كتابات مختارة

قصة انتشار الإسلام جنوب شرق آسيا

الإسلام في الصين:

أما الصين؛ فتقع في الجزء الشرقي من قارة آسيا، وعلى الساحل الغربي من المحيط الأطلنطي، وتشترك الصين في حدودها مع عدة دول هي: أفغانستان، بوتان، ميانمار (بورما)، مازخستان، فرعيزستان، لاوس، منغوليا، النبيال، وكوريا الشمالية، وباكستان، وروسيا، وطاجاكستان، وفيتنام. وتذكر التواريخ الصينية أن أول دخول الإسلام في الصين كان في أيام أسرة “تانج”، التي عاصرت البعثة النبوية، وعصر الراشدين، وعصر الخلافة الأُموية، وكان القادمون إلى الصين من المسلمين تجارًا دخلوا بلاد الصين من الجنوب أيام الخلافة الأموية، واستقرُّوا في “كانتون”، حيث أنشئوا لأنفسهم جالية زاهرة، واتخذوا المساجد، وأطلق عليهم الصين لقب “هوي هوي”[1].

متى دخل الإسلام الصين؟

ويَذْكر مرجع صيني قديم يُسمَّى “التاريخ القديم لأسرة تانج” أنه في السنة الأولى لحكم الإمبراطور يوانج – واي (31هـ= 651م) وفد على بلاط هذا الإمبراطور وفد من المسلمين حاملين هدايا للإمبراطور، وقالوا: إن دولة الإسلام قامت منذ إحدى وثلاثين سنة. ويقول الصينيون من المسلمين: إن هذه كانت أوَّل مرَّة يدخل فيها الإسلام إلى الصين. ويقول المرجع نفسه: إن إمبراطور الصين استفهم عن أمر الإسلام وسأل عنه، فسمع خيرًا، وأذن للمسلمين في بناء مسجد في العاصمة تشانج – آن، وما زال هذا المسجد قائمًا في ذلك البلد الذي يُسمَّى الآن شيان[2].

وفي أيام الوليد بن عبد الملك (86- 96هـ) عَبَر قتيبة بن مسلم نهر سيحون، وتخطى الحدود الغربية لدولة الصين، ودخل كشغر، وضمَّ جزءًا من ولاية سنكاينج[3] إلى دولة الإسلام.

وفي سنة 726م أوفد الخليفة هشام بن عبد الملك (105-125هـ) سفيرًا يُسمَّى سليمان إلى الإمبراطور هزوان تونج، وانعقدت أواصر الصداقة بينه وبين المسلمين.

وعندما قامت ثورة على هذا الإمبراطور قادها ابنه سور تسونج سنة (756م) وطرد أباه من العرش، استنجد الإمبراطور المعزول بالخليفة العباسي “المنصور” (136-158هـ)، فأنجده بقوَّة من الرجال أعادته إلى عرشه، ولم تَعُدْ هذه القوَّة إلى بلادها، بل استقرَّت في الصين، وتزوَّج أفرادها من الصينيات، وانضمُّوا إلى إخوانهم أعضاء جالية كانتون، فكثُر عددها، وحاول حاكم البلد إخراجها من البلد بالقوَّة، ولكنه عجز[4].

عوامل انتشار الإسلام في الصين

ودخل الإسلام إلى شمال الصين بواسطة الترك في عهد جنكيزخان وخلفائه؛ حيث لم يعبأ جنكيزخان بالدين، وكان يجمع حوله من جميع المِلَلِ، ودخل في جنده كثير من الترك، والأفغان، والباتان، والفرس، وكل هؤلاء مسلمون، فنشروا الإسلام في الصين[5].

وهناك مجموعة من العوامل ساعدت على سهولة وسرعة انتشار الإسلام في الصين، من هذه العوامل: المعاملات التجارية التي قام بها المسلمون، وكذلك الفتوحات الإسلامية للمناطق المحيطة بالصين، وتناسل المسلمين وكثرتهم، والاختلاط بينهم وبين أهالي البلاد الأصليين، ومن هذه العوامل أيضًا شراء المسلمين لأولاد الصينيين الوثنيين وتربيتهم على الإسلام، فيصيرون متمسِّكين بالدين الإسلامي، وكذلك لجوء مسلمي الصين إلى الزواج بالصينيات؛ رغبة أن يشرح الله صدورهن للإسلام[6].

وقد تمتَّع الإسلام في الصين بقَبول حَسَن، ولقي المسلمون معاملة طيبة طَوَال عصر أسرة “تانج”، التي انتهت سنة (349هـ = 690م)، ولما خلفتها أسرة “سونج” ازدادت التجارة، وتزايد توافد المسلمين على الصين، وأصبحت كلُّ تجارة الصين مع بقية بلاد الشرق وأوروبا في أيدي المسلمين؛ فعرفت أوروبا حرير الصين، وخزفها، وتحفها، وصناعاتها الدقيقة عن طريقهم، وحملوا إليها متاجر أوروبا وغرب أسيا، وكبرت جاليات المسلمين في بلاد الصين، وانتشر الإسلام أكثر وأكثر، ونظرًا لما امتاز به المسلمون من خُلُق طيِّب وأمانة والتزام بالقوانين فقد احترمهم الشعب الصيني، وزاد انتشار الإسلام تَبَعًا لذلك[7].

السيد الأجل ناشر الإسلام

وكان أكبر الموظَّفين المسلمين في بلاد الصين رجلاً ذا كفاية عظيمة وقدرات متعددة، وهو “السيد الأجل”، وقد تدرَّج في المناصب حتى أصبح القائد الأعلى للقوات العسكرية المنغولية في “ششوان”، ثم أصبح حاكمًا لتلك الولاية في سنة (671هـ= 1372م)، وبعد سنتين تولَّى حكومة ولاية يونان، وبفضل كفايته انتشرت الثقافة الإسلامية في بلاد الشمال الغربي، وكان السيد الأجل يحكم بعدلٍ وإنصاف تامَّيْنِ، ولا يُفَرِّق بين مسلم وغير مسلم، ويقول المؤرِّخ رشيد الدين فضل الله في كتابه “جامع التواريخ” في عصر الأسرة المغولية كانت الصين مقسَّمة إلى اثنتي عشرة ولاية، لكل منها حاكم، وإن ثمانية من بين الحكام كانوا مسلمين، وهذا يدلُّ على القوَّة التي وصل إليها المسلمون في عصر أسرة “يوان”، وقد دامت أسرة يوان حوالي 90 سنة تقريبًا (770 – 1054هـ = 1368 – 1644م)، وفي عهد هذه الأسرة ازداد الإسلام، حتى أصبح من أديان الصين الكبرى[8].

بداية اضطهاد المسلمين

ورغم استمرار انتشار الإسلام وحسن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في الصين، إلا أنه عندما سيطرت الأسرة “المانشورية” على الحكم خلال ثلاثة قرون ( 1644 – 1911م)، اضطهدت المسلمين، فصادرت أملاكهم، وأخذت أموالهم، وانتهكت حُرُماتهم، مما جعل الثورات تندلع في كل مكان من قِبَلِ المسلمين، والتي بدأت عام 1856م بعدما ساعد الولاة الصينيون الوثنيين في مهاجمة المسلمين والوقيعة بهم، إضافة إلى دسِّ الدسائس، وعمل الحِيَلِ لقصم عُرَى المسلمين[9].

وتَبَعًا لسياسة الشيوعية تغيَّرت عقيدة بعض مسلمي الصين تحت تأثير الضغط أحيانًا، وخاصَّة بالنسبة إلى النشء الجديد، وتارة من أجل الوظائف والمناصب، وتارة بسبب ضعف الإيمان، ورغم ذلك نجد أن الكثير من المسلمين تمسَّكوا بعقيدتهم واحتفظوا بدينهم أشدَّ الاحتفاظ، وإن كانوا قد تواروا في عبادتهم عن الأنظار، وابتعدوا في صلواتهم عن العيون؛ تجنبًا لما اتَّبعه النظام الشيوعي من سياسة اقتصادية تقوم على اغتصاب أموال الناس باسم القانون، وسياسة اجتماعية حطمت الروابط بين الأفراد والأسر[10].

—————————————

[1] حسين مؤنس: الإسلام الفاتح ص67

[2] المصدر السابق، ص68، 69.

[3]تركستان الشرقية الآن، ومعناها بالصينية الأرض المحتلة.

[4] حسين مؤنس: الإسلام الفاتح، ص69.

[5] رأفت غنيمي وآخرون: تاريخ آسيا الحديث والمعاصر، ص 13، 14.

[6] انظر المصدر السابق، ص 14، 15.

[7] حسين مؤنس: الإسلام الفاتح ص70.

[8] المصدر السابق، ص 71.

[9] رأفت عيسى الشيخ وآخرون: تاريخ آسيا الحديث والمعاصر ص15.

[10] المصدر السابق، ص16.

المصدر: رابطة العلماء السوريين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى