كتابات

دوام الأزمات

دوام الأزمات

د. جميل اللويحق

ما إن تهدأ أزمة حتى تبدأ أخرى، ولايكاد يغلق ملف حتى يفتح آخر في عالم لم يعد للقيم فيه أي معنى حقيقي، وليس من عنوان صادق لهذا العصر بالنسبة للمسلمين، إلا أنه عصر الهوان والذلة، فخلال السنوات القريبة الماضية فقط وتحت ذرائع شتى أسقطت دول، وأحتلت بلدان إسلامية، وأهينت كرامة الأمة في شخص رسولها صلى الله عليه وسلم، وضربت غزة على مرأى من العالم ومسمع، بما لم يحدث في طريقته وعنجهيته وصلافته مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وبتواطؤ دولي مكشوف، وآخر القائمة كان الأمر باعتقال رئيس دولة إسلامية، وهو على رأس الحكم، بدعوى تحقيق العدالة ونصرة الإنسانية، فيالها من مهزلة عنوانها الكبير «الهوان الذي وصل إليه حال الأمة الإسلامية»، يسألني بعض الإخوة الكرام، وقد استحكمت لديه حالة الإحباط واليأس هل من مخرج للحالة الراهنة التي أصبح المسلم فيها يصبح ويمسي على ألم وحرقة تكوي قلبه، فلا يهنأ بشيء، وهو الذي يعلم أن من أصول عقيدته المتمكنة في نفسه حب الخير لأخيه المسلم والتألم لمصابه، في زمن لم يدع فيه الإعلام مجالا للجهل أو الغفلة، فالأحداث تنقل في لحظة حدوثها بكل ما فيها من شحنة عاطفية مؤثرة.
وهذا السؤال بطبيعة الحال، سؤال ضخم ضخامة المأزق الذي نعيشه، وأكبر مشكل فيه أن الأدوات المتاحة الآن تقف عاجزة عن تحريك الواقع، فضلا عن تغييره، وإن أقرب الأجوبة المنطقية يقودنا إلى الانتظار زمنا طويلا، بعد أن نبدأ فعلا في خطوات عملية لجهة بناء أنفسنا وتعزيز قدراتنا.
والمصيبة أن بعض المسلمين اليوم، لا يرى مخرجا من هذا الحال، إلا بتكرار المسلسل نفسه، والاستعانة بذات الخصوم في دورة ليس لها نهاية، والخلاصة التي ينبغي الوصول إليها بعد كل هذه المآسي، هي أننا يجب أن نسعى إلى أن نستقل بقرارنا كأمة، وأن نسعى لتحقيق موجبات ذلك على الأرض في كل سياق، وأول ذلك معنى الاتحاد والاجتماع الحقيقي، فأقوى حقائق الواقع اليوم لدى الأمة، هو حجمها العددي وموقعها الجغرافي وطاقاتها الهائلة، فمتى تحقق لها بعض الوحدة، كانت رقما مؤثرا وخطيرا على الساحة العالمية مهما بلغ ضعف أدواتها التسلحية والاقتصادية الحالية.
وأما البعد الأخطر الآخر، فهو الحاجة الملحة لجعل هذا الاجتماع المنشود قائما على الأساس الذي لا يحول ولا يزول ولا يتبدل بتغير المصالح ولا بتبدل القيادات، وهو الإسلام نفسه، فهو الطريق الوحيد، لشحن هذا الاجتماع بالروح الحقيقية وتحويلها إلى قوة هائلة لايقف لها شيء، وهو السبيل لتجاوز كل الحسابات الخاصة بهذا الشعب دون ذاك.
ثم إطلاق مشروعات النهضة العلمية كأساس في الحركة التنموية في كل العالم الإسلامي، فهي سر القوة والتفوق والاستقلال في كل مجال، وإذا كان هذا الحديث نظريا وعاما، وربما اقترب من عالم الأحلام، بالنظر إلى وقائع الحال، فهو في النهاية المشروع الوحيد الذي سيغير هذا الهوان، وإذا تشربه عموم الناس والقادة ومحركو المشروعات الشعبية، ووظفت لصالح الأزمات التي تقع هنا وهناك، وأصبح هاجسا للدعاة والعلماء وقادة هذه الشعوب، وبادرت إليه بعض الدول الفاعلة في العالم الإسلامي، فسيكون حينها ربما واقعا في زمن ليس بالطويل، ومغيرا لحال هذه الأمة التي تمرض وتضعف، ولكنها لا تموت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى