تقارير وإضاءات

طائرات غزة الورقية تتحدى قبة إسرائيل الحديدية

إعداد محمد النجار

 

طائرات إف 16 الحربية التي تزيد تكلفتها على سبعين مليون دولار، في مواجهة طائرات ورقية حارقة لا تتجاوز تكلفتها دولارا واحدا؛ هذه باختصار معادلة المواجهة الحالية التي فرضها المتظاهرون الفلسطينيون على الحدود بين قطاع غزةوإسرائيل، التي تعترف بأنها تواجه “حربا حقيقية” تعجز عن مواجهتها.

فخلال الساعات 24 الماضية أعلن جيش الاحتلال تحوله لمواجهة الطائرات الورقية بالقصف بطائراته الحربية، التي قصفت أهدافا في قطاع غزة، بعد أن عجز عن وقف حرب الطائرات الورقية التي يصنعها فتيان فلسطينيون من الورق والنايلون والخيوط التي تكلفهم أقل من دولار واحد.

وقبل يومين، أعلن جيش الاحتلال أنه قصف “خيمة” قرب الحدود، وسيارة تبين أنها فارغة، قال إنهما تعودان لمسؤولين عن إطلاق الطائرات الورقية.
ولم يتردد الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي في الإعلان عن قيام جيشه بتنفيذ غارات “بالقرب من الخلايا المسؤولة عن إحراق مناطق في إسرائيل، كما نفذ ضربات ملموسة ضد بنية تحتية تساندها”.
طائرات إرهابية
أدرعي الذي باتت الطائرات الورقية تشغل مساحة كبيرة من تصريحاته، تماما كما هي حال كبار المسؤولين في حكومة وجيش الاحتلال، كتب على حسابه على تويتر فجر اليوم الاثنين: “يعتبر إطلاق البالونات والطائرات الورقية التخريبيتين عمليات إرهابية تعرض سكان جنوب إسرائيل للخطر وألحقت ضررا في مناطق واسعة”.
ولغة القلق من الطائرات الورقية تصاعدت في الأيام الأخيرة بشكل لافت، فإضافة إلى حرب التصريحات والقرارات التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، باتت سبل مواجهة حرب الطائرات الورقية بندا ثابتا في اجتماعات المجلس الأمني الوزاري المصغر.
وخلال الاجتماع الأخير للمجلس، أبلغ رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي جادي إزنكوت أعضاءه بضرورة معاقبة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على استمرار إطلاق هذه الطائرات، لا أحد غيرها.
وتصريح إزنكوت جاء بعد أيام من مطالبة مسؤولين إسرائيليين، من بينهم وزير الزراعة، بإطلاق النار على مطلقي الطائرات الورقية.
شبان فلسطينيون يصنعون طائرات ورقية قبل تزويدها بزجاجات حارقة وإطلاقها نحو إسرائيل (رويترز)
قلق أميركي
والتصريحات التي تهاجم الطائرات الورقية تعدت إسرائيل، لتصل للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات الذي هاجم هذه الطائرات، وقال في تغريدة باللغة العربية نشرها على حسابه على تويتر “طائرات حماس الورقية المقاتلة ليست ألعابا غير مؤذية أو تعبيرات مجازية للحرية، بل هي حرب دعائية وأسلحة عشوائية”.
وتابع “لقد أضرمت الطائرات الورقية المقاتلة التابعة لحماس النار مئات المرات ودمرت آلاف الهكتارات، وهدرت ملايين الدولارات منذ نشوب العنف في الفترة الأخيرة”.
ولغة الخسائر عبر عنها أيضا وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي صرح مؤخرا بأن نحو ستمئة طائرة ورقية حارقة أطلقت من قطاع غزة جرى اعتراض أربعمئة منها من قبل جيش الاحتلال، في حين تسببت مئتان بإحراق تسعة آلاف دونم من المحاصيل والغابات.
وإضافة إلى القلق الأمني المتصاعد جراء إطلاق هذه الطائرات، والمخاوف من أن تحمل قنابل متفجرة في المستقبل، إضافة إلى إشعالها حرائق بالقرب من مواقع عسكرية، فإن القلق الأكبر الذي باتت تعبر عنه مختلف الدوائر في إسرائيل يتمثل في الخسائر الاقتصادية الكبيرة، لا سيما مع الارتفاع المستمر في وتيرة إطلاقها.
فصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قالت في تقرير لها الأسبوع الماضي إن معدل الطائرات الورقية الحارقة التي تطلق من قطاع غزة زاد من عشر إلى عشرين طائرة يوميا، مما تسبب في ارتفاع واضح في حجم المساحات الزراعية التي احترقت في مستوطنات غلاف غزة.
خسائر فادحة
وقدّر تقرير للقناة الإسرائيلية الثانية مطلع الشهر الجاري حجم الأراضي الزراعية التي تسببت هذه الطائرات البدائية في إحراقها بأنها تمثل ربع المساحات المزروعة على الشريط الحدودي مع القطاع المحاصر.
التقرير نقل عن رئيس بلدية النقب الغربي داني بن ديفيد أن “الطائرات الورقية الحارقة تسببت في إتلاف آلاف الدونمات بما يقابل مئات الآلاف من الشواكل الإسرائيلية”، واصفا هذه الخسائر “بالحرب الحقيقية” التي قال إن الجيش الإسرائيلي لا يملك أي وسائل لمواجهتها.
وقالت السبت الماضي وسائل إعلام إسرائيلية إن هذه الطائرات وصلت لأول مرة للنقب الغربي على بعد 16 كيلومترا من قطاع غزة، وهو مدى كانت تصله سابقا صواريخ المقاومة الفلسطينية التي كانت القبة الحديدية الإسرائيلية تعترضها.
قبة حديدية للطائرات الورقية
والحديث عن الحاجة “لقبة حديدية” لمواجهة الطائرات الورقية لم يعد ترفا في إسرائيل في ظل التحدي الكبير الذي تمثله هذه الطائرات، حيث تقارن تقارير عدة بين فشل مواجهة السلاح الفلسطيني الجديد، مقابل ما تراه نجاحا في مواجهة الصواريخ الفلسطينية من منظومة القبة الحديدية.
ويبدو أن “حرب الطائرات الورقية” ومسيرات العودة الكبرى التي كانت هذه الطائرات أحد إبداعاتها، باتت على رأس أجندة المبعوثين الأميركيين الباحثين عن التهدئة في غزة، بعد أن ألحقت وسائل المقاومة السلمية الغزاوية خسائر فادحة بالاحتلال.
فقد كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن خطة أميركية لاستثمار نحو مليار دولار في القطاع المحاصر، قالت إن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكبير مستشاريه، والمبعوث الأميركي للمنطقة جيسون غرينبلات سيبحثانها في زيارتهما للمنطقة هذا الأسبوع.
واللافت أن هذا التحرك الأميركي يأتي ليس فقط لإحياء جهود السلام، أو الإعلان عما بات يعرف “بصفقة القرن”، وإنما لمحاولة إنقاذ إسرائيل من ورطة حرب الطائرات الورقية ومسيرات العودة الكبرى.
(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى