تقارير وإضاءات

رمضان قديروف: مستبد عابد

إعداد إبراهيم بديوي
 

هل تتكرّم عليَّ يا مولانا بالإقامة في قصر الحكم حتى نتشرف ويتشرّف شعبنا بذلك؟

رمضان قديروف، الرئيس الشيشاني، موجهًا دعوته لشيخ الأزهر إبان زيارته الأخيرة للعاصمة الشيشانية، غروزني بعد أن وصف الأول شيخ الأزهر بـ«حفيد النبي محمد».


الزعيم الناسك

لطالما حرص الرئيس الشيشاني «رمضان قديروف»، على الظهور بمظهر الناسك المتعبد، بسحنته الخاشعة ولحيته البُنية، فتارةً ينشر صورته مع خصلاتٍ من الشعر ينسبها للنبي محمد، وتارةً أخرى، ينشر صورةً لابنته البكر «عائشة»، وقد حصلت على لقب الحافظة، تكريمًا لها على حفظ القرآن، ومرةً ثالثة، يظهر في مقطع مصوّر وهو يعطي الداعية الإسلامي، الحبيب بن على الجفري، غطاءً للرأس يدَّعِي نسبه لعلي بن أبي طالب، فيما بدا الأخير متأثرًا بالمشهد.

في أعقاب الحادثة الشهيرة للرسوم المسيئة للنبي محمد والتي نشرتها الصحيفة الفرنسية «شارل إيبدو» في يناير/كانون الثاني 2015م، قاد قديروف تظاهرة شعبية عارمة، انطلقت من الجامع الكبير بغروزني، ادَّعَى خلالها معاداة الملياردير الروسي «ميخائيل خودوركروفيسكي»، واصفًا إياه العدو الشخصي، لدعمه صحيفة شارل إيبدو في حينها.

في عام 2010م، تقدّم قديروف بطلب للأمير محمد بن سلمان، وكان حينها وزيرًا للدفاع، يطلب منه السماح بالمشاركة في عملية غسيل الكعبة المشرفة، وهو الطلب الذي قوبل بالموافقة. وخرجت الصور لوسائل الإعلام تُظهر قديروف حاملًا مكنسة خشبية في خشوع تام، بجوار الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكّة المكرمة.


الصعود المشوّه

لهذه اللحظة، تبقى التحولات التي خضع لها قديروف عصيّةٌ على التأويل، فالرجل الذي حارب جنبًا إلى جنب بجوار والده في حرب الشيشان الأولى، في مواجهة القوات الروسية هو نفسه الذي حارب في صفوف العدو الروسي.

لا يتورّع قديروف في كل مناسبة عن التصريح والتلميح بأنه المدافع الأولى عن روسيا الاتحادية والرئيس بوتين، واصفًا نفسه بأكثر أتباع بوتين إخلاصًا وولاءً. في المقابل منحه بوتين قلادة «بطل روسيا»، أرفع الأوسمة العسكرية الروسية، تكريمًا له على إخلاصه وخدماته التي يقدمها لروسيا.

وُلد رمضان قديروف في أكتوبر/تشرين الأول من العام 1976م، ووالده هو الشيخ «أحمد قديروف»، مفتي الاستقلال الشيشاني، الذي خاض حرب الشيشان الأولى 1994-1996م، قبل أن يتولى لاحقا رئاسة البلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2003م، إلا أن قديروف الأب لم يهنأ طويلا بالسلطة إذ تم اغتياله في العام التالي لتوليه منصب رئاسة الجمهورية. أبرز ما عُرف عن قديروف الأب هو خلافه مع «سليم خان يندرباييف» (ثاني رؤساء جمهورية الشيشان) بشأن المقاتلين العرب، الذين حاربوا في صفوف الشيشانيين أمام روسيا.

ورث قديروف عداء المقاتلين العرب من والد الشيخ أحمد، لكنه وبنحو أكثر تشددًا ارتمى في أحضان الروس

ورث قديروف الإبن هذا العداء تجاه المقاتلين العرب، لكنه وبنحو متشدد ارتمى في أحضان أعدائه الأساسيين. أثناء الحرب الشيشانية الأولى قاد رمضان قديروف ميليشا عسكرية كانت تُسمى ب«قديروفيتسي» وكان يقاتل بها بجوار والده الذي رفع راية الاستقلال عن الروس، إبان حرب الشيشان الأولى والتي انتهت بمعاهدة سلام وقّعها «يلتسن» مع «أصلان مسخادوف»، الرئيس الشيشاني في حينها، وأصبحت الشيشان بموجب هذه المعاهدة ذات طبيعة مستقلة.

الانقسامات الداخلية طالت المقاتلين الشيشان، وكانت واحدة من أهم نقاط الخلاف الدائر بينهم هي وجود المقاتلين العرب الساعين لإقامة خلافتهم الإسلامية. انتهى الحال بقديروف الأب أن دعى جماهير الشيشانيين في الحرب الشيشانية الثانية 1999م بعدم مقاومة القوات الروسية، وحاول مرارًا إقناع الرئيس الشيشاني مسخادوف بالتخلص من المقاتلين العرب وإعلان محاكمتهم إرضاءً لروسيا ولو تم ذلك بشكل صوري. الأمر لم يقتصر على دعوة قديروف الأب، بل تعداه بأن حمل رمضان قديروف السلاح على رأس الميليشيا الخاصة به «قديروفيتسي» جنبًا إلى جنب مع القوات الروسية لمحاربة المقاتلين العرب.


السلطان لمن سبق

كان لمواقف رمضان قديروف المؤيدة لروسيا الاتحادية عظيم الأثر في دفعه مبكرًا في طريق الحكم. عزز هذا التوجه بالطبع خلفية عائلته الدينية وما تتمتع به من احترام كبير من قِبل الشيشانيين. فكان أن عُيّن عام 2004م عقب اغتيال والده الشيخ قديروف نائبًا لرئيس الوزراء، ثم رئيسًا للوزراء، ويُقال أن أول القرارات التي اتخذها كرئيسٍ للوزراء تمثلت في تحريم المقامرة والمشروبات الكحولية تماشيًا مع طلّته الإسلامية المحافظة.

لاحقا اختار بوتين قديروف الابن في فبراير/شباط من العام 2007 م، كرئيسٍ مؤقت للشيشان بعد تنحية سابقه «علي ألخادوف»، بعد بلوغه سنة الثلاثين، الحد الأدنى لتولي مقاليد الحكم في الشيشان، وصدّق البرلمان على توليه رئاسة الشيشان على نحوٍ استمراري منذ مارس/آذار 2007 م وإلى يومنا هذا.


عندما تحكم الميليشيا

عُرف قديروف في بادئ الأمر كقائد ميليشيا، حارب بها جنبًا إلى جنب مع والده الشيخ أحمد قديروف في حرب الشيشان الأولى، خاض بها معاركه الداخلية مع المقاتلين العرب ومؤيديهم من الشيشانيين، ثم هو بذات الميليشيا حارب جنبًا إلى جنب مع المقاتلين الروس. لا يعرف قديروف طريقةً لإدارة الأمر غير هذه التي حكم بها الميليشيا، نقلت صحيفة لوبوان الفرنسية عن «أوليغ حبيب رحمانوف»، الناشط في مجال حقوق الإنسان، قوله: «يؤمن رمضان قادروف بأن سلطته قائمة على قوات الأمن الموالية له، إنه رجل يؤسس كل نفوذه على القمع ويتخذ منه أداة رئيسية لإدارة البلاد، إذ يوجد جهازان أمنيان: جهاز لحفظ الأمن العام، وجهاز القوات الخاصة الذي يعتبر الحرس المقرب من الرئيس قادروف، إنهم أشخاص لا يمتثلون للقانون، والناس يسمونهم «قديروفيتسي/القديريون» نسبة إلى الرئيس، ويتراوح عددهم بين ستة آلاف وعشرين ألفًا، ويسهل تمييزهم في أي مكان من خلال بدلاتهم السوداء التي لا يرتديها أي فصيل أمني آخر في روسيا الاتحادية، وتسليحهم الكثيف وتدريبهم العسكري المتطور».

من الأمثلة على هذه التصرفات، التي تمثلت فيها الميليشيوية كطريقة للحكم،ما حدث لـ «رمضان تزالالدينوف»، وهو من سكان قرية كينهي (قرية في جبال الشيشان). ففي أبريل/نيسان الماضي، قام بتحميل مقطع فيديو على اليوتيوب طالب فيه «فلاديمير بوتين» أن يساعد في حل الوضع المؤسف الذي تعيشه قريته وانتقد سوء إدارة السلطات الشيشانية. على إثر هذا المقطع، بدأ تزالالدينوف يتلقى تهديدات بالقتل، اضطر على إثرها للهرب إلى داغستان المجاورة، وفي ليلة 12 مايو/آيار 2016م، شقت مجموعة من الرجال طريقها إلى بيته، أضرموا فيه النار، وأحرقوه عن بكرة أبيه، ومن ثم حاصرت قوات الأمن الشيشانية القرية، واستجوبت كل شخص عن مكان وجود تزالالدينوف، وعندما علموا بأنه غادر إلى داغستان، شهد الأخير محاولة لاختطافه من المسجد في 15 مايو/آيار. قدّم تزالالدينوف اعتذارًا علنيًا لقديروف، بدون أن يرفع عينيه عن الأرض، تراجع عن فيديو اليوتيوب الذي نشره، معلنًا بأنه «كان خطأً كبيرًا»، كما توسل مرارًا للرئيس الشيشاني لكي يغفر له، وحذّر الجميع لئلّا يرتكبوا الخطأ الذي ارتكبه. بُثَّ فيديو الاعتذار على شاشة التلفزيون الشيشاني، وقَبِلَ قديروف الاعتذار، وفي لفتة متسامحة، سمح له ولعائلته بالعودة إلى كينهي.


«حَجّاج» هذا الزمان!

لطالما اعتبر بعض الدعاة السُنة «الحجاج بن يوسف» وقّافًا عند حدود الله لأن مجلسه كان محاطًا ببعض دُعاة زمانه، وكان كثيرًا ما يظهر الورع والخشية في حضرة القرآن، لكن أي حدود الله التي وقف عندها حين أراق الدماء، كذلك صاحبنا أي ورع يظهره وهو يحكم بالحديد والنار؟

قديروف الذي لطالما تظاهر بحب النبي وآل بيته، وتقديس العلماء وتقريبهم من مجلسه والتقاط الصور معهم وطلب الفتوى منهم، وإظهار التزامه بتعاليم الدين الإسلامي، هو ذاته صاحب الرصيد الأوفر من القتل وسفك الدماء والاعتقالات والانتهاكات.

كان لقديروف الحظ الأوفر من بين مستبدي العالم في تلقي الانتقادات الغربية لانتهاكه حقوق الإنسان، وتنكيله بالشعب الشيشاني

في حديث لإذاعة بي بي سي في مارس/آذار 2015م، ذكر «كروين مور»، الناشط الحقوقي والخبير في شئون شمال القوقاز بجامعة بـرمنجهام بالمملكة المتحدة؛ أن علاقة الرئيس قديروف بأجهزة الأمن الفيدرالية الروسية تعود إلى عام 2000م عندما تسلم فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في روسيا الاتحادية، هذه العلاقة المميزة مكنت الرئيس الشيشاني من فعل ما يريد دون خوف من ملاحقة المؤسسات القانونية في روسيا. وأضاف أن للرجل قوائم اغتيالات تطال معارضين وصحفيين وناشطين في مجالات حقوق الإنسان. الأمر الذي جعل صحيفة «ديلي ميل» تصف حكمه بأنه «قبضة من حديد».

 لطالما كان لقديروف الحظ الوفير من الانتقادات الغربية، لانتهاكه حقوق الإنسان وقتل معارضين سياسيين له ولصديقه بوتين، إذ نشر أحد زعماء المعارضة الروسية، إيليا ياشين، تقريرًا يتهم فيه قديروف بالتلاعب في الداخل الروسي لصالح بوتين. لاسيما وأن أصابع الاتهام تتجه لقديروف في قضية مقتل زعيم المعارضة الروسية «بوريس نيمتسوف» في فبراير/شباط 2015م!


فتى بوتين المدلل

عصيّةٌ على التأويل هذه العلاقة بين الرجلين الذَينِ لطالما تقربَّ كل منهما للآخر، فبوتين يمنح قديروف وسام «بطل روسيا» وهو الوسام الأرفع الذي تمنحه المؤسسة العسكرية الروسية لمن ضحّى في سبيل خدمة روسيا ورفعتها، أما قديروف فقد نشر على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي إنستجرام: «إنني مخلص تمامًا للرئيس فلاديمير بوتين ومستعد لمقاومة أعداء روسيا حتى آخر يوم من حياتي»، ناهيك عن مواقفهما الدولية المشتركة للأحداث الجارية هناك في أوكرانيا وهنا في سوريا.

ويتساءل البعض عما إذا كانت العلاقة بينهما أشبه بالصداقة الحميمية التي يخدم فيها كل منهما مصالح الأخر، أم أن النفوذ الشخصي لقديروف يتعاظم يومًا بعد يوم، حتى أن الاتهام الموجه لقديروف في اغتيال «بوريس نيمتسوف»، لا يمكن الجزم عمّا إذا كان بإيعاذ من بوتين أو رغبة خالصة من قديروف لإحراج الرجل؟

 

(المصدر: موقع إضاءات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى