إلى درجة أنهم كانوا يكوونه بالنار على بطنه لتخفيف تلك الأكلة التي أصيب بها ولم يكن يشعر بحرارة النار  ويقول الرواة أنه كان يبكي كالأطفال من شدة الألم وقد شكا حاله إلى العالم الكبير حسن البصري الذي قال له : كم قد نهيتك يا حجاج أن لاتتعرض لعباد الله الصالحين لكنك لم تنتهي وهذا جزاؤك  فقال الحجاج بصوت يملؤه الأسى والألم : إني لا أطلب منك أن تدعو الله حتى يشفيني ولكني أطلب منك أن تسأل الله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي ويقال أن الحسن البصري بكى بكاء شديدا من شدة تأثره لحال الحجاج
وقد حكي ايضا  ان الحجاج حبس رجلا ظلما فكتب له رقعة قال له فيها :
قد مضي من بؤسنا ايام ومن نعيمك ايام والموعد القيامة والسجن جهنم والحاكم لايحتاج الي بينة ثم قال له : اما والله ان الظلم شؤم ومازال الظلوم هوالملوم
ستعلم ياظلوم اذا التقينا غدا عند المليك من من الظلوم
الي ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
وهذا شاعر كتب علي جدران قصر حاكم طاغية ظلم شعبه فخرجوا عليه وقتلوه وسملوا عينيه بالحديد المحمي بالنار واشعلوا النار في قصره بسبب بغيه وظلمه وطغيانه
احسنت ظنا بالايام اذحسنت ولم تخف يوما ياتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفوالليالي يحدث الكدر
يحكى أن وزيراً ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها، فشكته إلى الله فأوصاها مستهزئاً بالدعاء في ثلث الليل الآخر، فأخذت تدعو عليه شهراً، فابتلاه الله بحاكم فوقه قطع يده وعزله وأهانه، فمرت عليه وهو يجلد فشكرته على وصيته وقالت

إذا جار الوزير وكاتباه                وقاضي الأرض أجحف في القضاء

فويل ثم ويل ثم ويل                    لقاضي الأرض من قاضي السماء

يروى ان صيادا يصطاد السمك وويعول من ثمنه اطفاله وزوجته ،خرج يوما للصيد ،فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ثم اخذ ها ومضى الى السوق ليبيعها ويصرف ثمنها في مصالح عياله
فلقيه بعض الظلمة من اعوان السلطان فراى السمكة معه فاراد اخذها منه فمنعه الصياد فرفع الظالم خشبة كانت بيده فضرب بها راس الصياد ضربة موجعة واخذ السمكة منه غصبا بلا ثمن
ثم ان ذلك الغاصب الظالم  انطلق بالسمكة الى منزله وبينما هوسائر اليه عضت اصبعه عضة قوية لم يطق القرارمنها فذهب الي الطبيب وشكاله حاله فقال له هذه بدء الاكلة اقطع اصبعك ثم انتشر الالم الي الكف فاشار عليه الطبيب بقطع كفه فقطعه ثم سري الالم الي الساعدفقطعه  فما زال هكذا كلما قطع عضوا انتقل الالم الى العضو الآخر الذي يليه ،حتى خرج هائما على وجهه ،مستغيثا بربه ليكشف عنه مانزل به فلقيه رجل في الطريق فساله عن حاله فاخبره فقال له : لوانك رجعت الي الصيادواستحللته من ثمن السمكة ماحدث بك ماحدث ،فدخل المدينة ،وسال عن الصياد ،واتى اليه ووقع بين يديه يتمرغ على رجليه ،وطلب منه الإقالة مما جناه ،ودفع  شيئامن ماله ،وتاب من فعله ،فرضي عنه الصياد وعفا عنه فساله هل كنت  قد دعوت علي حينما اخذت منك السمكة قهرا عنك قال نعم قال فماذا قلت ؟ قال قلت اللهم ان كان هذا قدتقوي علي علي ضعفي علي مارزقتني ظلما فارني قدرتك فيه قال له : هاانا يااخي قد اراك الله قدرته في واناتائب الي الله ولن اظلم احدا بعد اليوم

نهاية الظالمين أليمة

في صفحات التاريخ كثيرون هم هؤلاء الظلمة  المستبدين والحكام الجبارين الذين نالوا من قلب الامة وعقلها وهم العلماء والدعاة المخلصين واولياء الله الصالحين  حتي يطفئوا نور الحق وكان ان اخذهم الله اخذ عزيز مقتدر وجعلهم عبرة لمن يعتبر ومن هؤلاء الذين ذكرهم الاستاذعبد الحميد الشح في مقالته (دروس وعبر من محن بعض العلماء

أحمد بن أبي دؤاد فمن هو وكيف كانت عاقبة ظلمه

انه القاضي المعتزلي أحمد بن أبي دؤاد، الذي كان احدرؤؤس الفتنه في عهد الخليفة الواثق والذي كان يُفتي بجواز ضرْب العلماء وسجْنهم وقتْلهم، فإنه سُئل بعد قتْل الواثق للإمام أحمد بن نصر الخزاعي، فقال: ضرَبني الله بالفالج – أي: الشلل – ، فيشاء الله – جل وعلا – بقُدرته وعظَمته أن يُصاب هذا الرجل ( احمد بن ابي دؤاد)في آخر حياته بالفالج، فمكَث أربع سنوات قبل موته طريحًا في فراشه
لقد حبَسه الله وعذَّبه في جلده، كما تسبَّب هو في حبْس الإمام أحمد وتعذيبه، وزاد الله عليه همَّه وغمَّه، فعزله المتوكل من وظيفته، كما تسبَّب هو في فصْل عشرات ومئات الأشخاص من وظائفهم، بل أمَر المتوكل بمُصادرة جميع أمواله، ثم أُتِي بولده محمد، فصُودِرت أمواله ومات قبل أبيه بشهرٍ، ثم مات الأب بعده بهمِّه وغمِّه، وتلك – والله – سُنة الله في خلقه

نهاية الجلاَّدين

ومن الناس الذين جعَلهم الله – عز وجل – عِبرة لغيرهم في هذه المِحنة: الجلادون الذين كانوا يَضربون الإمام أحمد بالسياط،(في محنة خلق القران ) فكان منهم رجلان: أبو ذر، وأبو العروق
أما أبو ذر، فكان ممن يضرب الإمامَ بين يدي المعتصم، فأُصيب بالبَرص والمرض، وتقطَّع جسمه، وأهلَكه الله بسوء عمله، وأما أبو العروق، فكان هلاكه أسوأَ من صاحبه، فمكَث خمسة وأربعين يومًا يَنبِح كما يَنبِح الكلب، ابتلاه الله بمرضٍ، فصار يَنبح كالكلاب، سبحان الله، هل نفع الجلادين أن يقول أحدهم: أنا عبدٌ مأمور؟ كلاَّ، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

جزاء الوزير ابن الزيات

أما ابن الزيَّات(والذي كان وزيرا في عهد الخليفة المتوكل ) فقد قال له المتوكل: في قلبي شيء من قتْل أحمد بن نصر، فقال: يا أمير المؤمنين، أحرَقني الله بالنار، إن قتَله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا، أمَّا هرثمة، فقال: قطَّعني الله إرْبًا إرْبًا، إن قتله إلا كافرًا

 هكذا قالوا، فكيف كانت نهاية كل واحد منهم؟

أما ابن الزيات الوزير، فقد ساءت الأحوال بينه وبين المتوكل، فأصدر أمرًا بالقبض عليه واعتقاله، فقُيِّد بالحديد وأُدخِل السجن، وصُودِرت أمواله وبساتينه، ثم أمَر الخليفة أن يُعذَّب، وأن يُمنع من الكلام والنوم، ثم وُضِع بعد ذلك في تَنُّورٍ من خشبٍ، فيه مسامير قائمة في أسفله، فأُقيم عليها، حتى مات وهو كذلك

مصير هرثمة

وأما هرثمة الذي قال: قطَّعني الله إرْبًا إرْبًا، فقد هرب من المتوكل، فمرَّ بقبيلة خزاعة – قبيلةِ الإمام أحمد بن نصر الخزاعي – فعرَفه رجل من الحي، فصرَخ بالناس: يا معشر خزاعة، هذا الذي قتَل ابن عمِّكم أحمد بن نصر، فاجتمع الناس عليه، وقطَّعوه إرْبًا إرْبًا، وجزاء سيِّئة بمثلها
والجزاء من جنس العمل، وماالله بغافل عما يعمل الظالمون ، كان أحد الظلمة أميراً على بلد ظلوماً متجبراً سفاكاً للدماء مصادراً للأموال خبيث العقيدة، عج الخلق فيه إلى الله، وكثر ابتهال أهل دمشق من هذا الذي سمي جيش ابن محمد بن صمصامة، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: ابتلي بما لا مزيد عليه، ضربه الله بالجذام، حتى ألقى ما في بطنه، وكان يقول لأصحابه: اقتلوني ويلكم أريحوني من الحياة، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ  ( الأعراف  103 )

مصارع الظالمين حديثا

وفي التاريخ المعاصر عبر في مصارع الظالمين: كيف كانت نهاية هتلر وموسيليني وذلك الطاغية الذي كان في بلاد الصرب وعاث فساداً في بلاد المسلمين، وغيره وغيره من الطغاة الذين ذهبوا أذلهم الله واخزاهم
ومن نهاية احد هؤلاء الظالمين  أن وضع مسدساً في فمه وأطلق رصاصة على نفسه فتهشم وجهه تماماً وماكان من حارسه الا ان وضع جثته في حفرة عميقة وصب الزيت عليها وأشعل فيها النار.
كمال اتاتورك الذي ألغى الخلافة العثمانية، وكان معادياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه، ومنع أعياد الفطر والحج والأذان واللغة العربية، وأصدر أمراً بتحويل مسجد أيا صوفيا إلى متحف، وكان سكيراً عربيداً ماجناً فاحشاً، ابتلاه الله بكائنات دقيقة لا ترى بالعين، أصيب بتليف في الكبد فذاق مر العذاب ثلاث سنوات حتى قبض جاحداً ظالماً ملحداً، هكذا في ظاهر الأمر.
وتسلط ظلمة بعده على عباد الله المسلمين وساموهم سوء العذاب وألوان النكال التي لا تخطر ببال، وكان فيهم من الفرعنة والقسوة والكفر، حتى في عباراتهم، حتى قال قائل لهم ( وهو حمزة البسيوني مير السجن الحربي في عهد حاكم مصر السابق جمال عبد الناصر ): لو نزل ربكم من السماء لأسجننه معكم في الزنزانة، فماذا فعل الله به؟ اصطدمت سيارته بشاحنة محملة بالحديد فدخلت أسياخ الحديد في رقبته وجسده وجعل يخور كالثور، فما استطاعوا أن يخلصوا جسده من أسياخ الحديد التي نشبت به إلا بتقطيع لحمه وتمزيقه ليذهب هالكاً،وصدق رسول الله (ص) القائل: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا
وهذه احدي السيدات رحمها الله (زينب الغزالي ) تحكي لنا عاقبة بعض الظالمين الذين عذبوها ومنهم الصول :صفوت الروبي الذي منحه الرئيس الهالك جمال عبدالناصر رتبة شرف ملازم ثاني مكافاة له علي قسوته البشعه في تعذيب الاخوان المسلمين في مصر في ستينيات القرن الماضي حيث قام بتعليقها وجلدوها خمسمائة جلدة وهي تستغيث ضارعة بالله وشمس بدران يقول لها :اين الله الذي تناديه فلينفعك ان كان موجودا لو استغثت بعبد الناصر لاغاثك في الحال ولم يقم بتعذيبها وحدها بل عذب كثيرا من الاخوان المسلمين في السجن الحربي دون جريرة ذنب ومن هؤلاء الشهيد محمدعواد المدرس بالتربية والتعليم وقتئذ والذي امر صفوت الروبي جنوده ان يضعوا راسه في حوض به ماء قذر وان ترضخ راسه في جدار الحوض وتكررهذاالعمل الاجرامي البشع حتي اختلط دمه بماء الحوض وتركوه فيه وماهي الالحظات حتي فاضت روحه الي بارئها تشكوظلم الانسان لاخيه الانسان 000فماذا كانت نهايته
بعد ان قضت محكمة امن الدولة العليا  في عام 1981بمعاقبته بالسجن المؤبد القي به الرئيس السادات في ليمان طره لقمة سائغة للمسجونين يفعلون به مايريدون انتقاما لهم ولزملائهم ممن عذبواعلي يديه ثم انه مرض مرضا شديدا بالسجن ممااستدعي الافراج عنه صحيا بعد قضائه عشرات السنوات في سجون اسياده الذين كان يعذب الناس بسببهم وتوفي في بيته اثرجلطة شديدة بالشريان التاجي وتعفنت جثته حتي اكتشفها الجيران من رائحتها وانتقم الله من اسياده الظالمين فاحدهم (وهوجمال سالم رئيس المحكمة العسكرية التي حاكمت الاخوان علي تهم باطلة اصيب بالسرطان وهلك في مايو 1968واخر اصيب بمرض عصبي وثالث توقفت كليتاه واحتبس بوله ومات بالتسمم ورابع مات منتحرا اومسموما وخامس يعثر عليه قتيلا بين الحقول وسادس هاجمه جمل له وقضم رقبته فقتله اما كبيرهم وراس الشر فيهم فقد كانت حياته كلها رعب وفزع في اليقظة والمنام وطفحت عليه المجاري في قبره بعد ان وري التراب فكان عبرة لمن يعتبر ورحلواجميعا عن الدنيا تلحقهم لعنات من ظلموهم وعندالله تجتمع الخصوم
والله غالب علي امره ولكن اكثر الناس لايعلمون  ويوجد اليوم من يحاصر بجيشه ويحاصر بقوته مدناً بأكملها وأحياء وقطاعات فيمنع الغذاء والدواء، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يرعى ذمة ولا حرمة، فيعتدي على الأعراض، وكذلك يوقع الناس في العنت والمشقة والشدة، لا ماء لا كهرباء لا غاز لا طعام، لا يريدهم أن يعيشوا بكرامة، ويظن أن الإذلال هو طريق السيطرة والتحكم.وتعرض الصور علي الملاءوتنشر في القنوات وتعرضها المواقع وقدرايت في بعضها جنود طاغية الشام وهم يعذبون اهل بلدتهم ويجبرونهم علي ان يقولوا اثناء التعذيب :لااله الابشار ويصرخون من شدة الام الضرب ويقولون : بالروح بالدم نفديك يابشار
يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) [رواه مسلم2613

عقوبة الظالمين في الاخرة

وعن ابي امامة قال : يجيء الظالم يوم القيامة حتي اذاكان علي جسر جهنم لقيه المظلوم فعرفه وعرف ماظلمه به فما يبرح الذين ظلموابالذين ظلموا حتي ينزعوا مابايديهم من الحسنات فان لم يجدوالهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ماظلموهم حتي يردوا الي الدرك الاسفل من النار ( اخرجه الطبراني في الاوسط من حديث ابي امامة مرفوعا
وعن عبدالله بن انيس قال : سمعت رسول الله(ص) يقول: يحشر الله العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كمايسمعه من قرب :اناالملك الديان لاينبغي لاحد من اهل الجنة ان يدخل الجنة اواحد من اهل النار ان يدخل النار وعنده مظلمة ان اقصه حتي اللطمة فما فوقها (ولايظلم ربك احدا ) قلنايارسول الله كيف وانما ناتي حفاة عراة فقال : بالحسنات والسيئات جزاءا وفاقا اخرجه احمد
و عن أبي هريرة(رض ). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا  يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وهذا الحديث كاني به قد نزل في بعض رجال  الشرطة وأعوان الظلمة الذين يعذبون الناس بالسياط وغيرها، وقد أصبح هذا معروفاً ومنتشراً في كثير من بلاد المسلمين ويعني ان النبي قد راي هؤلاء الظلمة في العذاب الشديد في النار لقيامهم بتعذيب الناس (رواه مسلم )،
وقيل : مكتوب في التوراة : ينادي مناد من وراء الجسر (يعني الصراط )يامعشر الجبابرة الطغاة ويامعشر المترفين الاشقياء ان الله يحلف بعزته وجلاله ان لايجاوز هذا الجسر اليوم ظالم
قال مكحول الدمشقي :ينادي مناد يوم القيامة :اين الظلمة واعوانهم ؟فمايبقي احد مدلهم حبرا اوحبر لهم دواة اوبري لهم قلما الاحضرمعم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم0

وماذا عن اخبار الامم المكذبة الظالمة

وإذا كان الظلم على مستوى الأفراد والعقوبة النازلة عليهم يشهدها بعض الناس كما نسمع فإن العقوبة تنزل أيضاً على الأمم المكذبة الظالمة، وسنة الله جارية في عموم الظلمة.
بل و كثيرة، قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَسورة الأنبياء11، وقال: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59، وقال: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُسورة الحـج48، وقد عاقب الله أمما بأنواع من العقوبات: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ سورة العنكبوت40، عاقب الله أقواماً بالصاعقة بصوت شديد من الجو ونار تنزل عليهم من السماء: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَسورة البقرة55، قوم شعيب ظلة مثل الغيم فوقهم سحب تقصفهم بالصواعق، عذاب يوم الظلة، عاقب الله بعض الأمم بالرجزوهو العذاب و بالطاعون: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ سورة البقرة59، عاقب قوماً بالرجس والسخط قال: قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ سورة الأعراف71، عاقب قوماً بالمسخ وتشويه الخلقة، لما جاهر بعض بني إسرائيل بالمعاصي: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ تحايلوا على شرع الله، فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين َسورة البقرة65، عذب قوماً بريح صرصر باردة شديدة الهبوب، عاد استكبروا وطغوا: وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًسورة فصلت15، فأرسل عليهم إعصاراً: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا يعني: متتابعاتفَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍسورة الحاقة 6-7، أرسل على أهل سبأ سيل العرم مزق ملكهم وأزال نعمتهم وأغرقهم بماء سدهم وجعلهم عبرة: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ سورة سبأ16، وقال: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سورة سبأ19سيرة بين الناس، قوم شعيب لما ظلموا بأنواع من الظلم عاقبهم الله بأنواع من العذاب: عذاب يوم الظلة، سحابة أظلتهم فاجتمعوا تحتها فأحرقتهم في يوم شديد الهول، وبالصيحة فقال: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُسورة هود94، وبالرجفة والزلزلة قال: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ سورة الأعراف78الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ سورة الأعراف92، وقال سبحانه بعدما ذكر عاقبة الظالمين ومصارعهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الأنعام45

درجات الظلم واعوانه

الظلم درجات والظالم له أعوان، وجنود، و أتباع، والله عز وجل يخذل الجميع، هؤلاء يعينون هؤلاء: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ سورة القصص8، يعينونهم على باطلهم، ويوم القيامة سيلعن بعضهم بعضاً: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ *قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِسورة غافر47-48.
جاء السجان  إلى الإمام أحمد رحمه الله في حبسه فقال له: يا أبا عبد الله! الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن  الظلمة أنفسهم،.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه حبر لهم دواة أو برى لهم قلماً، ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم، وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين في الآية، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الإثم والعدوان من أهل ذلك.
وإذا كانت الشريعة حرمت الركون إلى الظالم ومداهنتة والميل اليه فكيف إثم من يعينه؟ قال ميمون بن مهران رحمه الله: الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء.

الحكمة من عدم معاجلة الظالم بالعقوبة

قد نرى بعض الظالمين يتمادون في ظلمهم  عشرات السنين جاثمين على صدور العباد لكن الله لا يهمل، الله حليم لا يعاجل بالعقوبة، قال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى، فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ سورة النحل61، الله يحلم ويستر ويُنظر لكن لا يترك ولا ينسى سبحانه وتعالى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59بعض الناس يقولون: دول الآن تظلم وتطغى وتقصف وتحتل وتنهب وتسلب وتفسد لكن لهم يوم، هلاك الظالمين مؤكد لكن وقت حلوله، مجهول لنا قدلاتراه انت ايها العجول ولاتدركه بسبب عمرك القصير ولكن قد يراه احفادك وتسجله عين التاريخ الباصرة الساهرة .
، وقد يكون في عدم تعجيل العقوبة حكمة يعلمها الله مثل أن يستدرجه ليأخذه على أقبح حال اولياخذه علي حين غرة قال تعالي : إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا ولهم عذاب مهين سورة آل عمران178، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌسورة هود102))[رواه البخاري4686 ومسلم2583 سورة هود102يعني: هذه عادة لله قانون سنة جارية، الله قد يمهل بعض الناس ليتوبوا، وفعلاً قد يتوب ظالم ويرجع إلى ربه، وأحياناً يتأخر إهلاك الظالم لأن المظلوم كان ظالماً لغيره،
قال ابن القيم رحمه الله: وأنت أيها المظلوم تذكر من أين أتيت فإنك لا تلقى كدراً إلا من طريق جناية: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم ْسورة الرعد11، وقال: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم ْسورة الشورى30.
هذا إنسان كان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فذهب بغنمه فجعل يبكي، فهتف به هاتف: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلاً، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوقدتا وفوك نفخ، أنت الذي أوقدت على نفسك.
تأجيل الظالم يكون أحياناً ليستحكم العذاب عليه يوم القيامة، يعني: قد يموت في أوج قوته فيكون موته هو الأخذ والعذاب ينتظر أمامه: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءسورة إبراهيم42-43، وهذا وعيد شديد للظالمين وتسلية للمظلومين، سيكون هناك يوم يأتي فيه هؤلاء الظلمة لا ينبسون ببنت شفه.
قال عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) [رواه مسلم2582]، فإذا كان هذا حال العجماوات البهائم فيما بينها وهي غير مكلفة ولا عاقلة فكيف حال العقلاء؟!

أيحسب الظالم في ظلمه                       أهمله القادر أم أمهلا

ما أهملوا بل لهم موعد                       لن يجدوا من دونه موئلا

فلا يغر الظالم إمهال الله له، الملك بيد الله يؤتي من يشاء وينزع ممن يشاء، نقمة الله تأتي بسرعة مذهلة، تأتي بغتة.

يا من لذلة قوم بعد عزتهم                  أحال حالهم كفر وطغيان

بالأمس كانوا ملوكاً في مساكنهم           واليوم هم في بلاد الكفر عبدان

فلو تراهم حيارى لا دليل لهم              عليهم من ثياب الذل ألوان

(المصدر: جريدة الشعب الجديد)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى