كتابات

اختراق المواقع الألكترونية وتدميرها.. رؤية فقهية شرعية

 

 

اختراق المواقع الألكترونية وتدميرها.. رؤية فقهية شرعية

د. عبد العزيز بن إبراهيم الشبل ــ تلخيص: منتدى العلماء

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذه وريقات في حكم اختراق المواقع وتدميرها، أحببت أن أجلي فيها الحكم الشرعي بحسب استطاعتي، كما أني حاولت أن أكون محايداً غير متأثر بضغط الواقع أو الأشخاص حسب طاقتي، ومن الله أستمد العون والتوفيق.

المبحث الأول: التوصيف الفقهي للموقع..

الموقع (web site) : هو عبارة عن مكان على الإنترنت، يمكن أن تجد فيه معلومات عن شيء معين، وبالنظر إلى ما اختاره كثير من الفقهاء من اشتراط شرطين في ضابط المال، وهما:

الشرط الأول: أن يكون الناس قد تعارفوا على عدّ الشيء مالاً.

الشرط الثاني: أن يكون فيه نفع مباح مطلقاً.

وإذا طبقنا هذين الشرطين على المواقع الإلكترونية نجد أن ضابط المال ينطبق على أكثر المواقع الإلكترونية، فهي أموال تعارف الناس على عدّها مالاً، فهم يبيعونها ويشترونها، ويأجرونها، ويتبرعون بها، إلى غير ذلك من أوجه التصرف المباح.

كما أن أكثر مواقع الإنترنت تتضمن نفعاً مباحاً، سواء أكان هذا النفع عبارة عن خدمات تعليمية، أو طبية، أو تجارية، أو ترفيهية، أو غيرها من أوجه النفع الذي يصعب حصرها.

لكن هذا الضابط لا يندرج تحته تلك المواقع التي تقدم خدمات ومعلومات محرمة، كالمواقع الجنسية، أو مواقع السحر والشعوذة.

المبحث الثاني: كيفية الاعتداء على المواقع:

إن الإقبال الهائل على الإنترنت، وسرعة نموها، أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة جداً في الإنترنت، فكما أن الإنترنت تنمو بسرعة، فمشكلاتها تنمو معها كذلك بسرعة، وتقف وسائل الحماية عاجزة عن إيجاد الحلول لكل تلك المشكلات، وأضحت حماية المعلومات والبيانات المتوفرة على شبكة الإنترنت قضية مؤرقة للحكومات والشركات والأفراد على حد سواء، حتى إن كثيراً من وزارات الدفاع تمتلك فرقاً ذات مهارات إلكترونية عالية، ولا يستغرب بعض الباحثين قيام حرب عالمية ثالثة، ولكنها حرب إلكترونية.

والاعتداء الإلكتروني له دوافع عديدة، ومنها: الدافع العقدي، والدافع العسكري.

فنجد هناك من يخترق بعض المواقع؛ لأنها تخالف ما يعتقده حقاً، فعلى سبيل المثال: كثير من القراصنة (hackers )  المسلمين وغير المسلمين يقومون بمهاجمة المواقع الجنسية محاولين تدميرها وتعطيلها.

وتنشط عمليات اختراق المواقع أثناء الحروب والنزاعات أو الاعتداءات العسكرية، مثل ما حدث في الغزو الأمريكي للعراق، فقد قامت مجموعة من القراصنة (hackers) المتعاطفين مع العراق، أو الذين يرفضون الموقف الأمريكي، بمهاجمة العديد من المواقع الرسمية والتجارية الأمريكية، وأشارت التقارير إلى أن ما مجموعه 20 ألف موقع تعرض لهجمات منها موقع البيت الأبيض، مع أن الأنظمة التي ترصد تلك الهجمات في بعض الأيام عجزت أن ترصد كل الهجمات.

وقوة الهجمات تختلف بحسب قوة الهجوم وضعفه، وقوة الموقع المستهدف وضعفه، فقد يقتصر الهجوم على وضع صورة أو عبارة على الصفحة الرئيسية على الموقع، أو تعطيل الموقع عن العمل بضع دقائق، وقد يستطيع المهاجم مسح محتويات الموقع كاملة، أو قد يستولي على الموقع ويحتله ويضع فيه ما يشاء.

ومن أشهر الطرق التي يتبعها القراصنة (hackers) عند مهاجمتهم للمواقع ما يلي:

الطريقة الأولى: طريقة استغلال الثغرات:

وذلك أن كثيراً من المواقع تحتوي على ثغرات، فيقوم المهاجم بالبحث عن الثغرات، ثم يقوم بمهاجمة الموقع عن طريق تلك الثغرة، وقد يستطيع التحكم ببعض محتويات الصفحة، وقد يستطيع الحصول على اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بإدارة الموقع، ومن ثم يقوم بالاستيلاء على الموقع.

الطريقة الثانية: طريقة هجمات حجب الخدمة (Denial of Service):

وهو نوع من الهجوم على الشبكات من خلال إغراقها بالبيانات والرسائل غير المهمة؛ من أجل منعها من العمل.

الكثير من هذه الهجمات مثل ضربة الموت (Ping of Death) والدموع (Teardrop) تستغل الهفوات والأخطاء البرمجية الموجودة في بروتوكولات TCP/IP من أجل القيام بالأعمال التخريبية.

الطريقة الثالثة:الدخول والبحث الجماعي في موقع معين:

هناك بعض الطرق السهلة والتقليدية التي لا تحتاج إلى خبرة أو برامج متقدمة، وهي قريبة من الطريقة التي قبلها، والنتيجة فيها واحدة، وهي حجب الخدمة مؤقتاً، والطريقة باختصار: تتفق مجموعة كبيرة من المهاجمين على الدخول إلى الموقع في وقت واحد، ثم يقومون بالبحث سوياً عن كلمة معينة، وتكون تلك الكلمة من الكلمات التي تتكرر بكثرة، مثل (the)(to)(which)، فإذا كان العدد كبيراً، وقدرة الموقع لا تتحمل هذا العدد الضخم، فإن الموقع يتعطل عن الخدمة مؤقتاً، قد تكون المدة قصيرة جداً، ولكن الموقع إذا كان مشهوراً قد تتأثر سمعته بين رواده.

الطريقة الرابعة: إيجاد كلمة السر الخاصة بمشرف الموقع:

وذلك عن طريق تخمين تلك الكلمة، أو تجربة كل الاحتمالات، أو عن طريق ما يعرف بالهندسة الاجتماعية (Social Engineering )، سواء أكان ذلك بالحصول عليها من المشرف عن طريق تجاذب أطراف الحديث معه، حتى يزل لسانه بذكر كلمة المرور، أو عن طريق الدخول إلى مقرّ الموقع أو الشركة وإيهام من في المكان أنه أحد المصرّح لهم بالدخول، ثم قد يجد كلمة المرور على أحد الأجهزة، كما يفعل كثير من الموظفين عندما يضع كلمات المرور المهمة على ورقة لاصقة بشاشة الحاسوب، فإذا حصل القرصان على كلمة المرور، فإنه يستطيع الاستيلاء على الموقع.

المبحث الثالث: أقسام المواقع، وحكم الاعتداء على كل قسم:

يمكن تقسيم المواقع باعتبارات متعددة، والتقسيم الذي يخدمنا في هذا المبحث، هو تقسيم المواقع إلى مواقع محترمة يحرم التعدي عليها، ومواقع غير محترمة.

القسم الأول: المواقع المحترمة التي يحرم الاعتداء عليها:

وهي المواقع التي جمعت عنصرين رئيسين:

العنصر الأول: أن يكون الموقع فيه منفعة مباحة في الشريعة، إذ إن من شرط المال في الشريعة أن يكون ذا منفعة مباحة، ومن شرط الضمان في مسائل الإتلاف أن يكون المال متقوِّماً في الشريعة، أي يكون ذا قيمة معتبرة في الشرع.

وعلى ذلك فإذا كان الموقع يتضمن منفعة مباحة، كالخدمات التعليمية أو التجارية أو الحكومية أو الطبية أو غيرها فإنه يكون مالاً متقوّماً شرعاً، يحرم التعدي عليه إذا استوفى العنصر الثاني.

أما إذا كان الموقع من المواقع التي تتضمن منافع محرمة، كالمواقع الجنسية، أو مواقع السحر والشعوذة، أو مواقع القمار، أو غيرها مما هو على شاكلتها، فإنه لا مالية لهذا الموقع في الشرع.

العنصر الثاني: أن يكون صاحب الموقع معصوم المال والدم، وهو المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن، فلا يجوز التعدي على أموال هؤلاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد حفظ أموالهم، وحرّم الاعتداء عليها.

والآن أكثر المواقع هي مواقع مسلمين أو معاهدين فلا يجوز التعدي عليها.

فأي موقع استوفى هذين العنصرين حرم الاعتداء عليه.

القسم الثاني: المواقع غير المحترمة:

وهي المواقع التي اختل فيها أحد الشرطين أو العنصرين، فإما أن تكون مواقع تحتوي على منفعة محرمة، كالمواقع الجنسية، أو مواقع يملكها شخص غير محترم المال، وهي المواقع التي يملكها الحربيون.

حكم الاعتداء على هذا القسم من المواقع:

لا خلاف في أن هذه المواقع لا مالية لها إذا تحققنا أنها غير محترمة، كما أنه لا خلاف في عدم وجوب الضمان فيها إذا كانت غير محترمة.

ولكن الخلاف في مشروعية الإقدام على الاعتداء على تلك المواقع بالإتلاف أو الاختراق أو حجب الخدمة ونحوها من صنوف الاعتداء، هل هو مشروع أو لا؟.

وسبب الخلاف في هذه المسألة هو: النظر في المصالح والمفاسد، فمن غلبت عنده المصالح أفتى بالمشروعية، ومن غلبت عنده المفاسد أفتى بالمنع.

وإليك خلاف الفقهاء المعاصرين في مشروعية الاعتداء على المواقع غير المحترمة:

القول الأول: جواز إتلاف المواقع إذا كانت غير محترمة، وقد أفتى بذلك جمع من المشايخ المعاصرين، ومنهم من كانت فتواه عن مواقع محرمة كالمواقع الجنسية، ومنهم من كانت فتواه عن مواقع الدول الحربية، أو عن الدول الحربية والدول التي تدعمها، وممن قال بهذا القول مفتي السعودية سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، ولجنة الفتوى في الأزهر.

القول الثاني: عدم جواز اختراق المواقع غير المحترمة، وهذا القول قال به بعض المفتين المعاصرين.

أدلة القولين:

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن هذا الفعل داخل في عموم قوله تعالى: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [آل عمران: ١٠٤].

الدليل الثاني: عموم قوله (صلى الله عليه وسلم): “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه  …”، وتدمير المواقع التي تدعو إلى الفساد داخل في هذا العموم.

الدليل الثالث: أن تدمير مواقع الدول الحربية التي تحارب الإسلام والمسلمين، والتي احتلت أرضهم، وأخرجت المسلمين من ديارهم، هو من الجهاد في سبيل الله؛ إذ إن أساليب الجهاد في سبيل الله قد تنوعت وتعددت في هذا العصر، ومن هذه الطرق الحديثة للجهاد الجهاد الإلكتروني.

الدليل الرابع: أن هذه المواقع من قبيل الضرر، والضرر إن كان يزول من غير ضرر وجب إزالته، وكذا إن زال بضرر أخف منه، أما إن لم يزل إلا بضرر أعلى وأكثر فلا يزال، بل يحتمل أدنى الضررين لدفع أعلاهما.

فإن كانت محاربة مواقع الفساد بمثل هذه الوسائل لا ينتج عنها ضرر أكبر من ضرر وجود تلك المواقع، فإن هذا من أعمال القربات ومن الجهاد في سبيل الله.

الدليل الخامس: أن في تدمير المواقع المحرمة كفّاً لأذاها ودفعاً لشرها، فيشرع تدميرها.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن تدمير المواقع المحرمة يؤدي إلى مفسدة أكبر، وهي أن من دمرت مواقعهم الإلكترونية سيقومون بمهاجمة المواقع العربية والإسلامية، وما يتم تدميره من مواقعهم سيتم تدمير أكثر منه من المواقع الإسلامية، وعلى ذلك فضرر هذا الفعل أكثر من نفعه فلا يقدم عليه.

الدليل الثاني: أن هذا العمل من مسؤولية الدول والمؤسسات العامة، وليس ذلك إلى الأفراد، ولو أراد الأفراد إتلاف المواقع الجنسية ونحوها فإنهم لن يستطيعوا إتلاف معشار معشارها، والعلاج الأفضل لها يكون باتخاذ وسائل الحذر والحماية العامة، بحجب المواقع الفاسدة في الدول الإسلامية، وتطوير البرامج لمراقبة هذا الحجب، ونشر الوعي والحذر العام، وهذه جهود لا تستطيعها إلا المؤسسات والدول.

الدليل الثالث: أن تتبع المواقع الفاسدة من أجل إتلافها قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فقد يعلق بقلب الإنسان منها شيء، وتكون المفسدة التي حدثت من اطلاعه على تلك الأمور أعظم من مفسدة الإتلاف.

الموازنة بين الأقوال والترجيح:

1- كلا الفريقين يرون أن هذه المواقع لا مالية لها، وأنها أموال غير محترمة شرعاً.

2- كما أن الجميع نظر إلى المصالح في هذه المسألة، وأعمل المصالح بحسب ما يراه هو أنه الأقرب لتحقيق المصلحة ودفع المفسدة، أو ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.

3- ولكنهم اختلفوا بناءاً على نظرتهم إلى الفعل الذي يحقق أكبر قدر من المصالح، أو يدفع أكبر قدر من المفاسد. فالمجيزون لتدمير المواقع غير المحترمة في الشريعة رأوا أن ذلك يحقق أكبر قدر من المصالح، ويدفع الضرر الحاصل من هذه المواقع، كما أنه من الجهاد في سبيل الله، مع تنبيههم إلى أن هذا الفعل يجب ألا يترتب عليه مفسدة أعظم.

وأما المانعون فرأوا أن المفاسد التي قد تترتب على هذا الفعل هي أعظم من المفاسد التي تترتب على الترك، وعلى ذلك غلبوا جانب الترك؛ لأنه أعظم مصلحة.

4- والذي أراه راجحاً – والعلم عند الله – ألا يحكم على هذه المسألة بعمومها، بل يقال: إن الحكم يدور على قواعد: إعمال المصالح ودرء المفاسد، فمتى غلبت مصلحة الاختراق عمل به، ومتى غلبت مفسدته ترك.

5- وإذا أردت تطبيق هذا الضابط على الواقع المشاهد في تدمير المواقع فإني أقول – ومن الله أستمد التوفيق -:

إن المواقع غير المحترمة – كما سبق – إما مواقع لأناس حربيين، وإما مواقع مشتملة على أمور محرمة كالطعن والافتراء على هذا الدين الحنيف، وكالمواقع الجنسية، وغيرها.

وإذا نظرنا إلى النوع الأول، وهي مواقع الحربيين، فلا اعتراض – حتى عند المانعين – على أن الهجمات الإلكترونية إذا كانت بضوابطها الشرعية داخلة في الجهاد في سبيل الله، وقد سبق لك أن عدداً من الدول اتخذت فرقاً إلكترونية من أجل دعم جيوشها في الحروب، وإذا كانت الجيوش تسعى إلى شل قدرة العدو، فإن من أقوى قدراته في هذا الزمان: قدرته الإلكترونية؛ إذ إن كثيراً من الأمور الحيوية تدار بطريقة إلكترونية.

وعلى ذلك فالقواعد التي قررها العلماء في أحكام الجهاد في سبيل الله تطبق على هذه المسألة، وتضبط شوارد مسائلها، ولكن يبقى تنبيهات على هذه المسألة:

التنبيه الأول: أن تحديد الحربي من غيره ليس لآحاد الناس، بل هو راجع إلى أهل الحل والعقد، خاصة في هذه الأزمنة التي أصبحت فيها أغلب الدول دولاً معاهدة لا حربية، وعلى ذلك فلا يجوز الإقدام على التدمير والاختراق بمجرد أخبار تتداول بين عامة الناس، أو نداءات تطلق في هذا المنتدى أو ذاك، من غير رجوع إلى أهل الحل والعقد.

التنبيه الثاني: لو تم تعيين هذا البلد أنه بلد حربي، فإنه يبقى أمر آخر، وهو تحديد أن هذا الموقع تابع لهؤلاء الحربيين، وهذا وإن كان سهلاً في بعض الأحيان – كما في المواقع الحكومية، أو المواقع التي تنتهي بامتداد البلد الحربي – ولكن في أحيان كثيرة يكون من الصعوبة تحديد بلد صاحب الموقع، خاصة مع انفتاح التجارة، ووجود الشركات العالمية، والشركات المتعددة الجنسيات.

التنبيه الثالث: أن كثرة التجاوزات في مسألة إتلاف المواقع أدت إلى منع بعض المفتين منها؛ سداً للذريعة، وهو قول متوجِّه.

 وأما النوع الثاني من المواقع، وهي المواقع المشتملة على المنافع المحرمة، فكما سبق هي لا حرمة لها، ولكن هل الأولى الإقدام على اختراقها وتدميرها؟

الذي أراه أن المصلحة في كثير من الأحيان عدم الإقدام على الاختراق والتدمير، وذلك للأمور التالية:

الأمر الأول: أن في هذا تعريضاً للمسلم لفتنة الشبهات والشهوات، فهو سيبحث عن هذه المواقع من أجل تدميرها، فيطلع عليها وينظر فيها، ولا يأمن على نفسه من أن يعلق بقلبه شيء منها.

الأمر الثاني: أن في هذا إضاعة للأوقات، لأنه مهما أوتي من قوة فلن يستطيع تدمير كل المواقع الفاسدة على الإنترنت، ولو استغل وقته وقدراته في أمر آخر من تبليغ الدعوة، ونشر الإسلام على شبكة الإنترنت لكان أولى له، وأنفع للإسلام والمسلمين.

الأمر الثالث: أن هذا الفعل قد يعرضه للمساءلة ثم العقوبة، فقد يخترق موقعاً جنسياً أو موقعاً للقمار وهو في بلد غير مسلم، يمكن لصاحب هذا الموقع أن يحصل على تصريح لإنشاء مثل هذه المواقع، فيعاقب الشخص الذي اخترق هذه المواقع، في مقابل منفعة يسيرة جداً، لا تعدو في كثير من الأحوال أن تكون إيقافاً للموقع أياماً معدودة.

المبحث الرابع: عقوبة المعتدي على المواقع التي يحرم الاعتداء عليها، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: اختراق الموقع مع الاستيلاء عليه:

في أحيان كثيرة يستطيع القراصنة الإلكترونيين (hackers) اختراق الموقع الإلكتروني والاستيلاء على محتويات هذا الموقع، ويصبح كأنه المالك الأصلي لهذا الموقع.

وأغلب الأحيان يستطيع مالك الموقع الأصلي أن يسترجع موقعه بعد مدة، وذلك عن طريق مراسلة الشركة المستضيفة لموقعه، ومن ثَمَّ ترسل الشركة المضيفة له اسم مستخدم وكلمة مرور جديدة على بريده الخاص الذي اختاره صاحب الموقع في البداية. ولكن قد تكون قدرات القرصان الإلكتروني عالية، والاحتياطات الأمنية لصاحب الموقع ضعيفة فيضيع الموقع منه، أوقد يضطر صاحب الموقع إلى اللجوء إلى القضاء لاستعادة الموقع، أو سلوك إجراءات طويلة من أجل إرجاع الموقع، خاصة إذا كان الموقع مملوكاً لشركة معروفة، والموقع مسجلاً باسمها، فتتمكن الشركة في النهاية من استرجاع الموقع، ولكن المشكلة تكمن إذا كان الموقع مسجلاً باسم افتراضي، ثم تم الاستيلاء على الموقع، وعلى البريد الخاص بصاحب الموقع.

في المبحث السابق كان الكلام في حكم الاختراق، وفي هذا المبحث سأتكلم في عقوبة من اخترق موقعاً محترماً.

إذا تمّ اختراق الموقع ثم تم الاستيلاء عليه، وحجب صاحبه من التحكم فيه، وأصبح الذي يتحكم في الموقع ويديره هو القرصان الذي استولى عليه، فما الحكم في هذه الصورة؟

الذي أراه في هذه الصورة أن يطبق عليها أحكام الغصب، فالموقع وإن كان موقعاً افتراضياً فهو يتمتع بكثير من خصائص الموقع الحقيقي، والضرر الذي يترتب على الاستيلاء على الموقع الافتراضي قد يكون مماثلاً للاستيلاء على المكان الحقيقي أو أكثر.

ومن الأحكام التي ترتب على الغصب:

أولاً: يجب على الغاصب رد المال المغصوب إلى من غصبه منه، فيجب إرجاع المغصوب إلى محله الذي غصبه منه، وحتى وإن كان ذلك المكان بعيداً.

فإذا حكمنا بأن الاستيلاء على المواقع المحترمة محرم، وأن حكم ذلك حكم الغصب، فإنه يجب على من استولى على موقع من المواقع أن يرد الموقع إلى صاحبه.

ورد الموقع قد يكفي فيه إرجاع اسم المستخدم والرقم السري لصاحب الموقع الأصلي، وقد يلزم معه – أيضاً:

أولاً: إرجاع بعض المعلومات والبيانات إذا كان المستولي على الموقع قد قام بأخذها، ولا يجوز للمستولي على الموقع أن يرجع الموقع مع احتفاظه ببعض البيانات أو المعلومات، حتى وإن أرجع تلك البيانات كاملة لصاحبها؛ لأن صاحب الموقع له الحق بالاستئثار بتلك البيانات وحده، والاستفادة منها استفادة مالية أو غير مالية.

ثانياً: على الغاصب ضمان منافع المال المغصوب، ومن ذلك أجرة المال المغصوب مدة الغصب.

وقد اختلف الفقهاء في ضمان المنافع، فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون وجوب ضمان المنافع مدة الغصب.

وأما الحنفية فيرون أن المنافع لا تضمن، واستثنى متأخروهم من ذلك: الوقف، ومال اليتيم، والمال المعدّ للاستغلال.

وإذا أردنا تطبيق هذا الخلاف على مسألتنا هذه فإنه يمكن القول:

– إن مذهب الجمهور هو أن المستولي على الموقع يجب عليه أجرة الموقع في مدة الغصب؛ لأنه فوّت على صاحب الموقع منفعة متوقعة في تلك المدة.

– وأما مذهب متقدمي الحنفية فهو أنه لا ضمان عليه، فلا يجب عليه دفع أجرة تلك المدة.

– وأما مذهب متأخري الحنفية فهو أن الموقع إذا كان وقفاً، أو كان ليتيم، أو كان الموقع من المواقع التي تأجر خدماتها عبر الإنترنت، مثل مواقع الاستضافة، أو المواقع ذات الاشتراك المدفوع، فإنه يجب على المستولي على الموقع دفع الأجرة عن تلك المدة التي غصب فيها الموقع.

أما إن كان الموقع ليس وقفاً، وليس مالاً ليتيم، وليس معداً للاستغلال فإنه لا يجب عليه الضمان عند متأخري الحنفية.

والراجح – والله أعلم – هو القول الأول.

ثالثاً: التعزير: التعزير عقوبة غير مقدرة شرعاً على فعل شيء محرم، والغصب من الأمور المحرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وعلى ذلك فإن للقاضي أن يعزر الغاصب بما يراه مناسباً له من العقوبة.

المطلب الثاني: اختراق الموقع مع إفساد محتوياته:

إذا تم اختراق الموقع، ثم قام المخترق بإتلاف محتويات الموقع، فإن المعتدي يعاقب بثلاثة أمور:

الأمر الأول: ضمان ما أتلفه، فيلزم المعتديَ على المواقع بالإتلاف ضمانُ ما أتلفه من برامج ومعلومات وبيانات، والضمان يكون بدفع قيمة ما كان قيمياً، ومثل ما كان مثلياً.

ويلحظ هنا أن أكثر المواقع تحتفظ بنسخة من الموقع احتياطاً؛ وذلك تحسباً لمثل هذه الحالات، وهنا يجب على المعتدي فقط إعادة الموقع إلى ما كان عليه قبل الاعتداء، فيدفع قيمة إرجاع الموقع إلى وضعه السابق.

الأمر الثاني: التعويض عن الضرر الذي أصاب صاحب الموقع.

الأمر الثالث: التعزير.

المطلب الثالث: اختراق الموقع من دون استيلاء ولا إفساد:

في أحيان عديدة يخترق بعض القراصنة بعض المواقع الإلكترونية، لكنهم لا يستولون عليها، ولا يقومون بإفساد تلك المواقع، ولكنهم يدخلون ويطلعون على محتويات الموقع وأسراره، وقد يكون السبب من ذلك إثبات الذات واستعراض القدرات، أو قد يكون الغرض من ذلك التجسس على صاحب الموقع، سواء أكان التجسس لأغراض تجارية أو سياسية أو غيرها، كما أن الاختراق قد يكون من أجل ابتزاز صاحب الموقع أو تهديده، إلى غير ذلك من الأسباب الداعية إلى مثل هذا الاختراق.

وهذه المسألة داخلة في التجسس الذي نهانا الله سبحانه وتعالى عنه في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” [الحجرات: ١٢] ، وقد جاءت السنة المطهرة بالنهي عن التجسس في أحاديث عديدة، منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا،  ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً”.

والتجسس ليس فيه عقوبة مقدّرة، وإنما فيه التعزير.

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المصدر: موقع “الاسلام اليوم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى