كتاباتكتابات مختارة

عدم التكافؤ ليس مانعا من المقاومة دينا وأخلاقا

عدم التكافؤ ليس مانعا من المقاومة دينا وأخلاقا

بقلم حسن الخطاف

قد يكون هذا العنوان غريبا، إذ من المعلوم لمن عندهم حس إنساني أو ذوق أخلاقي أو أدنى معرفة بأحكام الشرع أن فلسطين هي أرض الجهاد والقتال، وهذا لا يحتاج إلى برهنة بعد أن قتلت الأنفس وشردت العوائل ودنست المقدسات -وعلى رأسها المسجد الأقصى- من قبل اليهود شذاذ الأرض.

أقول قد يكون هذا غريبا، وكان الأحرى أن يكون العنوان “القتال في فلسطين واجب دينا وأخلاقا”، لكن هذا العنوان بهذا الشكل لا جديد فيه، لأن هذا من المعلوم أيضا من حيث الجملة، ولكن من حيث تحقيق المناط وتعيين محل الحكم فإن الفتوى مرتبطة بالواقع، وأهل فلسطين -وفيهم العلماء- هم الأقدر على ضبط ذلك، فالقول بالوجوب من قبلنا يعني الإثم في حالة الترك، وقد يكون الواقع الجزئي مختلفا، ومن المعلوم أيضا لمن عنده أدنى معرفة فقهية أن عدم التكافؤ بين الظالم والمظلوم ليس مانعا من القتال شرعا وأخلاقا، فلمَ جاء العنوان بالشكل السابق؟

لاحظنا البعض يفتي عن أهل فلسطين تحريما لما تقوم به حماس وكأنه لا علماء عندهم!، وبعض هؤلاء ممن يحمل بعضهم شهادة دكتوراه، وليس من المبالغة إن قلت قد جن جنون بعضهم على صفحات الفيسبوك أو من خلال مقاطع اليوتيوب، يخذّلون الناس عن الجهاد والقتال، ويقنطونهم من النصر، وكان الأحرى أن يكفونا شرهم بسكوتهم، لكن السكوت ليس سهلا عندما يشتعل القلب حقدا، فالكلام نوع من التنفيس حتى لا يأكل الحقد صاحبه، وهذا يذكرنا من باب المقاربة لهذه الصورة بقوله “قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر” (آل عمران: 118).

ونستعير لتفسير هذه الآية كلاما لشهيد الكلمة سيد قطب -رحمه الله- دون غيره، لأن الاستشهاد به أكثر إيلاما لبعض هؤلاء، يقول سيد قطب “إنها صورة كاملة السمات، ناطقة بدخائل النفوس، وشواهد الملامح، تسجل المشاعر الباطنة، والانفعالات الظاهرة، والحركة الذاهبة الآيبة، وتسجل بذلك كله نموذجا بشريا مكررا في كل زمان وفي كل مكان”.

هذا النموذج المكرر نلحظه بكثرة مع سهولة التواصل في وسائل التواصل الاجتماعي، وبيع الضمائر، والتدني في المستوى الأخلاقي، والشغب على العلماء، والتقليل من شأن المدافعين عن حياض الأمة وبيضتها، وليس الأمر راجعا عند هؤلاء إلى الجهل بالدين فقط، بل إلى فقدان النخوة والغيرة، فالعربي -على فرض أننا نحينا الدين جانبا- لا يرضى بالذل والهوان، والذل ليس على أهل غزة، لأنهم مقهورون ويدافعون حتى بالحجارة، بل الذل والصغار على أكثر من مليار مسلم، والمأمول من أبناء هذه البلدان ألا يرخوا الحبل لأمثال هؤلاء أكثر من ذلك، وقد اعتدنا على هذا النوع من البعض في تزوير الحقائق وتثبيط الهمم نفثا لحقد أو رضا لسلطان.

الشبهات في عدم جواز قتال أهل غزة للصهاينة شرعا وأخلاقا

الشبهات كثيرة، منها أن “حماس تهلك نفسها، حماس لم تأخذ إذنا من أحد، حماس باعت نفسها لغيرها، هي عميلة، تقدم شعبها، وقادتها يعيشون في الخارج، لا يجوز مقاتلة القلة مع الكثرة، لأن الله تعالى خفف عن المقاتلين من وجوب الوقوف أمام 10 إلى الوقوف أمام اثنين..”.

لا أريد أن أقف عند المفردات السابقة، وسأكتفي بالوقوف عند قوله تعالى “الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين” (الأنفال: 66)، وقبلها مباشرة قول الله تعالى “يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون” (الأنفال: 65).

مع ملاحظة أنه لو لم تنتفض غزة لقال هؤلاء: أين هي حماس؟! ولاتهموها بالجبن وخيانة المقدسات.

تفسير قوله تعالى “الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا”

فهم بعضهم ممن يطلق الفتاوى يمينا وشمالا قول الله تعالى “الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين” (الأنفال: 66) أنها للوجوب وليست للجواز، فراح يحكم على أن قوة الصهاينة أقوى من قوة أهل غزة، وبنى على هذا أنه لا يجوز القتال، وأن القتال مخالف للقرآن، وأن فيه استباحة واستهانة للأرواح.

ونجيب عن هذه الشبهة بما يلي:

أولا: قوة الصهاينة

أما القول إن القوة الصهيونية أكثر فهذا لا شك فيه، فهي أكثر ليس بعشرات المرات بل بمئات المرات، وإنها فوق ذلك تملك سلاحا نوويا، ولكن الخطأ والخطل الذي وقع فيه هذا وأمثاله أنهم بنوا على هذه المقدمة الصحيحة حكما خاطئا وهو عدم جواز القتال، وتناسوا أن المسلم يملك قوة لا يملكها العدو وهي الإيمان، وأن أساس النصر الحقيقي ليس مرتبطا بجلب القوة المادية، وإنما هو بنصر الله تعالى، وقد جعل الله ذلك شرطا ولم يجعل القوة المادية شرطا، والآيات في ذلك كثيرة ونكتفي بقوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” (محمد: 7)، فجواب الشرط وجزاؤه مرتبطان بفعل الشرط.

ولا يفهم من هذا البتة تجاهل المسلم للإعداد المادي، فالمسلم يأخذ بالعدد المادية وكأنها كل شيء بعد التوكل على الله تعالى، والمطلوب منه أن يقدم ما يستطيع من قوة ولو كانت حجارة بيده مقابل الطائرة، ولا يعني هذا تغافلا أو عدم تقدير الموقف، فالأمر يترك لمن هم بالميدان، فالذي نقصده من هذه الجزئية أنك لو كنت لا تملك سوى الحجارة فهو يتوافق مع قوله تعالى “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” (الأنفال: 60)، فالمطلوب هو الإعداد وفق الاستطاعة.

ثانيا: تفسير الآية والقول إنها ناسخة لما قبلها

يقول القرطبي (ت 671 هـ) في التفسير نقلا عن ابن عباس رضي الله عنه “نزلت “إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين” فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من 10، ثم إنه جاء التخفيف فقال “الآن خفف الله عنكم”. قلت: وحديث ابن عباس يدل على أن ذلك فرض، ثم لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين، فخفف عنهم وكتب عليهم ألا يفر 100 من 200، فهو على هذا القول تخفيف لا نسخ”.

وعند ابن عاشور (ت 1393هـ) في “التحرير والتنوير” أن “قوله تعالى “الآن” هو زمن نزولها، وهو الوقت الذي علم الله عنده انتهاء الحاجة إلى ثبات الواحد من المسلمين للعشرة من المشركين، بحيث صارت المصلحة في ثبات الواحد لاثنين لا أكثر رفقا بالمسلمين واستبقاء لعددهم، فمعنى قوله “الآن خفف الله عنكم” أن التخفيف المناسب ليسر هذا الدين روعي في هذا الوقت، ولم يراع قبله لمانع منع من مراعاته فرجح إصلاح مجموعهم، وفي قوله تعالى “الآن خفف الله عنكم” وقوله “وعلم أن فيكم ضعفا” دلالة على أن ثبات الواحد من المسلمين للعشرة من المشركين كان وجوبا وعزيمة”.

ونقل النحاس (ت 388 هـ) في “الناسخ والمنسوخ” عن ابن عباس أنها منسوخة، وهو قول تبناه ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ) في “الناسخ والمنسوخ”، وابن الجوزي (ت 597 هـ) في “زاد المسير”، ونقل فخر الدين الرازي (ت 606 هـ) في “التفسير” أن القول بالنسخ هو قول الجمهور.

وهناك من قال إنه لم يقع نسخ وإنما جاءت الآية الثانية تخفيفا، فتبقى الآية الأولى محكمة، وقد تبنى المازري (ت 536 هـ) في “المعلم بفوائد مسلم” هذا القول قائلا “والصواب كون الآية محكمة، ثم بين وخفف بما جاء في الآية الأخرى”، لا تعنينا المسألة كثيرا، لأن المقصود من القولين أن الله خفف عن المقاتلين بحيث يجوز لهم عدم الثبات إذا كان عدوهم أكثر منهم مرتين فأكثر، ولأننا لم نجد عند من قال بالنسخ إنه لو لم يأخذ بالنسخ يعد هالكا لنفسه وآثاما عملا بآية النسخ، وهذا هو الذي يعنينا ونناقشه في المسألة الثالثة.

ثالثا: ينبغي التفريق بين وجوب عدم ترك القتال في حال كان العدو أكثر من الضعف وبين الجواز

الواضح من الآية ومما نقلناه عن القرطبي وابن عاشور وهو الموجود في كتب التفسير أن ثبات الواحد مقابل العشرة كان فرضا ولا يجوز الهروب ما دام العدد أقل من 10 أضعاف، فلما شق ذلك على المسلمين وكأن ذلك ترافق مع كثرتهم خفف الله عنهم في جواز عدم الثبات إذا كان العدد والقوة أكثر من الضعف.

لكن الآية على -فرض القول بالنسخ- نسخت الوجوب ولم تنسخ الندب أو الجواز، وهذه مسألة مهمة، فمن وقف أمام 5 ليقاتلهم أو أمام أكثر من ذلك فلا يقال له إنك خالفت الآية، فالآية منحت جواز التخلي، ومثال هذا -من باب المقاربة- ما لو استأجرت أجيرا ليعمل عندك في اليوم 10 ساعات ثم خففت عنه إلى 6 ساعات فلا يقال له أذنبت أو أخطأت لو عمل أكثر من 6 ساعات، وهذا واضح من سياق النص.

عدد المسلمين في الوقائع دليل على الجواز وليس على الوجوب

لا نعلم واقعة من الوقائع حصل فيها قتال عام كان عدد المسلمين فيها مساويا لعدد عدوهم أو حتى النصف، وكل الفتوحات الإسلامية التي وقع فيها القتال كان عدد المسلمين أقل بكثير، خاصة في قتالهم مع الفرس والروم.

بل إن غزوة مؤتة التي جهز النبي -عليه الصلاة والسلام- قادتها وبعث إليهم كما ذكر المقدسي (ت 355 هـ) في “البدء والتاريخ” “3 آلاف رجل واستعمل عليهم زيد بن حارثة إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، وان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة”، في حين كان عددهم أكثر من ذلك بكثير.

وتولية النبي -عليه الصلاة والسلام- جعفر بعد زيد وعبد الله بن رواحة بعد جعفر بن أبي طالب كأنها إشارة منه -عليه الصلاة والسلام- إلى ما سيحدث في المعركة مع أن العدو أكثر من ذلك بكثير، ولو كان لا يجوز ثبات المقاتلين إلا إذا كان عدوهم أقل من الضعف لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والذي يعنينا من هذا ومن أحداث التاريخ أنه لم يفهم أحد من تصرفات النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا من تصرفات الصحابة أو من بعدهم أنه لا يجوز الصمود للعدو إذا كان أكثر من الضعف.

فالآية ترشد كما ذكرنا سابقا إلى أنه لا يجب الثبات والبقاء في القتال إن كان العدو أكثر من الضعف، وبتعبير الماوردي (ت 450 هـ) في “الحاوي الكبير” “ولا يلزمه مصابرة أكثر من رجلين”، وفرق بين قولنا لا يلزمه وبين قولنا يجب عليه ألا يصابر، فالأول يفيد الجواز وأقل درجاتها الإباحة إن لم نقل الندب، والثاني يفيد التحريم والإثم.

وهذا منصوص عليه في كتب الفقه، إذ يقول ابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ) في “المغني” “فإن زادوا عليه جاز الفرار لقول الله تعالى “الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين” (الأنفال: 66)، ومثله قول الخطيب الشربيني (ت 977 هـ) في “مغني المحتاج” “(فإن زاد) عدد الكفار (على مثلين) منا (جاز الانصراف) عن الصف لقوله تعالى “الآن خفف الله عنكم” (الأنفال: 66)”، أي جاز الانصراف وجاز البقاء ولا يجب الانصراف.

هل يندب البقاء ولو كان العدد أكبر أخذا بالعزيمة وهي الأصل، أم يأخذ المقاتل بالرخصة وهي الفرار

هذا راجع إلى تقدير المقاتل في أرض المعركة، وهذا ما ذكره البهوتي (ت 1051هـ) في “كشاف القناع” “(وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار)، (وهو) أي: الفرار (أولى) من الثبات (إن ظنوا التلف بتركه) أي: الفرار، وأطلق ابن عقيل استحباب الثبات للزائد، لما في ذلك من المصلحة (وإن ظنوا الظفر فالثبات أولى) من الفرار (بل يستحب) الثبات لإعلاء كلمة الله، ولم يجب، لأنهم لا يأمنون العطب (كما لو ظنوا الهلاك فيهما)، أي: في الفرار والثبات (ف) يستحب الثبات وأن (يقاتلوا، ولا يستأسروا)، قال الإمام أحمد “ما يعجبني أن يستأسروا”.

والأدلة على هذا كثيرة لا يتسع المقام لذكرها ونختم بما ذكره ابن رشد الجد (ت 520 هـ) في “البيان والتحصيل” قائلا “وسئل مالك عن رجل من المسلمين يحمل على الجيش من العدو وحده، قال: قال الله تعالى “الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا” (الأنفال: 66).. قال محمد بن رشد: أما إذا فعل ذلك إرادة السمعة والشجاعة فلا إشكال ولا اختلاف في أن ذلك من الفعل المكروه، وأما إن اضطر إلى ذلك بإحاطة العدو به ففعله مخافة الأسر فلا اختلاف في أن ذلك من الفعل الجائز، إن شاء أن يستأسر، وإن يشاء أن يحمل على العدو ويحتسب نفسه على الله، وأما إذا كان في صف المسلمين وأراد أن يحمل على الجيش من العدو وحده محتسبا بنفسه على الله ليقوي بذلك نفوس المسلمين ويلقي به الرعب في قلوب المشركين فمن أهل العلم من كرهه ورآه مما نهى الله عنه من الإلقاء إلى التهلكة، لقوله عز وجل “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” (البقرة: 195)، ومنهم من أجازه واستحبه لمن كانت به قوة عليه، وهو الصحيح”.

لا تسري الحالة السابقة على قطاع غزة لأنها مرتبطة بجهاد الطلب وإنما يسري عليه جهاد الدفع

الحالة السابقة هي حالة الجهاد والقتال الذي يطلبه المسلمون، وهذا يعني أنه حتى لو فرضنا من باب الجدل أن قطاع غزة تنطبق عليه هذه الحالة فلا يصح الاحتجاج بقوله تعالى “الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين” (الأنفال: 66)، لأن هذه الآية واردة في موطن آخر لا علاقة له بشأن غزة.

أما حالة الجهاد فلأن الصهاينة اغتصبوا مساجد المسلمين، ومنها المسجد الأقصى، وهذا كاف لينفر المسلمون للجهاد.

وعندما نقول حالة الدفع فمؤدى هذا أن الدفاع فرض على الجميع رجالا ونساء، وكان الأحرى على من يخذل الناس أن يسكت إن لم تكن عنده الجرأة النفسية والأخلاقية للمناصرة بالدعاء أو بالسكوت على أقل الأحوال.

وقد ذكرت كتب الفقه أنه في هذه الحالة يجب على المسلمين جميعا أن يهبوا لنجدة إخوانهم، يقول الكاساني (ت 587 هـ) في “بدائع الصنائع” “فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه”، وفي هذه الحالة كما يرى المرغيناني (ت 593 هـ) في “الهداية” “تخرج المرأة بغير إذن زوجها، والعبد بغير إذن المولى، لأنه صار فرض عين”.

وهذه الحالة هي حالة الفلسطينيين الذين اغتصبت أرضهم وقتلوا وشردوا، وكان الأولى أن يتدافع المسلمون جميعا إلى نصرة إخوانهم في فلسطين، لأن قضية الأقصى ليست هي قضية فلسطين، بل هي قضية المسلمين جميعا، ومن الخطأ تحويل هذه القضية من قضية إسلامية إلى قضية عربية، ومن قضية عربية إلى قضية فلسطين، ومن قضية فلسطين إلى قضية غزة.

حالة غزة يسري عليها موضوع الصيالة أيضا

بالإضافة إلى سريان حالة الدفع على أهل غزة فإنه يسري على أهلها وعلى فلسطين حالة الصيالة، و”الصيالة” في اللغة كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية “مصدر صال يصول، إذا قدم بجراءة وقوة، وهو: الاستطالة والوثوب والاستعلاء على الغير، ويقال: صاوله مصاولة، وصيالا، وصيالة، أي: غالبه ونافسه في الصول، وصال عليه، أي: سطا عليه ليقهره، والصائل: الظالم، والصولة: السطوة في الحرب وغيرها، وصال البعير: إذا صار يقتل الناس ويعدو عليهم، وفي الاصطلاح: الصيال الاستطالة والوثوب على الغير بغير حق”.

الوقوف ضد الصائل إنسانا كان أو حيوانا يرجع إلى نصوص كثيرة، ومنها قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في ما رواه مسلم “من قتل دون ماله فهو شهيد”، وفي السنن الأربع كما ذكر الحافظ ابن حجر في “التلخيص الحبير” “من قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ” ويرى الجصاص في “أحكام القرآن” أنه لا يكون “شهيدا إلا هو مأمور بالقتال إن أمكنه، فقد تضمن ذلك إيجاب قتله إذا قدر عليه”.

وإذا كان الأمر مرتبطا بحالة الصيالة فالمطلوب ممن تقع عليه الصيالة أن يدافع عن نفسه وماله عرضه، وهذا ما يقوم به أهل غزة، حيث قتلوا وشردوا ونهبت أموالهم منذ قيام هؤلاء الصهاينة ببناء دولتهم.

ودفع الصائل ليس مرتبطا بالشخص الذي تقع عليه الصيالة، فكما يجب أن يدفع الشخص الصيالة عن نفسه فعليه أن يدفع الصيالة عن غيره.

وعبارات الفقهاء في هذا كثيرة، وحتى لا نطيل فيها ننقل ما جاء في الموسوعة الكويتية “إذا صال صائل على إنسان جاز له الدفع، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، وإنما اختلفوا في وجوب الدفع عن النفس على المصول عليه، فذهب الحنفية والمالكية -في أصح القولين- والشافعية والحنابلة -في إحدى الروايتين- إلى أنه يجب على المصول عليه أن يدافع عن نفسه، إلا أن الشافعية قيدوا وجوب دفع الصائل بما إذا كان الصائل كافرا أو بهيمة، ويرى المالكية -في قول- والحنابلة -في الرواية الثانية- أن المصول عليه لا يجب عليه دفع الصائل”.

ومصدر هذا الاتفاق نصوص كثيرة مر بعضها، ومن ذلك أيضا أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال “فلا تعطه مالك”، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال “قاتله”، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال “فأنت شهيد”، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال “هو في النار”.

ومما نلحظه أن الوقوف ضد الصائل الظالم ليس مرتبطا عند الفقهاء بكون المصول عليه مسلما، فلا فرق أن يكون “من المسلمين أو من أهل الذمة”، وهذا رأي الكثير من الفقهاء، ومنهم المالكية والحنفية كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، وهذا يدل على احترام آدمية الإنسان والدفاع عنه بغض النظر عن معتقده.

وفي الختام

لم نجد قضية عادلة كقضيتنا في تحرير المسجد الأقصى وفي الدفاع عن أهلنا في فلسطين، فأقل ما يقال في الدفاع إنه واجب ديني وأخلاقي على جميع المسلمين، وليست هي قضية فلسطين أو قضية غزة، وحيثما نقول هو واجب ديني فهو واجب أخلاقي، لأن الأخلاق لا تنفصل عن ديننا، فنصوص الوحي هي مصدر الأخلاق عندنا نحن المسلمين، ومن المهم التبيان أن عدم دفاع الإنسان عن نفسه، وكذلك عدم دفاع الناس عن المظلوم لا يتناسب مع القيم الأخلاقية، لأنه يؤدي إلى تطاول المفسدين وتجريئهم على غيرهم، كما أن السكوت عن أولئك الذين يطعنون بغزة ويتهمونها بتهم باطلة كالقول إنهم يتاجرون بقضية فلسطين، نسوا أو تناسوا أن قادة غزة -وعلى رأسها حماس- قدموا أنفسهم في سبيل الله تعالى، ومنهم الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي والمقادمة ويحيى عياش رحمهم الله جميعا وجمعهم مع النبيين والصديقين والشهداء.

والنصر لقضيتنا العادلة، والفخر كل الفخر لنا أن ننتمي إلى أمة فيها أمثال هؤلاء الأبطال، فهم رفعوا رأس هذه الأمة وأعطوا الأمل لأبنائها بمواصلة السير.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى