تقارير وإضاءات

ساحة للعمل الإسلامي ومضمار للسباق.. ماذا تعرف عن الإسلام في الكاميرون والغابون؟

إعداد د. ليلى حمدان

نواصل تقصي أخبار المسلمين في دول وسط القارة الأفريقية، وقد عرضنا تاريخهم وحاضرهم في تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو والكونغو الديمقراطية، لنكمل في هذه السطور مع دولتي الكاميرون والغابون. حيث يشترك المسلمون في جميع هذه الدول بمشاكلهم وحاجاتهم، كونهم أقلية تعاني الضعف والفقر والاضطهاد والتفكك.

ولعل أبرز ما يجمع المسلمين في هذه المنطقة؛ همم أسلافهم الذين نشروا الدعوة لله في عمق القارة السمراء وتحملوا في سبيل ذلك كل أذى واعتداء، ثم استمرار الحركة الإسلامية رغم كل ما تعرضت له من ضربات وعقبات. فكانت بطولة تستحق الإشادة وأمة تستحق الوصال والمدد.

الكاميرون

الكاميرون

خريطة توضح موقع الكاميرون في الطرف الغربي من قارة أفريقيا.

تقع الكاميرون وسط الغرب الأفريقي تحدّها من الغرب نيجيريا، ومن الشمال الشرقي التشاد، ومن الشرق جمهورية أفريقيا الوسطى، ومن الجنوب غينيا الاستوائية والغابون وجمهورية الكونغو. عاصمتها ياوندي. واللغة الرسمية فيها الإنجليزية والفرنسية.

أصبحت الكاميرون مستعمرة ألمانية في عام 1301هـ (1884م). وتم تقاسم الأراضي الكاميرونية بعد الحرب العالمية الأولى بين فرنسا وبريطانيا بتفويض لعصبة الأمم. وخاض حزب اتحاد شعوب الكاميرون حربًا ضد فرنسا وحلفائها حتى عام 1391هـ (1971م).

واستقل الجزء المحتل من قبل فرنسا في عام 1380هـ (1960م) باسم جمهورية الكاميرون حيث ترأسه أحمدو أهيجو، وتم الاندماج مع الجزء الجنوبي من الكاميرون البريطانية في عام 1381هـ (1961م) فتكونت على إثر هذا الاجتماع جمهورية الكاميرون الاتحادية. والتي تغير اسمها في عام 1392هـ (1972م) إلى جمهورية الكاميرون المتحدة، ثم مرة أخيرة في عام 1404هـ (1984م) إلى اسم جمهورية الكاميرون.

وعرفت هذه البلاد الاستقرار سياسيًا مقارنة مع الدول الأفريقية التي غلبت عليها الانقلابات والفوضى، فقد حكم البلاد رئيس واحد هو أحمدو أهيجو؛ أول رئيس لجمهورية الكاميرون في الفترة من 1380 حتى 1402هـ (1960 حتى 1982م)، حيث استقال لتدهور حالته الصحية، واختار أن يخلفه بول بيا في نفس العام إلى اليوم 1443هـ (2021م). ثم حاول أهيجو الانقلاب عليه، لكنه فشل وكلّفه ذلك حملة تطهير ضد أنصاره. ويتهم الرئيس بالاحتيال في الانتخابات مما ضمن له البقاء في الحكم.

تاريخ الإسلام في الكاميرون

يبلغ عدد سكان الكاميرون 25.88 مليون نسمة بحسب إحصاء 1441هـ (2019م)، ونسبة المسلمين نحو 30%. أغلبهم يسيطر على شمال البلاد وأصولهم من الفولاني، الباموم، التيكار، الماندرا، الشاوية العرب، وقبائل الكيردي. ومن أشهر القبائل المسلمة؛ قبيلتي مسكون وجدون شمال البلاد.

وتبلغ نسبة النصارى حوالي 30%، يسيطرون على المناطق الجنوبية والغربية حيث تمثلهم أكبر جامعة كاثوليكية ذات أهمية كبيرة في أفريقيا بالكاميرون. بينما ينتمي واحد من كل ثلاثة أشخاص للأديان المحلية الأفريقية.

وصل الإسلام إلى هذه الأرض عبر قوافل التجار الفلانيين أيام المرابطين ثم الموحدين، واستمر في الانتشار على يد الدعاة المحليين. ودخلت الكاميرون تحت سلطان مملكة كانم وبورنو الإسلامية، واستمرَّت في هذا النظام حتى دخل الاحتلال الألماني أرضها. ومن أشهر سلاطين الممالك الإسلامية في الشمال؛ سلطان غاروا ولاميدو ورى بوبا. واستمرت مع ذلك المناطق الواقعة شمال الكاميرون تحت حكم إمارة “أداماو”، وهي تحت حكم “سوكوتو” الإسلامي.

وازدهرت الدعوة للإسلام من الشمال نحو الجنوب، لكن الاحتلال الألماني بسط نفوذه على الكاميرون في سنة 1301هـ (1884م) وانهمرت البعثات التنصيرية في القسم الجنوبي من الكاميرون لتتوسع بعد ذلك في جميع أنحاء البلاد، إلا أنها واجهت معارضة من المسلمين الذين قاطعوا خدماتها ومدارسها وتحول الأمر إلى عصيان مدني.

ولجأ الاحتلال إلى سياسة فرق تسد لإضعاف وحدة المسلمين العصيّة، فاتفق الإنجليز والألمان في عام 1311هـ (1893م) على تقسيم شعوب الهوسا والفولاني إلى قسمين؛ قسم يبقى في شمال نيجيريا، والقسم الآخر في شمال الكاميرون. فوجد المسلمون الرافضون لهذا التفتيت أنفسهم أمام مواجهة كل من الألمان والإنجليز معًا.

وبعد اجتياح الفرنسيين والإنجليز للكاميرون بعد الحرب العالمية الأولى، استمرت سياسة الاحتلال الفرنسي على خطى سلفه الألماني، وركزت على ضبط حركة المسلمين بالسياسة وبالقوة. وبعد الاستقلال ضمنت العلمانية استمرار تفرق المسلمين وعزلهم وتهميشهم. ولم يتمكن المسلمون من إنشاء أول جمعية لهم إلا في عام 1383هـ (1963م) وهي “جمعية الكاميرون الثقافية الإسلامية” بعد سماح الحكومة بذلك. ويعتمد المسلمون في الكاميرون على المساعدات من خارج البلاد لتمويل مؤسساتهم ونشاطاتهم الإسلامية.

وساعدت البعثات الطلابية للخارج بتوطيد علاقة المسلمين في كاميرون مع إخوانهم في باقي دول العالم الإسلامي.

وعلى الرغم من الدعم الذي تحظى به المؤسسات التنصيرية ماديًا وسياسيًا وإعلاميًا، فقد انتشرت المساجد والمدارس الإسلامية في جميع أنحاء الكاميرون الرئيسية، مما انعكس على نشاط الدعوة هناك.

ويبدو أن المسلمين قد انفردوا بمحاكمهم ونظامهم القضائي في مناطق تواجدهم. كما أنشأ المسلمون في الكاميرون العديد من المؤسسات والمراكز الإسلامية منها جمعية الكاميرون الإسلامية، المجلس الوطني الإسلامي، لجنة ترجمة القرآن الكريم، وعشرات المدارس.

وفي الوقت الذي يعيش فيه الكاميرونيون على الكفاف، ينهب الأوروبيون ثروات البلاد حيث سيطروا على جميع مناطق الإنتاج، ولم يتبق للسكان إلا الأراضي الصغيرة، وعدد صغير من قطعان الحيوانات أو العمل كيد عاملة للأوروبيين الذين يملكون أكبر المؤسسات والشركات في البلاد.

الغابون

خريطة توضح موقع الغابون في الطرف الغربي من قارة أفريقيا.

تقع الغابون في غرب وسط أفريقيا وهي من أصغر الدول في القارة، يحدها خليج غينيا إلى الغرب، وغينيا الاستوائية إلى الشمال الغربي، والكاميرون إلى الشمال، وجمهورية الكونغو نحو الشرق والجنوب.

في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) وصل إلى الغابون الملاح البرتغالي دييغو، ثم وصل الهولنديون إلى المنطقة عام 1001هـ (1593م)، ثم أعقبهم الفرنسيون عام 1040هـ (1630م). وأسس الفرنسي بيير سافورنيا عام 1292هـ (1875م) مدينة فرانسفيل، وأصبح لاحقًا حاكمًا لسلطة الاحتلال.

وأضحت بعد ذلك البلاد محتلة بشكل رسمي من الفرنسيين في عام 1302هـ (1885م) وحصلت على الحكم الذاتي بعد الحرب العالمية الثانية. ثم تحولت الغابون إلى واحدة من أربعة أقاليم في أفريقيا الاستوائية الفرنسية منذ عام 1328 حتى 1379هـ (منذ عام 1910 حتى 1959م) لتستقل الغابون في عام 1389هـ (1960م).

في عام 1390هـ (1961م) ترأس البلاد ليون إمبا ونائبه عمر بونغو أونديمبا لكن الهيمنة الفرنسية استمرت -كما في بقية المستعمرات الفرنسية السابقة- في التحكم في مقاليد الحكم. وفي عام 1384هـ (1964م) فرض الرئيس نظام حكم الحزب الواحد، فتعرض لمحاولة انقلاب عسكري للإطاحة به لكن ولاءه لفرنسا دفع الأخيرة في غضون 24 ساعة لإنزال قوات المظليين لتحفظ لإمبا سلطته.

وبذلك أفشل الفرنسيون الانقلاب وطارد الرئيس المعارضين فسجن أغلبهم مع ذلك خرج الشعب للاحتجاج في الشارع. وبقيت قوات المظليين في معسكر ديغول على مشارف عاصمة الغابون لحماية الرئيس. إلى أن توفي إمبا عام 1387هـ (1967م)، فخلفه عمر بونغو أونديمبا واستمر رئيسًا إلى أن توفي في عام 1430هـ (2009م) حيث أعيد انتخابه لثلاث فترات رئاسية متتالية مدة كل منها سبع سنوات.

وترأس البلاد علي بونغو أونديمبا (ابن عم الرئيس السابق عمر بونغو) بعد فترة اضطراب. واستمر في الحكم رغم أنه تعرض في عام 1441هـ (2019م) لمحاولة انقلاب عسكري لم يلبث إلا بضع ساعات، وتم إلقاء القبض على الانقلابيين ففشل.

تاريخ الإسلام في الغابون

يبلغ عدد سكان الغابون أكثر من 2 مليون نسمة بحسب إحصاءات 1441هـ (2019م)، تصل نسبة المسلمين بينهم إلى حوالي 12% (منهم ما بين 80 و90% من المهاجرين).

وصل الإسلام للغابون ببركة الحركة الدعوية للمرابطين؛ حيث أرسل أمير المرابطين يوسف بن تاشفين عام 493هـ أحد الدعاة؛ وهو مولاي محمد إلى المنطقة.

وانتشر الإسلام بشكل أكبر بعد إعلان الرئيس ألبرت برنارد بونغو إسلامه في عام 1393هـ (1973م) فتسمى عمر بونغو، وأسلمت معه أسرته وقبيلته البونغوى أشهر قبائل البلاد إلا أن أغلب البلاد كانت تتبع الكنيسة الكاثوليكية، وبعض الطوائف البروتستانتية.

ومع ذلك يعيش المسلمون في ضعف وحاجة للدعم على كافة المستويات الدعوية والتعليمية والاقتصادية والسياسية.

الخاتمة

نلاحظ أن واقع المسلمين في دول وسط أفريقيا مشترك في الضعف والتفرق والحاجة للمدد الخارجي المادي والمعنوي، كما أن المنطقة تعاني من ضعف التنسيق الداخلي حيث إن المسلمين غير مرتبطين بين بعضهم البعض من بلد لآخر، بشكل جمعيات وتحالفات دعوية إقليمية. ولعل هذا الارتباط الشبكي يسمح بتقوية الصف الإسلامي ويصبح أكثر فعالية إن ارتبط بالشبكة الأوسع في العالم الإسلامي بهدف التنسيق والترشيد وصناعة الكفاءات وتقديم الدعم للمجتمعات فضلًا عن فتح باب التطوع وخدمة المسلمين وتصحيح ممارساتهم الخاطئة.

كل هذا يجب أن يسنده إعلام هادف مستقل يجمع الأمة الإسلامية على قلب رجل واحد.

ولحين أن نشاهد مشاريع تجمع شتات الأمة وتجبر الكسر وتكمل النقص، نسأل الله أن يفرج كرب المسلمين في وسط أفريقيا وفي كل مكان.

______________________________________________________________________

المصادر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى