كتب وبحوث

عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية

-الكتاب: عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية (رؤية إسلامية)
-المؤلف: أحمد إبراهيم منصور
-الصفحات: 368
-الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت
-الطبعة: الأولى/ 2007

-عرض: إبراهيم غرايبة


يقدم هذا الكتاب النظرية الاقتصادية الوضعية فلسفة وآليات وفعاليات وما يصاحبها من خلل ومشكلات، ويحاول أن يقدم بديلا موضوعيا يوازن بين التطلعات المادية مع الالتزامات الروحية، وهو ما يعبر عنه الاقتصاد الإسلامي بحاكمية الشريعة الإسلامية لفعاليات الحياة ومنها الاقتصاد.

الاقتصاد الوضعي
يقوم الكتاب على افتراض عدم قدرة النظرية الاقتصادية الوضعية على إيجاد التوازن بين السعي نحو التراكم المفضي إلى النمو المفرط والتوزيع العادل للدخل والثروة وإعادة التوزيع المفضية إلى الرفاهية الاقتصادية الاجتماعية.

ويسعى المؤلف إلى إثبات هذه الفرضية وتقديم البديل، الذي يراه متمثلا بالاقتصاد الإسلامي، وقد اعتمد الكاتب على منهج التحليل النظري المقارن.

ويتركز بحث المؤلف في مسألتين يراهما مهمتين: مسألة المفهوم لأنه الحامل صفات الموضوعات الحياتية وخصائصها ومعانيها التي تميز الهوية الحضارية للأمة، والمنهج لأنه أداة تقصي الحقائق الذي يعبر عن الخصوصية والمشتركات الإنسانية، ومسائل العدالة والتوزيع والكفاءة والنمو وفق المفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي.

ويجد المؤلف أنه وفقا للكتابات التأسيسية للنظرية الاقتصادية الوضعية والكتابات اللاحقة ليس هناك من توافق بين التوزيع بوصفه وظيفة اقتصادية اجتماعية، والعدالة بوصفها مفهوما سلوكيّا قيميّا، وأن آليات التوزيع التي أقصت مفهوم العدالة قد ركزت على النمو الاقتصادي الذي لا يمكن لوتيرته أن تتزايد إلا في ضوء التفاوت في الدخول والثروات، وأن كفاءة المورد تقررها السوق وفقا لهذا السياق.

بدأت معالم النظام الاقتصادي الوضعي تتحدد بالمبادرات الجريئة التي قام بها علماء عصر النهضة، مثل الطبيب الألماني بارسيلس (1490 – 1541) الذي أحرق كتب أرسطو وغليلو في محاوراته الشهيرة مع أرسطو حول نظام الشمس وكذلك فرنسيس بيكون الذي عارض المنهج الاستقرائي، وبناء على ذلك ساهمت تغيرات المفاهيم عبر تغير الولاءات في انبثاق دين الإنسان المثقف على حد قول شبنغر.

وبظهور النظام الاقتصادي الرأسمالي المصاحب لنمو التجارة والثورة الصناعية صعدت الطبقة الوسطى إلى مركز قيادة الدول القومية، وأصبحت التجارة هي المهنة الأكثر احتراما، بالإضافة إلى أنها المهنة التي تصنع الثروة.

كما أن مفهوم الثروة صيغ على نحو يتلاءم مع معطيات المرحلة الجديدة، فالثروة تتجسد في المعادن النفيسة، وهذا يتم بالمقدرة التصديرية والميزان التجاري الموجب.

وقد أدت هذه السياسات التجارية إلى تراكم رأسمالي كبير نشأت حوله انطلاقة حضارية وأطروحات أساسية جديدة على مستوى فلسفة الحياة الاقتصادية، وبرز مفهوم العدالة والطبقات، وأدت الثورة الصناعية إلى مفاهيم ومعطيات جديدة في الاقتصاد قائمة على المهارات الفنية والعلاقة الجديدة بين الإنتاج والعمل، أو ما يمكن تسميته بالرأسمالية الصناعية، وطورت الإمكانيات الصناعية أدوات وعمليات احتلال واسعة من قبل الغرب للعالم أنشأت ما يمكن تسميته بالاقتصاد الاستعماري والتبعية الاقتصادية بين دول العالم وشعوبه.

واستكملت النظرية الاقتصادية مراحلها بدولة الرفاهية الاجتماعية، ولكن ذلك لم يأت -في تقدير المؤلف- لكي يستقيم القول إن الدولة عادت للتدخل في الشأن الاقتصادي، بل لتحديد الدور الجديد للدولة في الفعالية الاقتصادية، وهو ما يمكن القول عنه إنه ولادة العقلانية للواقعية الاقتصادية الجديدة، التي تلغي ما تبقى من الرشد البشري الذي يحركه ما تبقى من الأحكام القيمية.

“بقدر ما أفادت النظرية الاقتصادية الوضعية من الاختراع والابتكار وتطويعه تطبيقا لإخراجه سلعا وخدمات فقط, طوع الفكر الاقتصادي على أنه كيان يتطور بيولوجيا وله وجود وظيفي يتناسل بشكل مستمر”

هذه العقلانية الواقعية شيدت صرحا جديدا لمفهوم العدالة الجديدة القائمة على فروض عقلانية صارمة منطوقها الأساسي هو: حتى يمكن قبول نتائج العملية لا بد من الرضا أولا عن هذه العملية.

فإذا كانت الدولة كما يصفها ماركس هي اللجنة التنفيذية للطبقة الرأسمالية، فقد سحب كينز البساط من تحت أقدام ماركس عندما قلب البنية وأوجد دورا جديدا للدولة في الفعالية الاقتصادية وهو تنشيط الطلب، وبذلك حصل على الموافقة الرسمية الشعبية على العملية وقبول نتائجها في التوزيع وعدالته والكفاءة والنمو.

ويخلص المؤلف بناء على ذلك إلى أنه بقدر ما أفادت النظرية الاقتصادية الوضعية من الاختراع والابتكار، وتطويعه تطبيقا لإخراجه سلعا وخدمات فقط, طوع الفكر الاقتصادي على أنه كيان يتطور بيولوجيا وله وجود وظيفي يتناسل بشكل مستمر، فليس هناك شيء ثابت سوى العملية والرضا عنها ثم القبول بنتائجها.

أما الفكر فوظيفته إيجاد الآليات التي تتلاءم والتغير الحاصل في البيئة الداخلية والخارجية وهذا هو دور الديمقراطية بمفهومها الغربي الذي يعزز بشكل مستمر الاستعداد الاجتماعي للخروج على التقاليد والسماح بطرح أفكار جديدة تعوم كما تعوم السلع والنقود في السوق.

إنه اقتراع على الأفكار بوصفها سلعا وخدمات فلا حاكمية للتوزيع على اقتسام الدخول وتوزيعها إلى أجور وأرباح إلا معدلات النمو سواء كانت العملية تتمتع بنسق أخلاقي أم لا.

عدالة التوزيع في الاقتصاد الإسلامي
يقدم المؤلف النظرية الاقتصادية الإسلامية على أنها لا تعالج المشكلة الاقتصادية بالاتكال على الفرضية التقليدية في النظرية الاقتصادية الوضعية في مسألتي الندرة والاختيار على الرغم من الحضور النسبي لهذين العاملين في معالجة المشكلة الاقتصادية، وإنما تعالجها انطلاقا من مسألة سوء توزيع الموارد، وما يرافق ذلك من تغيرات جذرية مصاحبة للنشاط الاقتصادي، كذلك سوء الاستخدام والاختيار.

فالعدالة يعد حضورها واجبا من خلال العلاقة بين فعالية الإنتاج وفعالية التوزيع، فإذا كان النمو الاقتصادي وتنميته في الاقتصاد الإسلامي يستند أصلا إلى الجانب الكمي والجانب التقي من فعاليات الإنتاج فإن حضور التوزيع العادل يعد شرطا ضروريا لنمو الإنتاج وتنميته وإلا سيحصل تناقض بين الاستهلاك والإنتاج.

ويصوغ المؤلف بناء على ذلك المسلمات الاقتصادية المتوافقة مع مقاصد الشريعة لتجسد حالة انسجام بين أطراف الفعالية الاقتصادية ولتعبر عن الوحدة العضوية لتلك الفعالية، وهذه المسلمات يمكن إجمالها في المحاور الآتية:

1- الحاجات الأساسية
2- دخل الكفاية
3- التوزيع وإعادة التوزيع
4- تنمية النمو وكفاءة الموارد

وهنا يرى المؤلف أن مفهوم عدالة التوزيع في الاقتصاد الإسلامي يرتبط بمفهوم العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص في الضمان الاجتماعي.

والعدل الاجتماعي بوصفه جزءا من مفهوم العدل الشامل هو من الأوامر الموجبة الارتباط بالسلوك الاجتماعي، كما أنه مرتبط بالقيم الاجتماعية التي تحدد أداء فعاليات الحياة في أي مجتمع، والعدالة الاجتماعية يمكن تحقيقها إذا ما توافرت الظروف الصحية لتوزيع عادل على المستوى الاقتصادي.

إن الحاجات الأساسية ترتبط بالدخول، ومعيارها يقترن بمعيار حد الكفاية في الدخول، إذ إن إشباعها ممكن عند مستويات الدخول المختلفة، ومن المؤكد أن هذه الحاجات ليست على درجة من الثبات.

“التوزيع يأتي محورا مكملا لوضوح الفعالية الاقتصادية، وهو ينصب على تيار المنافع الحقيقية الصادرة عن الدخل الفردي أو الدخل القومي, وأما التوزيع وإعادة التوزيع فهما من الإجراءات المضبوطة شرعا للحفاظ على دخول حد الكفاية”

لقد وضعت الشريعة هذه الحاجات للحفاظ على الضروريات، وهي مقاصد الشريعة المتمثلة في الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والنسل، والتي يصفها الشاطبي بأنها “ما لا بد منه في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين”.

أما التوزيع فيأتي محورا مكملا لوضوح الفعالية الاقتصادية، وهو ينصب على تيار المنافع الحقيقية الصادرة عن الدخل الفردي أو الدخل القومي, وأما التوزيع وإعادة التوزيع فهما من الإجراءات المضبوطة شرعا للحفاظ على دخول حد الكفاية.

والعرض لا يخلق الطلب عليه إذا كانت الدخول عند حد الكفاف أو دون ذلك, كذلك تنمية النمو لا يمكن أن تكون ما لم يكن هناك اتجاه إنفاقي في مجال الاستثمار وزيادة الإنتاج، حيث ترتبط بالطلب الفعال المرتبط أصلا بالأجر الحقيقي، الذي يمثل دخل حد الكفاية في الاقتصاد الإسلامي.

الكفاءة والتنمية الاقتصادية
تقوم الفعالية الاقتصادية الرأسمالية في النظرية الاقتصادية الوضعية على أساس: حرية الملكية، وحرية التبادل، ودافع الربح، وهذا النظام ينظر إلى الموارد الاقتصادية عبر ثلاث ميزات تتصف بها هي: أن هذه الموارد في معظمها محدودة الكمية، وأنها متعددة الاستعمالات، وأنها يمكن عبر عمليات تغيير مناسبة أن تؤدي إلى إنتاج سلعة نهائية.

وتتجسد الكفاءة الاقتصادية في كيفية التخصيص الكفء للموارد الاقتصادية في الفعالية الإنتاجية، وعناصر الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي تتشكل من مصدرين رئيسين هما: العمل ورأس المال.

وفي الاقتصاد الإسلامي فإن التخصيص الأفضل للموارد الاقتصادية يكون حسب المقاصد من استخدام الموارد، فالأفضلية في ترتيب الموارد -حسب اعتبار مقاصد الشريعة- هي للضرورية منها، لأن الضروري من الموارد يؤدي إلى حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل مع مراعاة نمو هذه الموارد وتنميتها، وهو عائد إلى اعتبارين مهمين هما: مراعاة هذه الموارد من جانب الوجود، ومراعاة هذه الموارد من جانب العدم.

“النمو في الاقتصاد الإسلامي هو جزء من التكليف الشرعي للفرد والمجتمع على مستوى فرض العين وفرض الكفاية في إعمار الأرض، الأمر الذي يلزم المكلف بكفاءة استخدام الموارد وتخصيصها العادل”

إن قرار التخصيص الإسلامي للموارد غير بعيد من التحليل الاقتصادي ولا يتناقض معه، فقرار التخصيص يأخذ في الاعتبار تحليل الكلفة والعائد، هذا التحليل في الاقتصاد الإسلامي يصدر عن عقل مسلم يستهدي بالوحي (الشريعة) وبناء على ذلك فإن التخصيص الأمثل والأفضل سوف يقع في أطر أربعة:

التخصيص حسب الأولويات (الضرورية والحاجية والتحسينية) والاعتدال في التخصيص، أي التحرك فيما هو متاح من الموارد الاقتصادية، ومراعاة حد الكفاية في التخصيص في الأمثلية والأفضلية، وهذا يتناغم مع فرص توفير حد دخل الكفاية، ومراعاة التوازن في التخصيص، وهو أمر يأخذ في الاعتبار العدل التخصيصي للمصالح الحاضرة ومصالح الأجيال في المستقبل.

وعودة إلى مصطلح الأولويات، الضرورات منها والحاجيات والتحسينيات كما صنفها الشاطبي، فالضرورات تمثل مقاصد أصلية متقدمة على المصالح الحاجية والتحسينية.

وقد حصر الشاطبي العلاقة بين المصالح الثلاث في مطالب خمسة هي: الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي التحسيني، واختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقي بإطلاق، ولا يلزم من اختلال الباقييْن اختلال الضروري، وقد يلزم من اختلال التحسيني بإطلاق أو الحاجي بإطلاق اختلال الضروري بوجه ما.

وقد كشف المؤلف في بحثه عن حقيقة أن كفاءة المورد الاقتصادي في النظرية الاقتصادية الوضعية تتحقق من خلال العائد المادي بمعزل عن أية أحكام قيمية.

لذلك فإن كلفة الفرصة البديلة هي هدف المورد الذي يعمل بمقياس قوى السوق التي تعم بشكل مستقل عن أية قيم سوى تعظيم العائد وأذواق المستهلكين بغض النظر عن التخصيص الهستيري للموارد ونتائجه السلبية في التلوث والنفاذ.

أما الموارد في الاقتصاد الإسلامي فهي مسخرة استنادا إلى أحد قوانين الاقتصاد الإسلامي ألا وهو قانون التسخير الذي تعد الموارد بموجبه أمانة، واستخدامها بدقة وكفاءة شرط لإعمار الإنسان والمجتمع والعالم للحفاظ على الاتساق والجمال.

وكشف الكتاب أيضا عن حقيقة أن معدلات النمو في الاقتصاد الوضعي تعمل بمعزل عن آليات عدالة التوزيع وأن الأساس في النمو ناتج عن التفاوت في الدخول المكون للتراكم الرأسمالي المعد للنمو، وحتى في ظل دول الرفاهية كان النمو لا يسمح بإصدار أحكام قيمية للمقارنة في توزيع الدخول بين الأفراد.

في حين أن النمو في الاقتصاد الإسلامي هو جزء من التكليف الشرعي للفرد والمجتمع على مستوى فرض العين وفرض الكفاية في إعمار الأرض، الأمر الذي يلزم المكلف بكفاءة استخدام الموارد وتخصيصها العادل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى