تقارير المنتدىتقارير وإضاءات

تقرير حصري لـ (منتدى العلماء) | الهيمنة على الإسلام واحتكاره من قبل المستبدين العرب

تقرير حصري لـ (منتدى العلماء) | الهيمنة على الإسلام واحتكاره من قبل المستبدين العرب

 

(خاص بالمنتدى)

 

انتقل المستبدون العرب إلى مرحلة جديدة من مراحل الهيمنة والتسلط التي يمارسونها منذ عقود.

فقد أصبح هؤلاء المستبدون يركزون في سياساتهم وتصريحاتهم ومقابلاتهم على التأكيد على مسألة أن الرؤية الصحيحة والعصرية للإسلام تأتي من خلالهم، وأنهم هم مصدر الخطاب الديني المعاصر، وأن المؤسسات العلمائية و”العلماء” في بلادهم ما هم إلا تبعٌ لهم، ومهمتهم إضفاء الشرعية على سياسات المستبدين تجاه الدين، ومباركة تلك التوجهات.

هذا ما أشار إليه الكاتب (جيمس م. دورسي) حول تصريحات ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) الأخيرة لمجلة (ذي أتلانتيك)، حيث أكدّ “أن ولي العهد لم يترك أدنى شك في أن رؤيته قائمة على احتكار -سلطة تفسير الإسلام-، وأنه عازم على إخضاع المؤسسة الدينية لإرادته، وهذه علامة واضحة على رؤيته السلطوية تجاه أحكام الدين”.

ويضيف (دورسي) متحدثاً عن بن سلمان: خريج كلية الحقوق من جامعة الملك سعود ، ويفخر بنفسه كطالب في الفقه الإسلامي عازم على توجيه المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية وفق إرادته، فقد وضع السيد بن سلمان مبدأ مفهوم المستبدين للإسلام المعتدل: الطاعة المطلقة للحاكم”.

يقول بن سلمان: في الشريعة الإسلامية، رئيس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر، الحاكم”، وهذا تغافل وتدليس واضح في الإيحاء للناس بأن مفهوم (ولي الأمر) منحصر في (الحاكم) فقط.

كما أشار (دورسي) إلى إصرار بن سلمان على: “أنه قرر ما يستلزمه تطبيق الشريعة الإسلامية وأنه يتمتع بالسلطة والقوة لتفسير الدين بالشكل الذي يراه مناسبًا”.

ونقل (دورسي) عن بن سلمان قوله: “إنه لا يستطيع تغيير القواعد المنصوص عليها في القرآن ، والتي يُنظر إليها على أنها كلام الله ، ولكنه يتمتع بالحرية في إعادة تفسير غالبية أحكام الشريعة الإسلامية المستمدة من أقوال وأفعال النبي محمد”.

وفي نفس السياق قال الباحث في شؤون الشرق الأوسط (برنارد هيكل) لصحيفة (ذي أتلانتيك): “إنه -أي بن سلمان- يقصر التقاليد”، “لكنه يفعل ذلك بطريقة إسلامية. إنه يقول أن هناك القليل جدًا من الأشياء التي يتم إصلاحها بشكل لا خلاف عليه في الإسلام. هذا يتركه يقرر ما هو في مصلحة المجتمع المسلم. إذا كان ذلك يعني فتح دور السينما، والسماح للسياح، أو النساء على شواطئ البحر الأحمر، فليكن”.

والآية التي يستند إليها هؤلاء المستبدون من أمثال بن سلمان وغيره ومعهم علمائهم وعملائهم هي قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)).

وهنا ينبغي تبيين الحق وتجلية الأمر، فلا تبقى حجة ولهؤلاء ومن تبعهم لشرعنة ظلمهم وغيّهم وفسادهم، فيأتي الرد على هذه الشبهة بجملة أمور:

  • جاءت الآية في سياق أن تكون الأمة المسلمة هي اليد العليا، لأنها صاحبة الرسالة المكلفة بإقامة العدل في الأرض، ففي الآية التي قبلها يقول الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)) [النساء: 58]. ولا يمكن للأمة القيام بهذه المهمة لو لم تكن في قوة ونظام ووحدة، أي عليها أن تخرج من طبيعتها العربية القبلية الجاهلية النافرة من نظام يجمعها ومُلك يدبر أمرها وزعيم يقودها. فها هنا جاءت طاعة أولي الأمر لتمنع المسلمين من الارتداد إلى الجاهلية والفرقة والنفور من النظام وإعجاب كل قبيلة بصاحبها. قال ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية): “فأهل الجاهلية لم يكن لهم رأس يجمعهم، والنبي صلى الله عليه وسلم دائما يأمر بإقامة رأس، حتى أمر بذلك في السفر إذا كانوا ثلاثة، فأمر بالإمارة في أقل عدد وأقصر اجتماع”، فالمقصود من وجود أولي الأمر للأمة هو انتقالها من حال الفرقة والعصبية والتمزق إلى حال الوحدة والقوة، والغاية هي إقامة العدل بين الناس.. فأما مهمة عبيد السلاطين اليوم فهي تعبيد الناس لمن فرقوا وحدة الأمة ومزقوها وجعلوها نهبا لكل طامع، وأنزلوا العدو في أرضها وأنفقوا عليه أموالها وحفظوا له مصالحه من شبابها ودمائها وثرواتها.
  • ليس في الآية “ولي الأمر”، بل فيها “أولي الأمر”، وهذه الصيغة الجمعية تدل على أن خليفة الأمة نفسه ليس له أن يستبد بالأمة ولا أن ينفرد بأمرها لنفسه، فليس مطلق اليد والحكم.. وإنما أمر الأمة منصرف إلى “مجموعة” هم “أولي الأمر”.. وللعلماء في تفسير تلك اللفظة كلام طويل، وهل هم الأمراء أم هم العلماء أم هم الأمراء والعلماء معا. والمهم المقصود في سياقنا الآن أن المسألة جمعية لا فردية، وهو ما يناقضه علماء السلاطين الكذابين الذين يجعلون أمر الأمة بيد واحد هو “ولي النعم”! فإن زادوا على ذلك وضعوا معه ابنه، وليس أي ابن، بل هو الابن الذي يعده الملك لوراثة الملك من بعده قهرا وقسرا وبعيدا عن رأي الأمة فيه وفي ابنه.
  • أوضحت الآية أن طاعة أولي الأمر ليست مستقلة ولا مطلقة، إنما هي تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله، فهي محددة باتباعهم منهج الله ورسوله، فقالت الآية أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ”، فلم تجعل لأولي الأمر طاعة مستقلة، فطاعة الله وطاعة رسوله فوق طاعة أولي الأمر وسابقة عليهم، بل الطاعة لهم هي بقدر طاعتهم هم لله ورسوله، وهو ما قاله بجلاء الخليفة الأول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في أول خطبة سياسية: “أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.

وقد صرح إمام الحرمين الجويني في (الغياثي) بأن الأمير: “إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وزال السداد، وتعطلت الحقوق والحدود، وارتفعت الصيانة، ووضحت الخيانة، واستجرأ الظلمة، ولم يجد المظلوم منتصفا ممن ظلمه، وتداعى الخلل والخطل إلى عظائم الأمور، وتعطل الثغور، فلا بد من استدراك هذا الأمر المتفاقم.. وذلك أن الإمامة إنما تعني لنقيض هذه الحالة، فإذا أفضى الأمر إلى خلاف ما تقتضيه الزعامة والإيالة، فيجب استدراكه لا محالة، وتَرْكُ الناس سُدًى ملتطمين مقتحمين لا جامع لهم على الحق والباطل أجدى عليهم من تقريرهم اتباع من هو عون الظالمين وملاذ الغاشين وموئل الهاجمين ومعتصم المارقين الناجمين”.

  • وتحصر الآية “أولي الأمر” بأنهم من المؤمنين، فلفظ (منكم) يعني أن أولي الأمر هم “من الذين آمنوا”، وبهذا يخرج من وصف أولي الأمر من كان مفروضا على الأمة قهرا وقسرا بغير رغبة منها ولا اختيار، كأن يفرضه الاحتلال الأجنبي العسكري، أو يستمر في موقعه بدعم هذا المحتل.

وسنفهم لفظ (منكم) بشكل أدق حين نتذكر قصة نوح عليه السلام، حين دعا ربه فقال: ((رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي))، فقال الله له: ((إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ..))، ولا تكاد تجد في عالمنا العربي المنكوب من رضي به شعبه وقدموه، إنما حكموا بالقهر وبقوة المحتل، وساروا في نقيض مصالح الأمة وعلى عكس رسالتها ومنهجها، فما أبعد أن يكون هؤلاء “منكم”.

  • والآية نفسها تصرح بحق الأمة في مخالفة أولي الأمر، في قوله تعالى : ((فَإِن تَنَازَعْتُمْفِي شَيْءٍ))، أي أن للأمة أن تنازع “أولي الأمر” الذين هم “منها”، فلم يصنع الإسلام أمة من العبيد والرعاع والغنم، بل ضمن لهم حق المنازعة والاعتراض والاختلاف، وهو الحق الذي يسبقه حق المراقبة والنقد والتقويم.. وفي الخطبة الأولى للصديق -رضي الله عنه- قال: “إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني”.
  • وحين يقع التنازع بين الأمة وبين أولي الأمر فإن جهة الفصل في المنازعة تكون بالعودة إلى المرجعية العليا النهائية: الكتاب والسنة، ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ))، ومقتضى هذا أن يكون الفصل بين الحكام والأمة للعلماء، حيث هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله.

إن بن سلمان وغيره من المستبدين لا يخرجون عن السير على خطى رمزهم الأكبر (فرعون)، الذي حاول توجيه رؤية المجتمع وفق رؤيته هو مخاطباً لهم: ((قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد))..

فلا شك أن مصير هؤلاء المستبدين وأعوانهم هو الهلاك كما هلك رمزهم الأكبر فرعون وأعوانه: ((فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين)).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى