مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢١٣) .. هداية القرآن بين الإنعام والإضعاف

جواهر التدبر (٢١٣)

هداية القرآن بين الإنعام والإضعاف

 

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

 

– إنعام الهداية:
من أعظم نعم الله على عباده أنه أوضح لهم طريق الهداية بكتاب عربي مبين، ويسره للقراءة والفهم والادكار والتطبيق، بل وتعهد لعباده بأن يمنحهم هدايته جاعلاً هذا الأمر حقا عليه، كما في قوله تعالى: {إن علينا للهدى}، ولنتأمل قليلا عبارة (علينا) لنفهم المقصود هنا، ثم تعهد بأن يريهم طريقه المستقيم، فقال تعالى: {هذا صراط عليّ مستقيم}، أي أتعهد بأن أجعله مستقيما في منظومة المعتقدات والأقوال والأخلاق والأفعال التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، وكما قال التابعي مجاهد: “الحق يرجع إلى الله، وعليه طريقه لا يعرج على شيء”. وفي ذات السياق قال تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} أي على الله استقامة الطريق؛ ذلك أن منهج الإسلام يتسم بأنه: فطري، وسطي، عقلي، متوازن.
وفي ذات الوقت فقد منح الله عباده الحرية لكي يسيروا في الطريق الذي أقامه لهم أو ينحرفوا إلى السبل التي تتفرع منه، ليستحقوا الثواب بجدارة أو يحل بهم العقاب بسبب ما اختارته عقولهم وما سلكته أقدامهم وما كسبته أيديهم!
وكما قال صلى الله عليه وسلم:” كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى”!

– إضعاف هداية القرآن:
جاء القرآن الكريم كتاب هداية عامة للناس، وفي داخله كتاب هداية خاصة للمؤمنين كما في قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة: ]. ويمتلك القرآن الكريم قوة ذاتية هائلة تكمن في مصدره الرباني وإحكامه من قبل من يعلم من خلق، غير أن هناك عددا من العوامل التي تعمل عملها في إضعاف هذه الهداية، وأهمها:
– ضعف تدبر القرآن الكريم بسبب الناس طاقتهم على التلاوة والحفظ والاستذكار.
– تكلف بعض المفسرين في تفسير بعض الآيات، ذلك التكلف الذي يجانب قواعد التفسير وضوابط الفهم المعروفة عند أئمة العلم، مما يدقعه بعيدا عن جادة الهداية، مثل الذين يبالغون في التعمق فيأتون بتفسير باطني لا يلتزم بمقاصد القرآن، ولا بقواعد اللغة العربية، ولا بأصول الفهم المتفق عليها.
– اختلاف المفسرين بصورة تصل إلى حد التناقض في كثير من الأحيان وكثرة الأقوال في الآية الواحدة، مما يوقع القراء في حيرة ويزهدهم بالتدبر وقراءة كتب التفسير، مع أن القرآن ميسر للذكر والفهم، ما أعمل القراء مدارك عقولهم واستثمروا طاقة التدبر والادكار، ولا يمكن لاختلاف الأفهام أن يصل إلى حد التناقض والتضاد، إلا إذا ابتعد المفسرون عن جادة الصواب ونسوا أن المقصد الأساسي لتفسير الآيات هو تحقيق الهداية المنشودة.
– الاهتمام بالمباني القرآنية أكثر من المعاني، حيث اهتم كثير من علماء الدراسات القرآنية بعلوم الوسائل المتصلة بالقرآن أكثر من الاهتمام بالغاية من تنزل القرآن وهي الهداية، ومن خلال عنايتي بهذا الموضوع خلال أكثر من عقدين من الزمن اتضح لي أن الكتب المؤلفة في خدمة المبنى القرآني أضعاف الكتب التي انغمست في إبراز معاني القرآن واستنباط هداياته!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى