كتاباتكتابات مختارة

العدل في العقوبات .. قيم ومبادئ

العدل في العقوبات .. قيم ومبادئ

بقلم د. عبد الرحمن الجيران

خلال أزمة كورونا شَهِدنا مخالفات عدَّة، إسكانية وأمنية وصحية وبلدية، تمَّ تحويلها وملفاتها إلى النيابة العامة ليأخذ الحقُّ مجراه، ونرجو من رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد – ونحن نستقبل مرحلة جديدة ونعلم تماماً ثقل الأمانة المُسندة إليكم، وكثرة المشاغل والضغوط الخاصة والعامة الواردة، وليُخفِّف من هذا كلّه – أن تضعَ الله تعالى أمام عَيْنَيْكَ، مُستعيناً به وحده، فهو نِعم المولى ونعم النصير، وهو القادر على تَلْيين قلوب البشر ليَقبلوا الحقَّ ولَوازمه، ومَن ابتغى رضا الله بسخط الخَلْق، رَضِيَ الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومَن ابتغى رضا الناس بسخط الله، سَخِطَ الله عليه وأسخطَ عليه الناس.
ولا يخفى على شريف علمكم أهمية البيئة المُلائمة، والهدوء الذي يتطلَّبه مرفق القضاء، كي يتمكَّن من النظر بموضوعية ومِهنيَّة، لاسيَّما مع كثرة الإحالات ووجود القوانين الواضحة في مُعالجتها لتلك الاختلالات.
جنباً إلى جنب استبعاد المعادلة السياسية أو تصفية الحسابات أو المُحاصَصَة في تطبيق العقوبات، فالجميع سواسية أمام القانون، خصوصاً أنَّ سموّكم الكريم أشار في تصريح سابق: (أن لا أحد فوق القانون)،
سمو الرئيس…
تُجَّار الإقامات والشركات الضالعة في هذه الجريمة، فيهم الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، والواجب يُحتّم علينا إذا حَكَمنا على الضعيف منها، أن تُضاعف عقوبة الكبيرة منها، لأنَّ الواجب والعقل والعادة والعُرف يقتضي عليها لشرفها، وملاءتها وقِدَمِها أن تَتَرفَّع عن السرقة أو التحايل أو تجارة البشر، والواقع أنَّه لمَّا تجرَّأت الشركات الكبيرة، سوَّغت لغيرها هذه المخالفات، فأصبحوا يرتكبونها دون خوف من القانون أو رادع من ضمير!
والسؤال…
لماذا نُضاعف العقوبة على الكبار؟
فقهياً، نقول لأنهم توسَّلوا بشيء لا يحلُّ لهم التوسّل به، ليَصِلوا إلى ما وصلوا إليه من ثروات من خلال هذه المخالفات الصريحة، ومَن سَلَكَ هذا المَسلك هَلَكَ، فَمَن كان لا يُقيّم العقوبة ولا يُطبِّق القانون إلا على الضعيف ويَمنعه عن الشريف، فهذا سبب الهلاك، قال – صلى الله عليه وسلم – في اليهود: (كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه).
وأنَّ بني إسرائيل هلكت عن بَكرة أبيها بذلك، ونحن وبنو إسرائيل سواء أمام الله تعالى، إذا لم نَتميَّز بما مَيَّزنا الله به بقوله تعالى:
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..).
فما أصاب بني إسرائيل حينما عَطَّلوا شريعة الله في علية القوم، السُّرَّاق والأشراف والغشاشين وأصحاب الرشوة، سيُصيبنا نحن إذا عَطَّلنا أو أعقنا الحق والعدل بينَ النَّاس الذي هو قَوام المُلك.
ولعلَّ الواقع يُصدِّق ذلك، فانظر إلى العالم الإسلامي الواسع اليوم وتعدادهم مليار ونصف المليار مسلم ومسلمة، فما هي قيمتهم في النظام العالمي؟
ليس لهم وزن ولا قيمة إطلاقاً!
بل هم تَبع لغيرهم في كلِّ شيء، ويتربَّعون في آخر العالم، مع أنَّ عندهم مقومات الحضارة المعنوية والقوة المادية، والطاقة البشرية والموارد الطبيعية، لكنَّها غير مُوجهة الوجهة السليمة.
ولمَّا ضَيَّعوا الأمانة في إدارتها، أضاعهم الله عزوجل.
الخُلاصة:
الفاروق عمر – رضي الله عنه – لمَّا وَلِيَ الخلافة، كان إذا نهى الناس عن شيء، جَمَعَ أهله وقال لهم: إنِّي قد نهيتُ الناس عن كذا و كذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فلا يُذكر لي أنَّ أحداً منكم فَعَلَ هذا إلا أضعفتُ له العقوبة!

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى