كتب وبحوث

النّظام العالمي الجديد بين مخطَّط الماسونيَّة والبعث الإسلامي 4 من 10

النّظام العالمي الجديد بين مخطَّط الماسونيَّة والبعث الإسلامي 4 من 10

 

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

 

إسرائيل محور إعادة هيكلة النّظام القائم في الشَّرق الأوسط

كان من بين أهمّ التّحديات الَّتي واجتها أمريكا في تعاملها مع الشَّرق الأوسط مسألة إعادة هيكلة نُظُم الحُكم فيه بما يخدم مصالحها. كان من اللازم تأسيس نُظُم حُكم استبداديَّة في دول الخليج؛ والحفاظ على استقرار نظام الشَّاه محمَّد رضا بهلوي (1941-1979م)، بعد كسْر الانقلاب الَّذي أسقطه من الحُكم عام 1953م؛ وقبل هذا وذلك، تدعيم التَّوسُّع الاستيطاني الإسرائيلي والتَّصدّي لأيّ عدوان يهدّد استقرارها. أمَّا بالنسبة لمصر، فقد واجهت أمريكا مشكلة تطبيق مصر في عقديّ الخمسينات والسّتّينات من القرن الماضي نظامًا يقوم على القوميَّة الاقتصاديَّة، أي يتعارض مع مبدأ حريَّة السُّوق الأمريكي؛ ويُضاف إلى ذلك استمرار الوجود البريطاني في مصر. ويزعم المؤرّخ السّياسي اليهودي أنَّ أمريكا، برغم ترحيبها بثورة يوليو 1952م في البداية، لم تكن راضية عن أداء الرَّئيس المصري الأسبق، جمال عبد النَّاصر (1956-1970م)، بسبب تحالُفه مع الاتّحاد السُّوفييتي وتأييده الحركات الانقلابيَّة في العالم العربي؛ واتَّضح موقفها منه بدعوتها إلى قطْع المعونات عن مصر وعدم تمويل البنك الدُّولي لمشروع السَّد العالي. غير أنَّ أمريكا لم تؤيّد العدوان الثُّلاثي على مصر في أكتوبر 1956م، ليس إلَّا لأنَّ في نجاحه عودة للنُّفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة.

توتَّرت علاقة مصر بإيران في عهد عبد النَّاصر، ويرجع ذلك جزئيًّا لتوطُّد علاقة إيران بإسرائيل، الَّتي اعتبرها النّظام الاشتراكي في مصر عدوَّ المنطقة الأكبر الواجب محوه لإعادة الاستقرار وتحقيق النُّهوض. وكانت إيران في عهد الشَّاه بهلوي تربطها بدول الخليج علاقات قويَّة؛ حيث ربط بين دول ضفّتي الخليج العربي مصالح مشتركة تتعلَّق بتجارة النَّفط، حتَّى أضافت أمريكا عاملًا مشتركًا آخر، وهو مواجهة المدّ القومي في الشَّرق الأوسط، الَّذي كان “تهديدًا خطيرًا لإمكانيَّة وصولها إلى مصادر الطَّاقة النَّفطيَّة في الخليج”، برغم أنَّ أمريكا لم تكن في حاجة إلى تلك المصادر حينها، إنَّما كانت تسيطر عليها لحرمان العرب من أرباحها ولإحكام الهيمنة على قطاع الطَّاقة العالمي (ص302). ومن المثير للاهتمام أنَّ تشومسكي يصرّح في مؤلَّفه الَّذي يعود إلى عام 1994م، بأنَّ السَّعوديَّة لم تكن في عداء مع إسرائيل حينها، وأنَّ الخلافات بينهما “لم تكن سوى خلافات شكليَّة”، ممَّا يعني أنَّ العلاقات بين البلدين تعود إلى بداية تأسيس دولة الاحتلال، وأنَّ جذور تلك العلاقات أعمق بكثير من مرحلة التَّطبيع في عام 2020م. ويضيف تشومسكي أنَّ بلاد الحرمين تحالفت سرًّا مع أمريكا وإسرائيل لإعادة الشَّاه إلى الحُكم بعد الإطاحة به، بتمويل شراء أسلحة تُوجَّه عن طريق إسرائيل إلى المتمرّدين من أفراد الجيش الإيراني للانقلاب على النّظام الجديد، كما ورد في كتاب The Iran-Contra Connection-ارتباط إيران كونترا (1987م). ويعلّق المفكّر اليهودي بقوله (ص303-304):

لقد قام التَّحالف الإسرائيلي الأمريكي في الأساس على إدراك أنَّ إسرائيل قوَّة استراتيجيَّة تحقّق الأهداف الأمريكيَّة، متعاونةً مع الأنظمة العميلة في الخليج، وغيرها من الأُسر الملكيَّة الاستبداديَّة، وذلك طوال فترة الحرب الباردة، ومتوقَّع أن تستمرَّ بنفس المنهج في المستقبل.

طبيعة جهود إحلال السَّلام في المنطقة

تعرَّض التَّيَّار القومي الاشتراكي، بزعامة مصر النَّاصريَّة، إلى ضربة قاصمة، بعد هزيمة الجيوش العربيَّة في حرب الأيَّام السّتَّة، في 5 يونيو 1967م؛ وجاءت الفرصة لحُكَّام الخليج لفرْض آرائهم على زعيم القوميَّة العربيَّة، بعد أن كان يهدّد بإزالة أنظمتها وتأسيس جمهوريَّات اشتراكيَّة محلَّها. ازداد عداء مصر تجاه إيران، الَّتي ازداد تحالُفها مع إسرائيل وأمريكا قوَّةً، بينما ظلَّت أنظمة الخليج تقدّم دعمًا ضمنيًّا لذلك التَّحالف، كما يشير تشومسكي. بدورها، حاولت الأمم المتَّحدة إنهاء الصّراع، ودعت إسرائيل إلى الانسحاب من أراضٍ احتلَّتها في الحرب، عبر قرار مجلس الأمن رقم 242، الصَّادر في نوفمبر 1967م. وبينما رفضت إسرائيل الانسحاب من كامل الأراضي الَّتي احتلَّتها، وتشمل قطاع غزَّة والضَّفة الغربيَّة لنهر الأردن وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السُّوريَّة، رفض العرب الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. توالت اقتراحات فضّ النّزاع، ودُعي الطَّرفان، العربي والإسرائيلي، إلى تقديم تنازلات من خلال تبادُل للأراضي؛ لكنَّ الأزمة كمنت في إصرار إسرائيل على حقّها في الانسحاب من بعض الأراضي الَّتي احتلَّتها، وليس جميعها، مستغلَّةً بذلك عبارة وردت في القرار 242 لمجلس الأمن، تقول إنَّ من شروط إقرار السَّلام “withdrawal of Israeli armed forces from territories occupied in the recent conflict (the 1967 war)”، أي انسحاب القوَّات المسلَّحة الإسرائيليَّة من أراضٍ احتُلَّت في النّزاع الأخير (حرب 1967م). أساء العرب فهْم عبارة “أراضٍ احتُلَّت”، واعتقدوا أنَّها تشير إلى كافَّة الأراضي المحتلَّة، بينما أصرَّت إسرائيل على أنَّ المقصود هو بعضٍ من تلك الأراضي.

لم توافق إسرائيل على الانسحاب إلَّا من الأراضي المصريَّة، بقبولها اقتراح قدَّمه في فبراير 1971م جونار يارنج، وسيط الأمم المتَّحدة، بانسحابها من شبه جزيرة سيناء، في مقابل السَّلام مع إسرائيل، بعد ترحيب الرَّئيس أنور السَّادات بالاقتراح، الَّذي أتى وفْق خطَّة وليام روجرز، وزير الخارجيَّة الأمريكي في إدارة ريتشارد نيكسون، والَّتي نصَّت على أنَّ أيَّ تغيير في حدود ما قبل 5 يونيو 1967م يجب ألَّا يتمَّ من خلال الغزو، إنَّما من خلال السَّلام المتبادَل. غير أنَّ المشروع تعطَّل بتدخُّل من هنري كسنجر، السّياسي اليهودي ذائع الصّيت ومستشار الأمن القومي آنذاك، الَّذي أطاح بخطَّة روجرز، واقترح خطَّة بديلة تشترط إنهاء التَّحالف السّياسي بين مصر والاتّحاد السُّوفييتي، على اعتبار أنَّ “السَّلام يمرُّ فقط من بوَّابة واشنطن” (ص307). واستجاب السَّادات إلى اقتراح كسنجر، واضعًا نهاية لتحالُف مع المعسكر الشُّيوعي بدأه عبد النَّاصر وأفضى إلى هزيمة يونيو 1967م المنكرة. ويكمن السّر في موافقة إسرائيل على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء، كما يلمح تشومسكي، في أنَّها لم تقدّم لدولة الاحتلال مصادر جديدة للمياه، ولا تشكّل حدودها موقعًا استراتيجيًّا من حيث إمكانيَّة السَّيطرة على منابع الأنهار الَّتي تغطّي حاجاتها. ويقول المفكّر اليهودي في ذلك “لو التزمت إسرائيل بقرارات السَّلام وانسحبت من أراضي 1967م، فسيكون لزامًا عليها تدبير مليار دولار سنويًّا مقابل خسارتها للمياه الَّتي ستعود إلى أصحابها العرب في منابع الأنهار في كلّ من لبنان وسوريا والأردن والضَّفَّة الغربيَّة” (ص310).

أقدم الرَّئيس المصري أنور السَّادات على قبول أصعب تحدٍّ واجهه زعيم عربي، ربَّما حتَّى عام 2020م، وهو قبول إبرام معاهدة للسَّلام مع إسرائيل والاعتراف بشرعيَّتها وإقامة علاقات كاملة معها. زار السَّادات مدينة القُدس المحتلَّة في نوفمبر 1977م، سعيًا إلى استكمال جهود تسوية النّزاع مع دولة الاحتلال في أعقاب حرب أكتوبر 1973م، بعد حالة الجمود الَّتي أصابت مساعي التَّوفيق بين الطَّرفين. طالَب السَّادات بدولة للفلسطينيين، لكنَّ ذلك لاقى معارضة إسرائيليَّة، ولم يجد تأييدًا أمريكيًّا؛ وعلى العكس من ذلك، تشجَّعت إسرائيل بعد معاهدة السَّلام مع مصر على توسيع نشاطها الاستيطاني في الضَّفَّة الغربيَّة، وعلى تنفيذ عمليَّات تستهدف عناصر منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة في لبنان. كما يرى تشومسكي (ص314):

مع تحييد عنصر الرَّدع العربي (مصر)، ووصول الدَّعم الأمريكي إلى ذروته في سنوات كارتر ومن بعده ريغان، واصلت إسرائيل استيلاءها على الأراضي وهجومها على لبنان. وصُوّر الأمر في الولايات المتَّحدة أنَّ إسرائيل تردُّ على الإرهاب الفلسطيني الَّذي تشنُّه منظَّمة التَّحرير وغيرها، على الرَّغم من كذب هذه الادّعاءات على نحو ما يثبت سجل الأحداث في تلك الفترة.

كما أوضح المفكّر الأمريكي، لم تكن إسرائيل تتَّبع حلولًا سلميَّة في تعاملها مع خصمها العربي، وظلَّت تستخدم العنف المفرط، بغطاء أمريكي وتغاضٍ دولي عن جرائمها في حقّ دول الجوار. كان الهدف المعلن لقصف لبنان المتكرّر هو إجبار العرب على الابتعاد عن الشَّريط الحدودي مع دولة الاحتلال والنُّزوح شمالًا. عبثًا عُقدت المؤتمرات واقتُرحت الحلول لفضّ النّزاع؛ واحتفظت إسرائيل بسياسة رفْض التَّسوية السّلميَّة؛ واستمرَّ الدَّعم الأمريكي للتَّحرُّكات الإسرائيليَّة، وإن أطلقت الإدارة الأمريكيَّة بعض الانتقادات لذرّ الرَّماد في العيون وتسكين الإدانة الدُّوليَّة. لم تستخدم أمريكا حقَّ الفيتو في شيء أكثر من منْع التَّسوية السّلميَّة للصّراع العربي-الإسرائيلي، في استخفاف مطلق بالشَّرعيَّة الدُّوليَّة وتستُّر مخزٍ على جرائم ضدَّ المدنيين. غير أنَّ هدف أمريكا من دعْم إسرائيل الأساسي هو الحفاظ على مصالحها، أي أمريكا، في منطقة الشَّرق الأوسط، بتحجيم النُّفوذ السُّوفييتي وتأمين الوصول إلى الثَّروة النَّفطيَّة الخليجيَّة. تُعتبر إسرائيل ثاني أهم لاعب مؤثّر في المنطقة، وإن كانت في رأي البعض ذيلٌ لأمريكا، أكثر منها كيان مستقل؛ فإسرائيل تعتمد على الدَّعم الأمريكي في إدارة اقتصادها، كما أنَّ سياساتها الخارجيَّة تُشكّلها أمريكا.

وتأتي أنظمة دول النَّفط في المرتبة الثَّالثة في الأهميَّة، من حيث الدَّور المؤثّر في رسْم سياسات المنطقة؛ وتستفيد تلك الأنظمة من تحالُفها السّرّي، حتَّى الآونة الأخيرة، مع دولة الاحتلال في دحْر الانتفاضات الشَّعبيَّة وإقصاء التَّيَّار الإسلامي عن السّياسة. تخضع الأنظمة الحاكمة في الشَّرق الأوسط إلى الهيمنة الأمريكيَّة على أساس تبادُل المنفعة، بالحفاظ على مصالح الحكومة العالميَّة المسيطرة على اقتصاد العالم، في مقابل الحفاظ على كراسي الحُّكَّام وتوارُثها في أُسرهم. ويدُّق نعوم تشومسكي ناقوس الخطر، مشدّدًا على حراجة الموقع العربي، في ظلّ استنزاف الثَّروات النَّفطيَّة وتوجيه عائداتها لإرضاء الاستعمار الجديد؛ ممَّا ينذر بمأساة قد يعاني منها سُكَّان المنطقة، إن لم يحسُن استغلال ثرواتها. ويوجّه تشومسكي النُّصح في هذا الصَّدد (ص386):

لعلَّ أولى الخطوات الواجب قطْعها على طريق المستقبل هي تخفيف التَّسلُّط في نُظُم الحُكم وأشكال السُّلطة القمعيَّة، وخلْق مناخ من التَّسامح والدّفاع عن حقوق التَّعبير والرَّأي، وتنظيم قوى شعبيَّة بنَّاءة، أو باختصار قطْع خطوات عمليَّة على طريق الدّيموقراطيَّة.

تجلّيات النّظام العالمي الجديد في الشَّرق الأوسط

دخَل الصّراع العربي-الإسرائيلي منعطفًا جديدًا بعد إبرام اتّفاق أوسلو في سبتمبر 1993م، بين دولة الاحتلال ومنظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة، على اعتبار أنَّها تمثّل الشَّعب الفلسطيني ومفوَّضة للتَّحدث باسمه. اعتُبر ذلك الاتّفاق تنازُلًا رسميًّا عن الحقّ الغربي في كامل أراضي فلسطين التَّاريخيَّة، بل واعتُبرت منظَّمة التَّحرير، والسُّلطة الفلسطينيَّة الَّتي تأسَّست بناء على الاتّفاق، من أوائل المطبّعين مع إسرائيل من العرب. لم يحصل الفلسطينيون إلَّا على وعودًا زائفة من نقضة العهود بتأسيس دولة لهم، بينما يستمرُّ الاستيطان التَّوسُّعي الصُّهيوني، وتواصِل الجرَّافات الإسرائيليَّة هدْم البيوت وتشريد أصحاب الأرض الفعليين. كان اتّفاق أوسلو نتاج سياسة أمريكا في التَّعامل مع القضيَّة الفلسطينيَّة على مدار عقود، عارضت خلالها حاضنة إسرائيل قرارات مجلس الأمن والجمعيَّة العامَّة للأمم المتَّحدة بشأن القضيَّة؛ كما عرقلت المسارات الدّبلوماسيَّة الَّتي اقترحها الوسطاء. وضَع اتّفاق أوسلو لعام 1993م نصف مساحة الضَّفَّة الغربيَّة لنهر الأردن تحت تصرُّف إسرائيل، وترك باقي المساحة لمصير مجهول. وينقل تشومسكي عن ميرون بينفينستي، وهو أحد المحلّلين المعنيين بالشَّأن الإسرائيلي، توقُّعه عند إبرام اتّفاق أوسلو بأن تستخدم إسرائيل السُّلطة الفلسطينيَّة في السَّيطرة على الأوضاع الدَّاخليَّة في الأراضي المحتلَّة، بدلًا من استخدام قوَّاتها الخاصَّة، متَّبعةً بذلك نهْج “الدُّول الاستعماريَّة عبر قرون من استخدام قوى محليَّة لأداء ذلك نيابةً عنها” (ص391).

تبدَّدت وعود منْح الفلسطينيين مساحة من الأرض لتأسيس دولتهم عقب اغتيال إسحق رابين في نوفمبر 1995م، ويوضح تشومسكي أنَّ إسرائيل “لن تكفَّ…عن إصرارها على السَّيطرة الشَّاملة على الأرض”، نافيًا إمكانيَّة أن ينال الفلسطينيون شيئًا أكثر من الوعود (ص392). ومن الملفت أنَّ المؤرّخ اليهودي تنبَّأ قبل ربع قرن بأن يلعب ياسر عرفات، رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة الَّتي تمخَّض عنها اتّفاق أوسلو، وأعوانه دور “الوكيل لإسرائيل والولايات المتَّحدة”، من خلال وأْد المقاومة الشَّعبيَّة بتسديد ضربات قمعيَّة للفلسطينيين بأيدٍ فلسطينيَّة، “مع ابتعاد إسرائيل عن الصُّورة وتخفيف الضَّغط عنها في منظَّمات حقوق الإنسان والصَّحافة العبريَّة” (ص393). ومع تردّي الأحوال المعيشيَّة للفلسطينيين، يرى تشومسكي أنَّ أمامهم خيارين اثنين، هما إمَّا الرَّحيل عن أرضهم، والاندماج في المجتمع الإسرائيلي والعمل في دولة الاحتلال، موضحًا أنَّ الحلَّ الثَّاني يزداد صعوبة مع استجلاب عمالة أجنبيَّة وإفساح المجال أمام الهجرة اليهوديَّة.

ويجدر التَّنبيه إلى أنَّ دولة الاحتلال سارعتْ ببسط سيطرتها على منطقة القُدس بعد يوم واحد من حرب الأيَّام السّتَّة، يونيو 1967م، لتُؤسَّس مدينة القُدس الكبرى على مساحة تزيد عن 161 كيلومترًا، وتشمل مستعمرة معالي أدوميم وجيفات زئيف ونهر الأردن وكتلًا استيطانيَّة، منها مستوطنات غوش اتسيون وعفرات وبيطار. لن ننسى أنَّ إدارة دونالد ترامب قد أصدرت قرارًا في نوفمبر 2019م يقضي بشرعيَّة المستوطنات الإسرائيليَّة في الضَّفَّة الغربيَّة، بعد أن أعلن ترامب في ديسمبر 2017م القُدس عاصمة أبديَّة وموحَّدة لدولة الاحتلال. في النّهاية، يذكَر تشومسكي بأنَّ إسرائيل هي شرطي أمريكا في منطقة الشَّرق الأوسط، وبأنَّ عداءها مع دول الجوار زائف، وبأنَّه أداة أمريكيَّة لاستنزاف موارد النَّفط في المنطقة مع تنامي علاقاتها بدول النَّفط. أصبح من الأسهل إحكام السَّيطرة على الفلسطينيين بعد تأسيس سُلطة منظَّمة التَّحرير لتتولَّى مهمَّة قمْع الانتفاضة؛ وفي ذلك ما يعزّز النُّمو الاقتصادي لإسرائيل ويشجّع زيادة الاستثمار الأجنبي فيها. أمَّا عن موقف الفلسطينيين من تردّي أوضاعهم بفعل اتّفاق أوسلو، فهو اشتعال انتفاضتهم تدريجيًّا “حتَّى تصبح كلعبة الطّفل الَّتي يصعب التَّحكم فيها، أو تصبح كالثَّورة العربيَّة في 1937-1939م حين تحوَّلت إلى ثورة في وجه الحكَّام الحقيقيين؛ فالمسألة فقط تحتاج إلى وقت” (ص419).

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى