كتب وبحوث

الإبراهيميَّة: أحدث حيل نشْر الدّين العالمي الجديد 7من 7

الإبراهيميَّة: أحدث حيل نشْر الدّين العالمي الجديد 7من 7

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

4.4 الحكومة العالميَّة الموحَّدة وحربها على الدّين

يطرح الدُّكتور “بهاء الأمير” (2006) مسألة العولمة، والإعداد لتأسيس نظام عالمي جديد، تسيطر فيه الشّركات العابرة للقارَّات على الاقتصاد العالمي، بينما تتولَّى فيه “الأمم المتَّحدة الماسونيَّة” مهامّ الحُكم والإدارة (صـ215). تمثّل منظَّمة الأمم المتَّحدة النَّموذج الَّذي ينصُّ عليه البروتوكول الخامس من بروتوكولات حكماء صُهيون، لحكومة عالميَّة تؤسّس نظامًا “يستحيل أن يفشل في إخضاع أمم الأرض كلّها…ويمكنها، بطبيعتها وموقعها، استقطاب كافَّة القوى الحاكمة في العالم”، دون استخدام للعنف، للعمل وفق سياسات تلك الحكومة العالميَّة وتحت إمرتها (صـ215). في استدراج غير الواعين بأصلها وطبيعة أهدافها، تستخدم الأمم المتَّحدة شعارات برَّاقة، عن ضرورة تكوين أُسرة عالميَّة، وتعزيز قيم الحريَّة والمساواة والعدل، ورعاية حقوق الإنسان، ومعاونة المنكوبين وضحايا الكوارث الطَّبيعيَّة. يذكّر “الأمير” بما أعلنه المؤتمر الماسوني عام 1889م احتفالًا بمئويَّة الثَّورة الفرنسيَّة (صـ235):

سيأتي اليوم الَّذي تتجرَّد فيه الأمم الَّتي تجهل بواعث ثورة 1789م وأهدافها من أواصر الدّين…وسيهب الإخاء الماسوني ذلك للشُّعوب والأوطان…إن هدف الماسونيَّة هو تكوين جمهوريَّة لا دينيَّة عالميَّة تقودها حكومة لا تعرف الإله ولا تتقيَّد به.

وعن أسباب نشْر الإبراهيميَّة في العالم الإسلامي، يقول الأمير (2020) إنَّ اليهود أدخلوا تلك البدعة بهدف إزاحة الإسلام في بلاد الإسلام، تمهيدًا لتأسيس ما أطلق عليه “الخلافة الإسرائيليَّة” (صـ23).  ليس بجديد ادّعاء السَّعي إلى دمْج الدّيانات السَّماويَّة في ديانة واحدة بزعم نشْر السَّلام؛ فطالما كانت العقائد الإيمانيَّة “العائق أمام حركة اليهود، واستيطانهم لوعي البشر، وامتطائهم لظهورهم، وتسييرهم نحو أهدافهم” (صـ25). ينقل “الأمير” عن “موريس بيناي” (1962) إنَّ ما تُظهره الماسونيَّة من تحقير لرجال الدّين، ومطالبات بالعلمانيَّة تحت مسمَّى تكريس الدّيموقراطيَّة، هدفه هو “تمجيد اليهوديَّة، وإزاحة الأديان من أمامها، وفتْح الطَّريق إلى سيادة اليهود للعالم”؛ وفي ذلك ما يؤيّد ما قاله “ألبرت بايك” عن إنَّ الماسونيَّة “ستوحّد بجهودها كلَّ الأديان في دين عالمي واحد” (صـ26).

5.مخاطر يمثّلها مفهوم المشترَك الإبراهيمي

تحدّد “هبة جمال الدّين” (2018) مجموعة من المخاطر الَّتي ترتبط بمشروع فرْض ديانة مشترَكة على العالم، ويأتي على رأسها إعادة تأويل بعض النُّصوص الدّينيَّة المنزَّلة بالوحي الإلهي بحجَّة تطويعها لمغيّرات العصر الحديث، بينما الهدف هو تعميم الشَّريعة اليهوديَّة، باعتبارها تلك الدّيانة سابقة على المسيحيَّة والإسلام. يُذكر أنَّ من نبوءات العهد القديم أن تصير شريعة بني إسرائيل هي مصدر التَّشريع والاحتكام في آخر الزَّمان: (وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ».لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ) (سفر اشعياء: إصحاح 2، آيات 2-4). ومن تلك المخاطر تغيير المقدَّسات، بمعنى “نقْل قدسيَّة دور العبادة إلى مراكز الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة، وقدسيَّة الكتب السَّماويَّة إلى ناتج القيم المشترَكة بين الأديان” (صـ81).

وتلقي الباحثة الضَّوء على خطر آخر، هو الاعتماد على دبلوماسيَّة المسار الثَّاني، بتعاون القادة الرَّوحيين مع رجال السّياسة في معالجة المشكلات من خلال ربطها بالعقيدة الدّينيَّة، وإقناع العامَّة بقبول الخيارات الَّتي يرتضيها الدّين؛ وتطبيق ذلك على القضيَّة الفلسطينيَّة بعد تعميم الشَّريعة اليهوديَّة يعني سيادة اليهود على كافَّة أراضي مسار إبراهيم، وإن ادّعوا إمكانيَّة التَّعايش السَّلمي مع أبناء كافَّة الدّيانات الأخرى. وترى الباحثة إنَّ محاولة منظَّمة الأونروا اعتبار القُدس عاصمة الدَّولة الإبراهيميَّة منذ مارس 2017م “أمر يحتاج للتَّأهُّب والانتفاضة”، خاصَّة وأنَّ أيادي العبث ستمتدُّ لاحقًا إلى مكَّة والمدينة المنوَّرة لمحو الهويَّة الدّينيَّة الإسلاميَّة هناك بزعْم المطالَبة بحق متوارث (صـ81). وتحذّر الباحثة كذلك من الانخداع بادّعاء أنَّ دمْج الدّيانات الثَّلاثة سيفضي إلى إنهاء النّزاعات، ومن ثمَّ إلى تحقيق التَّنمية المستدامة، موضحةً أنَّ ذلك الزَّعم لا يهدف إلَّا حشْد الدَّعم لمفهوم المشترَك الإبراهيمي. وتختصر جمال الدّين المشكلة وسبيل حلّها كما يلي (صـ82)

دعْم هذا الفكر هو مِن قِبل تيَّار المسيحيَّة الصُّهيونيَّة الَّتي ترغب في سيادة إسرائيل وانتصارها لنزول السَّيد المسيح، ونهاية العالم…وسيستمرُّون في استحداث مبادرات مختلفة من هذا السّياق لتحقيق هدفهم وغايتهم…لا بدَّ أنَّ مثل هذا الطَّرح يجب الاستعداد له، بل والاستفادة من التّكتيكات الَّتي يستخدمها للتَّأهُّب والاستعداد ونشْر الوعي المجتمعي…

أمَّا عن أهمّ سُبُل مواجهة تلك المخاطر، فلعلَّ ما يطرحه “الحوالي” في ختام كتابه الموسوعي المسلمون والحضارة الغربيَّة (2018) من توصيات لإفاقة الأمَّة الإسلاميَّة من عفلتها وإنهاضها من كبوتها (صـ3050-3056):

-ضرورة حفظ القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة وقراءة سير السلف والاطلاع على أحوال فقهاء الإسلام، وفهم ذلك فهمًا واسعًا.

– تربية الأمة على الجهاد في سبيل الله والزهد في الدنيا، ومعرفة حقيقة الجهاد الشرعيَّة، فلا هو ما يسمى الإرهاب ولا هو ما يسمى التسامح.

– الدراسة العميقة للتاريخ وأخذ العبرة من أحداثه فهو كما يقولون يعيد نفسه، وتلك سنَّة الله الدائمة.

– معرفة واقع العدو وحقيقته والتمييز بين فئاته ودراسة الجاهليَّة الغربيَّة دراسة متعمقة.

– ضرورة التجديد والإبداع مهما رأى الناس ذلك خروجًا عن المألوف، وهكذا عالج كل رسول الأدواء الاجتماعيَّة لقومه مع اشتراكهم كلهم في الأساس وهو توحيد الله وعبادته بلا شريك.

-الحُكم الإسلامي إنما هو بالشورى وليس بالديمقراطيَّة، ويجب على المسلمين أن ينتهزوا فرصة الدعوة عالميا لإشراك الشعوب في الحكم، وفي تصحيح الحكم الإسلامي وقيامه على الشُّورى لا على الوراثة.

– ضرورة التَّجديد وأن يراعي المجدد واقع عصره، والرُّسل الكرام صلوات عليهم أجمعين كلٌّ عالج الأدواء الاجتماعيَّة لقومه مع اتفاقهم جميعًا في الدّين.

6.نتائج البحث

تبيَّن من خلال البحث أنَّ تطوير مفهوم الدّيانة الإبراهيميَّة هو أحدث مرحلة في مخطَّط تحريف الإسلام إلى ملَّة أهل الكتاب، تنفيذًا لنبوءة العهد القديم (سفر اشعياء: إصحاح 2، آيات 2-4) بشأن نشْر العقيدة الإيمانيَّة لبني إسرائيل على سائر الأمم في آخر الزَّمان. وقد اتَّضح من خلال التَّحليل الاختلاف التَّام بين صحيح العقيدة الإسلاميَّة، المأخوذة عن القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة المطهَّرة، وبين ملَّة أهل الكتاب، الَّتي تجد لها تشابهات مع عقيدة الصُّوفيَّة، وهي العقيدة الباطنيَّة الَّتي حرَّف إليها بعض الغلاة صحيح الإسلام. بدأت التّهيئة لتطوير عقيدة هجينة تدَّعي اشتراك كافَّة الدّيانات في جوهر روحاني واحد مع التَّرويج لمفهوم التَّعدُّديَّة الدّينيَّة، المرادف لمفهوم وَحدة الأديان، الَّذي يُعدُّ من أهمّ تطبيقات عقيدة وَحدة الوجود عند الصُّوفيَّة. ويتشابه مفهوم التَّعدُّديَّة الدّينيَّة مع عقيدة المرجئة في ادّعاء أنَّ شرط الإيمان هو عبادة إله، بغضّ النَّظر على طبيعته، استنادًا إلى الاعتقاد بحلول الإله في كافَّة المخلوقات، الَّتي تستمدُّ منه الرَّوح. وقد تطوَّر مفهوم التَّعدُّديَّة الدّينيَّة ليظهر مفهوم الدّين العالمي الجديد، القائم بطبيعته على مبدأ التَّركيز على العقائد المشترَكة بين الدّيانات المختلفة، وتجاهُل المتعارض من العقائد، وإن كان من صحيح الإسلام. ومن الملفت أن تجد الدّين العالمي الجديد يقوم في أصله على مفهوم الثّيوصوفيَّة، أو الحكمة الإلهيَّة، الَّذي طوَّره معتنقو عقيدة القبَّالة، أو التُّراث الباطني اليهودي، لنشْر عقيدة روحانيَّة موحَّدة تهيّئ الأجواء للحُكم المُطلق لمخلّص بني إسرائيل، الماشيح.

لا عجبَ إذن أن تجد مؤسَّسة راند الأمريكيَّة تحضُّ في تقريرها لعام 2007م على دعْم الصُّوفيَّة، بوصفها تمثّل تيَّارًا إسلاميًّا معتدلًا؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّ تلك العقيدة الباطلة هي أقرب عقيدة محسوبة على الإسلام إلى ملَّة أهل الكتاب، أو لتقل إلى الفلسفات الوثنيَّة الَّتي حُرّفت إليها عقيدة أهل الكتاب، وجاء الإسلام ليصحّحها. أمَّا عن أهمّ مواطن تنافي الصُّوفيَّة مع صحيح الإسلام، فهي كالآتي:

1.الاعتقاد في إمكانيَّة الوصول إلى مرحلة المشاهدة الربَّانيَّة بعد الارتقاء بالرُّوح إلى السَّماء السَّابعة، ويتنافى ذلك مع قوله تعالى:﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[الأنعام: آية 103]. ويرد في صحيح البخاري (7380)، عن عائشة أمّ المؤمنين ” مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَأَى رَبَّهُ، فقَدْ كَذَبَ، وهو يقولُ:﴿ لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ ﴾[الأنعام: 103]، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ الغَيْبَ، فقَدْ كَذَبَ، وهو يقولُ: لا يَعْلَمُ الغَيْبَ إلَّا اللَّهُ”.

2. التبرُّك بالأضرحة والتوسُّل بها، اعتقادًا بأنَّ الالتحام الروحاني بأصحاب القبور يكفل المدد الإلهي ويقضي الحاجات، وفي ذلك تحدٍ صريح لنهي الله عن اتّخاذ الأولياء من دونه:﴿ وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ﴾[يونس: الآية 106]، وكذلك لقوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ﴾[الأعراف: الآية 197].

3. طلب الشَّفاعة من النبيِّ (ﷺ) وأهل بيته والاعتقاد بأنَّ في ذلك ما يكفل الفوز برضا الله، وقد قال النبيُّ في حديث في صحيح الإمام مسلم (يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس عم رسول الله اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله).

4. اعتقاد بعض الغلاة من المتصوّفة في معرفة الولي الصوفي الغيب، وقد قال الله تعالى:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾[النمل: آية 65]. وللدُّكتور “غالب بن عليّ عواجي” (1997) رأيه في ذلك، وهو أنَّ ما يدَّعيه المتصوّفة عن الكشوف ومعرفة الغيب ما هو إلَّا وسيلة لاستدراج السُّذَّج، مدَّعين أنَّ معرفتهم للغيبيَّات هو “إكرام الله لهم بمعرفة ما لم يعرفه غيرهم”، بينما “في كلّ ذلك تساعدهم الشَّياطين، وأكثر هؤلاء الَّذين يخبرون بالغيبيَّات عن طريق الكشف إنَّما يستعينون بالسّحر، والطَّلاسم” (صـ1022). وينقلنا ذلك إلى اعتقاد بعض غلاة المتصوّفة في سقوط التَّكاليف، أي وصول العبد إلى مرحلة لم يعد في حاجة إلى أداء الفروض الدينيَّة، بعد التحام رُوح القُدُس به، وقد قال تعالى:﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) ﴾[المعارج: آيات 19-23]. ويعلّق “عواجي” (1997) على ذلك بقوله إنَّ المتصوّف يصل إلى مرحلة يدّعي فيها أنَّه “وصل إلى حدّ التَّلقّي من الله مباشرةً، واطَّلع على كثير من أسرار هذا الكون، وعرف الكثير من الغيبيَّات”، وحينها لا يعود المتصوّف يؤمن بعمل الآخرة أو يخاف من عذاب في النَّار؛ ومن هنا، “تنشأ الاستهانة التَّامة بجميع التَّكاليف الشَّرعيَّة” (صـ1029).

5. الاعتقاد في أنَّ شيخ الطَّريقة وسيط بين المريد وربِّه، ولا يمكن الوصول إلى الله إلا من خلال تلك الوساطة، وقد قال تعالى:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾[البقرة: آية 186]، دون أن يدع حاجزًا بينه وبين عباده. وفي ذلك الاعتقاد تطابُق مع جاء في إنجيل يوحنَّا، عن اشتراط الإيمان بيسوع لاكتمال الإيمان بالربِّ: (قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي. لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ») (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 14، آيتان 6-7)، كما يرى الدُّكتور “عبد الرَّحمن دمشقيّة” في بحثه “الطَّريقة النقشبنديَّة”.

6.من عقائد الصُّوفيَّة كذلك أنَّ الإيمان يكفي للنَّجاة من العذاب، وأنَّ الالتحام بالرَّبّ، بارئ الرُّوح ومصدرها، هو ثمرة الإيمان، وبذلك الالتحام الرَّوحي يفوز العبد بالبرّ؛ فأنَّى للرَّبّ أن يعذب روحًا صدرت عنه وصارت من جديد جزءً منه. يتَّفق ذلك مع ما ينصُّ عليه العهد القديم، من أنَّ البرّ، أي الخلاص يوم الدّينونة، يكفيه الإيمان ولا يحتاج إلى عمل، (وَالْبَارُّ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا) (سفر حبقوق، إصحاح 2: آية 4). ويتنافى ذلك مع شرط النَّجاة في الآخرة والفوز بالجنَّة في الإسلام، ألا وهو العمل الصَّالح، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: الآية 88].

المقال مقتطف من دراسة تحت عنوان “ بدعة الإبراهيميَّة: لماذا لا يمكن إقران الإسلام بملَّة أهل الكتاب؟” نشرها مركز مُحكمات للبحوث والدّراسات في أبريل 2021م.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى