كتب وبحوث

دولة الفاتيكان كشخص من أشخاص القانون الدولي العام

دولة الفاتيكان كشخص من أشخاص القانون الدولي العام

بقلم المحامي محمد نادر العاني

القانون الدولي العام يعتمد نطاقه الشخصي بشكل أصيل على الدولة كأهم شخص من أشخاصه ، وذلك أن الاعتراف بالدولة كشخص قانوني عادةً ما يمر بعدة قواعد يجب أن تكون الدولة قائمة عليها حتى تكون حاضرة ضمن نطاق القانون الدولي، وما يبنى لها من حقوق، وبما يفترض عليها من التزامات، ويجب أن يتميز وصف الدولة بأركان رئيسية منها الإقليم، والشعب، والسلطة السياسية، وكذلك يجب أن تتمتع بعدة عناصر وهي: العنصر البشري، وهو العنصر الأساسي في الدولة، الذي يستقر فيها، ويرتبط بها برابطة سياسيّة وقانونيّة، إذ تعتمد الدولة على الشعب في إدارة الأعمال.
والعنصر الطبيعي، والذي يقوم على كامل مساحة الأرض محددة المعالم، التي تتبع الدولة، ويقيم على معظمها، أو على بعضها المواطنون، وتشمل المسطحات المائيّة، والمجال الجوي. والعنصر التنظيمي، أو الحكومة، وهو العنصر المسؤول عن تنظيم مجتمع الدولة، والإشراف على الإقليم، وتسيير أمور الشعب، وتكتسب الحكومة شرعيّتها، في حال تم الاعتراف لها بذلك سواءً اختياراً، أو طوعاً، أو عنوةً. والعنصر المعنوي، أو السيادة، والاستقلال بحيث يكون لها كيانها المستقل بشكل مطلق، والبعيد عن أيّ تدخل خارجي، وعدم خضوعها بشكل مباشر لإدارة أجنبيّة.
وأخيرا عنصر الاعتراف الدولي بكيانها، حيث تنشأ الدولة ككيان مادي بمجرّد اكتمال عناصرها؛ من مواطنين، وإقليم، وحكومة، واستقلال، وبالإضافة إلى هذه العناصر الأساسية، يجب اعتراف، وإقرار الدول الأخرى بوجودها، والتعامل معها، والسماح لها بممارسة سيادتها الخارجيّة.

والدولة ليست وحدها من تعتبر كشخص من أشخاص القانون الدولي، حيث دخل شخص آخر، وهو المنظمات الدولية، فقد تم الاعتراف بشخصيتها القانونية الدولية، ولو أن الفقهاء أنكروا عليها هذه الشخصية بداية لكنهم غيروا هذا الموقف لاحقاً.
وقد ظهر ذلك من خلال اعتراف محكمة العدل الدولية في العام 1949 في رأيها الاستشاري في قضية مقتل الكونت برنادوت، ومن شروط اعتراف المنظمات الدولية، أو الإقليمية بالشخصية الدولية توافر شروط ثلاثة:

  • أن يكون حق تكوين إرادة ذاتية مستقلة عن إرادة الدول الأعضاء، ويكون ذلك عن طريق مجالسها، وجمعياتها التي تصدر قراراتها بالأغلبية، أو الإجماع.
  • أن يكون للمنظمة المنشأة اختصاصات محددة لا تظهر شخصيتها الدولية إلا في حدودها.
  • أن تعترف الدول الأخرى صراحة، أو ضمنًا بالشخصية الدولية للمنظمة، ويكون ذلك بقبول هذه الدول الدخول معها في علاقات دولية. ولكن هل الفاتيكان صاحبة ال٥٠٠ ألف نسمة، ومساحة النصف كيلو متر فقط، تعد شخص من أشخاص القانون الدولي العام؟ وهل ينطبق عليها وصف الدولة، أم وصف المنظمة، أم لها طبيعة خاصة؟ .
    الجواب : تأريخياً كانت دولة الفاتيكان محتلة من قبل إيطاليا أصبحت وجودها بحكم المنتهي كدولة، وأصبحت علاقتها مع إيطاليا، وسائر الدول الأوربية في نزاع، وتوتر لذا عمدت إيطاليا إلى إصدار قانون الضمانات لترتيب علاقتها بالكرسي البابوي، لكن الأمر لم يفلح، واستمر الجفاء بينها لغاية عقد معاهدات لاتران عام 1929 التي اعترفت بموجبها إيطاليا بالشخصية القانونية الدولية للكرسي البابوي ، ودخلت معه في علاقات تمثيل دبلوماسي، ولكن هل يكفي اعتراف إيطاليا بالفاتيكان؛ لإضفاء عليها الصفة القانونية كدولة قائمة بأركانها، وعناصرها حيث إنها تفتقد إلى كثير من المقومات القانونية للدولة منها:
  • لا يوجد في الفاتيكان شعب وحدته العائلة.
  • جنسية السكان هي جنسية وظيفية وإضافية، فهي تعبر عن الرابطة السياسية، فقط ما بين الفرد والفاتيكان.
    فاكتساب الجنسية الفاتيكانية يتحقق بمجرد توافر شروط معينة، ويتم فقدها بمجرد انعدام مثل هذه الشروط، ومن ثم يبقى محتفظًا بجنسيته الأصلية. -تمارس السلطة الروحية بدلًا عن السلطة السياسية فيها، حيث لاتقف عند حدود مدينة الفاتيكان، وإنما تمتد إلى الأفراد الذين يدينون بالمذهب الكاثوليكي في أية دولة كانت.
  • لا توجد فيها مرافق إدارية تقوم بتسييرها، وإنما تقوم بهذه المهمة إيطاليا بدلًا عنها.
  • لا تختص بالنظر في الجرائم التي ترتكب في حاضرة الفاتيكان، وإنما تتولى ذلك الحكومة الإيطالية، بِنَاءً على طلب من الفاتيكان.
  • وفقاً لما تقدم نجد أن الفاتيكان، وسلطة البابا لا يدخل حكمهما ضمن مقومات الدولة، والمنظمة الدولية كشخصين من أشخاص القانون الدولي العام.
    حيث اختلف فقهاء القانون على إضفاء الشخصية القانونية للفاتيكان، وذهب الأغلبية على اعتبار اتفاقية لاتران 1929 أنها لا تريد جعل الفاتيكان دولة، وإنما قصد منها فقط تمكين البابا من مباشرة سلطته الدينية كرئيس للكنيسة الكاثوليكية بعيداً عن أي مؤثرات خارجية، ومن ناحية أخرى يمكن القول إن الباب يتمتع بشخصية دولة متميزة مصدرها ماله من سيادة روحية على العالم المسيحي الكاثوليكي. وخلاصة القول إن الفاتيكان أضحى واقعاً باعتباره كشخص من أشخاص القانون الدولي، ولكن ليس ضمن منظور القواعد القانونية الدولية لأشخاص القانون الدولي العام، ولكن أخذت حكماً واقعياً باعتبارها شخصاً قانونياً ذو طبيعة خاصة ، فالفاتيكان شخص من أشخاص القانون الدولي العام، وليست دولة.
    وقد وجدت بتنازل إيطاليا عن بعض مساحتها، ومبانيها إلى هيئة دينية، وهي الكنيسة الكاثوليكية، وقد اعترف لها بالشخصية الدولية.
    وشخصية البابا الدولية هي شخصية قانونية من نوع خاص، الهدف منها توفير مجال مادي مستقل للبابا يمارس من خلاله سيادته الروحية على العالم المسيحي الكاثوليكي مع عدم جواز اشتراك الفاتيكان في المؤتمرات الدولية، أو مؤتمرات الأمم المتحدة التي تناقش فيها المصالح الدنيوية التي تخرج عن النطاق الذي يباشر فيه شخصيته الدولية. المصادر:

  • د. عصام العطية، القانون الدولي العام.
  • د. جواد أحمد مختار، أشخاص القانون الدولي العام غير الدول.
  • د. أحمد سرحال: قانون العلاقات الدولية.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى