كتب وبحوث

جذور المؤامرة الماسونيَّة للتوطئة لدولة الدجَّال 3 من 7

جذور المؤامرة الماسونيَّة للتوطئة لدولة الدجَّال 3 من 7

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

الثَّورة الفرنسيَّة وتنفيذ مخطَّط أولياء الشَّيطان

بدأ الإعداد لإشعال الثَّورة الفرنسيَّة منذ اجتماع روتشيلد الأوَّل بالمرابين الـ 12 في فرانكفورت عام 1773م، وكُلّف أعضاء جمعيَّة المتنوّرين بإثارة حالة من التَّمرُّد والسَّخط بين الفرنسيين، مع نشْر الإلحاد والطَّعن في رجال الدّين واتّهامهم بالفساد المالي، واستغلال الآلة الإعلاميَّة في بثّ المشاعر السَّلبيَّة تجاه طبقة الحُكَّام من خلال إبراز حياة الرَّفاهية والرَّغد الَّتي كان يحيونها على حساب البسطاء. عهد أعضاء جمعيَّة المتنوّرين في ألمانيا إلى أعضاء المحافل الماسونيَّة حديثة التَّأسيس في فرنسا بإعداد الشَّارع الفرنسي للانفجار، بالتَّعاون مع الأمير الفرنسي لويس فيليب الثاني، دوق أورليان، الَّذي كان عضوًا في نادي اليعاقبة، أو نادي أصدقاء الدُّستور، وكان يؤمن بمبادئ الماسونيَّة، الدَّاعية إلى الإخاء والمساواة وفصْل الدّين عن الدَّولة والملكيَّة المحدودة. يتطرَّق غاي كار إلى تأسيس المحفل النُّوراني، المكوَّن من 13 عضوًا من الحاخامات والمرابين اليهود، وقد اشتُقَّ اسم المحفل من اسم إبليس باللاتينيَّة، وهو لوسيفر، أي حامل النُّور. أمَّا عن سبب اختيار العدد 13 لأعضاء المحفل، فهو ليتَّفق مع عدد أسباط بني إسرائيل مع سبط يهود الخزر، وكذلك مع عدد الحواريين مع يسوع النَّاصري. وتجدر الإشارة إلى أنَّ المحفل النُّوراني كان وراء تأسيس النَّظريَّة الشُّيوعيَّة، الَّتي أراد فرضها نظامًا اجتماعيًّا وسياسيًّا للعالم لإخضاعه لسُلطان كنيس الشَّيطان، وفي ذلك يقول غاي كار “القانون النُّوراني يفسّر لنا السَّبب في أنَّ الشُّيوعيين في أيّ بلد لا يدينون بالولاء الحقيقي لأمَّتهم، بل إلى السُّلطة الشُّيوعيَّة العليا الَّتي توجّه الحركة الشُّيوعيَّة” (ص106).

وكانت النَّوادي، مثل نادي اليعاقبة، من أهمّ المحافل الَّتي استغلَّها المتنوّرون وأعوانهم في استقطاب العناصر الفعَّالة الَّتي تخدم مصالحهم، باستغلال مختلف المغريات، والتَّهديد بالفضائح، وقد نجح المتنوّرون في استقطاب الكاتب والسّياسي والثَّوري الفرنسي أونوريه جابرييل ريكويتي، المعروف بالكونت دي ميرابو، واستغلال ضائقته الماليَّة في جعله طوع بنانهم في تفجير الثَّورة، خاصَّة مع ما كان يتملَّكه من شعور بالحقد الشَّديد على طبقة النُّبلاء. ونتيجة لتواصُل دوق أورليان ودي ميرابو بآدم وايسهاوبت مباشرةً في ألمانيا، أُخضعت الطُّقوس الماسونيَّة الفرنسيَّة إلى تعديلات بعد إدخال طقوس جديدة، حتَّى تجاوَز عدد المحافل الفرنسيَّة التَّابعة لمحفل الشَّرق الأعظم النُّوراني ألفي محفل، ينتمي إليها أكثر من 100 ألف عضو. واصل الكونت دي ميرابو توريط صديقه دوق أورليان في الرَّذيلة، وفي الاستدانة، لتتضاعف ديونه؛ وحينها لم يجد دي ميرابو مفرًّا من الُّلجوء إلى التَّهريب والأنشطة التُّجاريَّة المحرَّمة، ووصل الأمر إلى رهْن قصره الملكي للدَّائنين من المرابين اليهود، وقد صار ذلك القصر مقرَّ اجتماع أعضاء المحافل الماسونيَّة أثناء تخطيطهم لنشْر الفساد وتقويض النّظام الاجتماعي القائم. وكانت الحكومة الفرنسيَّة على علم بما يدور في قصر دوق أورليان، ابن عمّ الملك الفرنسي، لكنَّها لم تتَّخذ الخطوات اللازمة لتدارُك الأمر قبل تفجُّر الأزمة.

استغلَّ عملاء المتنوّرين العاملون في الحقل الإعلامي حالة التَّرف الَّتي عاشها نبلاء فرنسا، وعلى رأسهم الملكة ماري أنطوانيت، في إثارة الغضب الشَّعبي تجاه الطَّبقة العليا في البلاد، وقد كان لتعاوُن دوق أورليان مع المتنوّرين وأعوانهم من الماسون دوره في تضييق الخناق على الملك لويس السَّادس عشر، الَّذي صوَّت دوق أورليان لصالح إعدامه بعد اشتعال الثَّورة، بعد أن وُعد بأن يُنصَّب ملكًا دستوريًا، ليصبح هو المسؤول الظَّاهر أمام العامَّة عن الأمر، فيما بقي المتآمرون الفعليون في الظَّلام. وبرغم تفاني دوق أورليان في خدمة المتنوّرين، فقد وُظّفت الآلة الإعلاميَّة الماسونيَّة هذه المرَّة لنشْر فضائحه، حتَّى اقتيد إلى المقصلة ليُعدم، ضمن قائمة طويلة من النُّبلاء ورجال الدّين. ظهر أعضاء نادي اليعاقبة على حقيقتهم بما ارتكبوه من أعمال عُنف وفظائع، لدرجة أنَّ تلك الفترة عُرفت في تاريخ فرنسا، وهي الفترة ما بين يونيو 1793 ونهاية يوليو 1794م، باسم “عهد الإرهاب”؛ نظرًا لتنفيذ حُكم الإعدام جماعيًّا على مئات الأفراد يوميًّا. وبعد انتهاء تلك الفترة العصيبة والتَّخلُّص من كافَّة الشَّخصيَّات الَّتي كان من شأنها عرقلة تنفيذ مخطَّطات المتنوّرين، بدأ تنفيذ مرحلة جديدة من المخطَّط الخبيث، وهي إخضاع الاقتصاد الفرنسي لسُلطان المرابين اليهود، مع “تأمين الاتّصال بصورة خاصَّة بين المهيمنين على بنك إنجلترا والمهيمنين على كلّ من بنك فرنسا وبنك هولندا وبنوك ألمانيا”، وكانت تلك مهمَّة ناثان ماير روتشيلد، ابن الـ 26 من العُمر حينها (ص125).

مرحلة جديدة في أوروبا مع بداية القرن التَّاسع عشر

يوضح وليام غاي كار أنَّ أباطرة المال، من أعضاء الحكومة العالميَّة الخفيَّة، استعانوا بالقائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت في إعادة تأسيس نظام الحُكم في بعض البلدان الأوروبيَّة، وقد نجح في تعيين إخوته ملوكًا على نابولي وهولندا ووستفاليا، وهي مملكة جرمانيَّة وقتها، بينما احتفظ هو بعرش فرنسا، وتمَّ ذلك بدعم من ناثان روتشيلد. اختار أباطرة المال سويسرا لتكون ملجأً لأموالهم؛ فحيَّدوها عن الحروب والنّزاعات السّياسيَّة، وبدأت مرحلة جديدة في التّجارة غير المشروعة لهؤلاء، بأن اتَّجهوا إلى “تجارة الحروب الَّتي تعود عليهم بالأرباح في كلّ الأحوال ودون أن يهمَّهم في شيء مَن الَّذي يحارب ومَن خسر الحرب ومَن ربحها” (ص126). استثمر المرابون اليهود في المعدَّات العسكريَّة، على تنوُّعها، ومن أسلحة وذخيرة وسفن وصناعات معدنيَّة وكيماويَّة، وغيرها. وكان بونابرت يتعامل مع داعميه بالمال من اليهود بحذر، شكًّا منه في طبيعة نواياهم، كما يخبر غاي كار، إلى أن حدث شرخ كبير في علاقة الإمبراطور الفرنسي بهؤلاء، ليتقرَّر التَّخلُّص منه، وأُجبر على التَّنحي عن الحُكم عام 1815م، بعد سلسلة من الهزائم العسكريَّة.

سيطرة اليهود على أمريكا منذ نشأتها

بتتبُّع بداية التَّغلغل اليهودي في المستعمرات البريطانيَّة في العالم الجديد، أي أمريكا، يتبيَّن أنَّ المرابين اليهود وجَّهوا اهتمامهم إلى الولايات حديثة النَّشأة حينها منذ أن كانت لم تزل 13 مستعمرة تخضع للتَّاج البريطاني. يعتقد وليام غاي كار أنَّ البداية الفعليَّة لتواصُل المرابين اليهود مع رجالات المستعمرات البريطانيَّة في أمريكا كانت عند تواصلهم مع السّياسي والمفكّر بنجامين فرانكلين (Benjamin Franklin)، حينما وفَد إلى إنجلترا مندوبًا عن تلك المستعمرات. يشير غاي كار إلى تقرير أعدَّه روبرت أوين، رئيس لجنة البنوك والنَّقد في الكونغرس الأمريكي، تضمَّنته وثيقة مجلس الشُّيوخ الأمريكي رقم 23، إلى أنَّ المرابين اليهود طلبوا من فرانكلين استصدار قانون يمنع المستعمرات الأمريكيَّة، التَّابعة لبريطانيا حتَّى حينه، من إصدار علمتها النَّقديَّة كي تظلَّ مرتبطة ببنك إنجلترا. وكما يوضح التَّقرير، صدر القانون الَّذي أراده المرابون اليهود، وانقلبت الأحوال الاقتصاديَّة في المستعمرات الأمريكيَّة بذلك من حالة الرَّخاء والازدهار إلى حالة من التَّأزُّم. وبرغم أنَّ أعضاء جمعيَّة المتنوّرين كانوا وراء ما حلَّ بالاقتصاد الأمريكي، فقد استُغلَّ الأمر في تفجير حالة من الاستياء الشَّعبي ضدَّ التَّبعية لإنجلترا؛ ومن ثمَّ اشتعلت الثَّورة الأمريكيَّة، ونشبت صراعات عنيفة حتَّى إصدار بيان استقلال الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة عن إنجلترا في 4 يوليو 1776م. موَّل عائلة روتشيلد الصّراع الأمريكي ضدَّ الوجود الإنجليزي في أمريكا على مدار 7 سنوات، بل واستقدمت مقاتلين محترفين من ألمانيا، حتَّى استسلم الجيش الإنجليزي، وعُقدت معاهدة باريس، وأوفد بنجامين فرانكلين حينها ليكون المفاوض الأمريكي الأساسي، ليُعترف باستقلال الولايات المتَّحدة في سبتمبر من عام 1783م.

يسلّط وليام غاي كار الضَّوء بعد ذلك على حدث مفصلي في تاريخ أمريكا، وهو اندلاع الحرب الأهليَّة الأمريكيَّة (1861-1866م)، بتدبير من السّياسي البريطاني اليهودي البارز بنجامين دزرائيلي (Benjamin Disraeli) الَّذي تولَّى رئاسة وزراء بريطانيا مرَّتين، وكان من أشدّ المشجّعين للنَّشاط الاستعماري البريطاني في العالم الإسلامي. أراد دزرائيلي من وراء إشعال الحرب الأهليَّة الأمريكيَّة تقسيم أمريكا بين الفرعين الإنجليزي والفرنسي لعائلة روتشيلد، واستغلَّ المرابون اليهود الأمر في بيع الأسلحة وتقديم القروض الَّتي تحتاج إليها الدُّول المتحاربة في تمويل معاركها، ثمَّ يُثقل كاهلها بما استدانته من أموال؛ وهكذا يُجبر المرابون الدُّول على الخضوع لإمرة اليهود وتنفيذ مخطَّطاتهم. أُغري نابليون الثَّالث، إمبراطور فرنسا حينها، بغزو المكسيك، ووُعد ببسط سيادته على الولايات الأمريكيَّة الجنوبيَّة المتاخمة للمكسيك، فيما تطلَّعت إنجلترا حينها إلى إعادة احتلال الولايات الشَّماليَّة، وكذلك إحباط مخطَّط الرَّئيس الأمريكي أبراهام لينكولن لتحرير العبيد في أمريكا، الأمر الَّذي كان يهدّد مساعي اليهود لاسترقاق كافَّة شعوب الأرض، توهُّمًا منهم بأنَّهم سادة البشر ومتميّزون عن الجميع بسلالة الأنبياء. واجه مخطّط دزرائيلي والمرابين اليهود تهديدًا من قيصر روسيا، الَّذي حذَّر حكومتي إنجلترا وفرنسا من الهجوم على أمريكا، معتبرًا أيَّ هجوم بمثابة هجوم على أراضيه، في الوقت الَّذي حشد فيه الرَّئيس لينكولن قوَّاته للتَّصدي للمرابين اليهود بعد انتباهه لمخطَّطاتهم ومؤامراتهم لإحداث أزمات اقتصاديَّة.

لم ييأس المرابون من محاولة الإطاحة بلينكولن وإحباط مساعيه الإصلاحيَّة؛ فبعد أن استغلَّ الرَّئيس الأمريكي مادَّة في الدُّستور تخوّل الكونغرس بحقّ استصدار العملة في إصدار 450 مليون دولار غطاؤها القرض الوطني، شنَّ المرابون حملة قاسية لمنع تسديد فوائد القرض الوطني، لتهبط قيمة الدُّولار إلى ثلث قيمته. حينها، اشترى الخبثاء جميع الأوراق الماليَّة الَّتي أصدرها لينكولن بثلث القيمة، ثمَّ اشتروا بها سندات حكوميَّة بالقيمة الكاملة للدُّولار؛ فنجحوا بذلك في سحْق العملة الجديدة، وفي جني أرباح طائلة من خلال شراء سندات حكوميَّة بالقيمة الكاملة لعملة اشتروها بثلث قيمتها. يشير غاي كار إلى بعض مراسلات أفراد عائلة روتشيلد والمصرفيين الأمريكيين، يعد فيها الطَّرف الثَّاني بأنَّ البنوك، لا الحكومة، تستأثر بحقّ “إنقاص أو زيادة العملة المتداولة كما تشاء”، وكذلك بحقّ “إعطاء القروض أو سحبها كما تراه”؛ ويُستنتج من ذلك أنَّ البنوك أصبحت المهيمن الأساسي على الاقتصاد الأمريكي (ص144). لم يجد الرَّئيس لينكولن بديلًا عن مخاطبة الشَّعب الأمريكي ومواجهته بالحقيقة؛ فألقى خطابًا أدان فيه ممارسات المرابين اليهود، وأشار إلى أنَّ الرَّشوة كان لها دورها في إضعاف الاقتصاد الوطني. وما كان من اليهود إلَّا أنَّ عمدوا إلى تصفية لينكولن جسديًّا أثناء حضوره عرضًا مسرحيًّا ليلة 14 أبريل 1865م، وعلى يد أحدهم.

بوفاة أبراهام لينكولن، أزيحت من أمام المرابين اليهود عقبة كبيرة آرقتهم في مساعيهم للسَّيطرة على الاقتصاد الأمريكي بالكامل، لكنَّ عقبة أخرى بقيت، وهي أنَّ النّظام النَّقدي لأمريكا كان يقوم على الفضَّة، وليس على الذَّهب، كما كان الحال في النّظام الأوروبي. كانت أمريكا تمتلك مقادير كبيرة من الفضَّة، ومقادير أقل من الذَّهب، وكان وضع إنجلترا العكس من ذلك. بتدبير من المرابين اليهود، وبفعل الرّشوة الماليَّة، أصدر الكونغرس الأمريكي قانون إصلاح العملة المعدنيَّة، بهدف سحْب العملات الفضيَّة والأوراق الماليَّة المغطاة بها من السُّوق بحيث لا يبقى سوى العملات الذَّهبيَّة. أحدث ذلك أزمة اقتصاديَّة طاحنة في أمريكا بعد أن أصبحت الأوراق الماليَّة الَّتي تصدرها البنوك والمغطاة بالعملات الذَّهبيَّة وحدها ذات القيمة؛ والمفارقة الَّتي يثير غاي كار أنَّ الشَّعب الأمريكي صُوّر له أنَّ الحكومة هي المسؤولة عن الأزمة، بينما بقي المرابون اليهود في الظَّلام. ومن بداية القرن العشرين، أصبح المرابون المسيطر الأساسي على الاقتصاد الأمريكي، الَّذي احتكرته مؤسَّساتهم الماليَّة الموالية لعائلة روتشيلد والدَّاعمة لمصالحها، وكان من بين تلك المؤسَّسات مؤسَّستا مورغان ودريكسيل، اللتان دخلتا في اتّحاد ماليّ أسفر عن تحكُّم اليهود حتَّى في اختيار الرَّئيس الأمريكي.

يلقي وليام غاي كار الضَّوء على تفاصيل إصدار ما يُعرف بقانون الاحتياطي المالي الأمريكي لعام 1913م، الَّذي وُضع في أعقاب اجتماع لأباطرة المال والصّناعة، قبيل اندلاع الحرب العالميَّة الأولى. يسمح ذلك القانون، في ظاهره، للحكومة الفيدراليَّة بالإشراف على أموال الاحتياطي المالي الأمريكي، بينما في حقيقته هو يستهدف إحكام سيطرة أباطرة المال على الاقتصاد الأمريكي وسحْق الشَّركات الوطنيَّة. ما يعكس مدى انتفاع أباطرة المال من وراء شنّ الحرب العالميَّة الأولى أنَّ سندات بقيمة 134 مليون دولار، وُزّعت على 12 بنكًا، عام 1914م، عام إصدار قانون الاحتياطي المالي الأمريكي وعام اندلاع الحرب العالميَّة الأولى، وصلت أرباحها عام 1939م، عام اندلاع الحرب العالميَّة الثَّانية، إلى ما يزيد عن 23 مليار دولار. كان الاحتياطي المالي الأمريكي عام 1940م يبلغ 5 ملايين دولار، ومن الملفت أنَّه تضاعَف إلى 45 مليار دولار عام 1946م، أي بعد انتهاء الحرب بعام واحد. ويعلّق غاي كار على الانخداع بقانون الاحتياطي المالي بقوله إنَّ الشَّعب الأمريكي اعتقد أنَّ ذلك القانون يحمي مصالحه ويحمي البنوك من الإفلاس، جهلًا منه بأنَّ أرباح الاحتياطي النَّقدي تُصبُّ في جيوب أباطرة المال، وبأنَّ ذلك القانون تسبَّب في إفلاس 14 ألف مصرف، ونهْب ملايين الدُّولارات الَّتي تعود لصغار المدَّخرين.

كيف ترتبط نشأة الصُّهيونيَّة بمولد الشُّيوعيَّة؟

تصدَّعت الإمبراطوريَّة الرُّوسيَّة بعد حملة نابليون بونابرت لعام 1812م، فعمل القيصر ألكسندر الأوَّل، الَّذي حَكم بين عاميّ 1801 و1825م، على إصلاح الأمور، بادئًا بتوحيد صفوف الشَّعب الرُّوسي، وملغيًا في سبيل ذلك الأحكام الزَّجريَّة الَّتي طُبّقت عليهم عام 1772م. حرص القيصر نيقولا الأوَّل، خليفة ألكسندر الأوَّل، على إدماج اليهود الرُّوس، المنحدرين من يهود الخزر كما سبقت الإشارة، في الحياة العامَّة، خاصَّة بعد أن أثارت حفيظته احتكار اليهود المتزايد للاقتصاد الرُّوسي. واصل القيصر ألكسندر الثَّاني، الَّذي تولَّى الحُكم عام 1855م، جهود سلفيه من أجل إنهاء عُزلة اليهود في أحيائهم الخاصَّة وإشراكهم في الحياة المهنيَّة، لكنَّ تلك الجهود الإيجابيَّة لاقت امتعاضًا من جانب زعماء الجالية اليهوديَّة في روسيا، الَّتي اعتقدت أنَّ في ذلك ما قد يؤدّي إلى ذوبان اليهود في المجتمع الرُّوسي، ممَّا يُفقد هؤلاء الزُّعماء السَّيطرة على شباب اليهود؛ وكان في ذلك ما يستدعي محاولة التَّخلُّص من ألكسندر الثَّاني. وبعد أكثر من محاولة اغتيال فاشلة، نجح اليهود في تصفية القيصر المصلح عام 1881م، وحينما أصبح المناخ مناسبًا لجرّ الإمبراطوريَّة الرُّوسيَّة إلى حرب مع نظيرتها البريطانيَّة، ليس فقط من أجل إنهاك الدَّولتين العظميين، إنَّما كذلك من أجل تحقيق الرّبح المالي الهائل من خلال بيع الأسلحة وتقديم القروض الرّبويَّة. غير أنَّ حملة الكراهية الَّتي شُنَّت تجاه اليهود في روسيا بعد اغتيال ألكسندر الثَّاني حالت دون اندلاع الحرب، حتَّى أنَّ قوانين أُصدرت لفرْض أحكام قاسية على اليهود.

دفَع بسطاء اليهود ذمن جرائم زعمائهم، وبخاصَّة المتعلّقة بالممارسات الاحتكاريَّة، الأمر الَّذي أثار حفيظة السُّلطة الحاكمة في روسيا، الَّتي اعتبرت أنَّ في ذلك ما يهدّد مصالح أفراد الشَّعب من المسيحيين. وكان ردَّة فعْل اليهود الرُّوس تجاه القوانين الرَّادعة والتَّضييق في الاستثمار والتّجارة أن سلَّطوا سهامهم على الاقتصاد الرُّوسي، عازمين على تقويضه من خلال محاربة التّجارة الرَّوسيَّة، لدرجة فرْض حظْر على المنتجات الرُّوسيَّة؛ فأصيبت روسيا بضائقة اقتصاديَّة بلغت ذروتها عام 1905م. تزامَن ذلك مع إطلاق خلايا إرهابيَّة وفوضويَّة تنشر الأحقاد، وتبثُّ الفرقة بين أفراد الشَّعب، وتثيرهم تجاه النّظام الحاكم، بل وتزرع الشّقاق بين روسيا واليابان لجرّهما إلى الحرب. وفي تلك الفترة، تعاظَم نشاط حزب العمل الاشتراكي الدّيموقراطي الرُّوسي، الَّذي انبثق عنه جماعة البلاشفة، أو الأكثريَّة، لتدعو، بزعامة اليهودي فلاديمير لينين، إلى العمل الثَّوري لإسقاط الحُكم القيصري. اشتركت الخلايا الفوضويَّة مع الحركات الثَّوريَّة في تنفيذ مجموعة من الاغتيالات السّياسيَّة، وكان رئيس الوزراء الرُّوسي وعمّ القيصر ألكسندر الثَّالث هو الآخر من بين المستهدفين، ممَّا أغرى القيصر بإدانة المرابين اليهود وعملائهم صراحةً بإشاعة الفوضى وتقويض الاقتصاد. وفي خضمّ تلك الأزمات، نجح الفوضويون والشُّيوعيون في إشعال الحرب بين روسيا واليابان، وافتعلوا عدَّة أزمات أفضت إلى هزيمة روسيا القيصريَّة، ابتداءً بسحْب مؤسَّسة روتشيلد دعمها المالي لروسيا، وانتهاءً بتدمير الخطّ الحديدي الَّذي ينقل الإمدادات العسكريَّة إلى الجيش الرُّوسي، ممَّا أفضى إلى هزيمة محقَّقة للإمبراطوريَّة الرُّوسيَّة العريقة أمام إمبراطوريَّة اليابان النَّاشئة.

مع تنامي مشاعر البغض في روسيا تجاه اليهود، ومع رغبة ألكسندر الثَّالث في التَّخلُّص منهم، ومع تزايُد التَّأثُّر بنظريَّة المفكّر الألماني كارل ريتر عن تفوُّق العرق الآري والانحدار العرقي اليهودي، بدأ اليهود في تنظيم جهودهم في سبيل تأسيس وطنهم القومي في الأرض المقدَّسة، استعدادًا لمجيء المخلّص وتأسيس دولة إسرائيل الكبرى، لتنشأ بذلك الحركة الصُّهيونيَّة، بزعامة الألماني تيودور هرتزل أواخر القرن التَّاسع عشر. وتزامنًا مع ذلك، ساند المرابون اليهود من أتباع جمعيَّة المتنوّرين جهود الحركة الشُّيوعيَّة، واختاروا اليهودي يوليوس مارتوف زعيمًا للحركة. انضمَّ مارتوف إلى هيئة تحرير صحيفة ايسكرا، أو الشَّرارة، وكانت البوق الإعلامي للحركة الشُّيوعيَّة العالميَّة، وكانت هيئة تحريرها تضمُّ ليون تروتسكي وفلاديمير لينين وزوجته. لم تدَّخر تلك الصَّحفية الثَّوريَّة جهدًا في إثارة المشاعر السَّلبيَّة تجاه النّظام الحاكم، مستغلَّة تردّي الأوضاع الاقتصاديَّة وهزيمة روسيا في حربها مع اليابان، وكلا الأزمتين من افتعال اليهود من داعمي الحركة الشُّيوعيَّة الَّتي تعبّر الصَّحيفة عن فِكرها.

واشتعلت شرارة الثَّورة الرُّوسيَّة مع إقدام جماعة من المتظاهرين السّلميين، بقيادة الرَّاهب الأرثوذكسي جورجي أبولونوفيتش جابون، على تنظيم مظاهرة سلميَّة إلى قصر الإمبراطور في 22 يناير من عام 1905م، لتقديم طلب لتأسيس منظَّمات عمَّاليَّة، ليُقابَل المتظاهرون بوابل من الرَّصاص أودى بحياة أكثر من 4 آلاف شخص، فيما عُرف بأحداث يوم الأحد الدَّامي. ينفي غاي كار عن القيصر نيقولا الثَّاني إصداره أمر إطلاق النَّار على المتظاهرين السّلميين، مبرهنًا على ذلك بعدم وجوده في القصر الحاكم حينها، ومشيرًا إلى ضلوع أحد ضبَّاط الحرس، كان من الخلايا المتآمرة، بالأمر. غير أنَّ الثَّورة لم تشتعل في تلك الآونة، برغم تهيُّؤ كافَّة الظُّروف لذلك؛ والسَّبب هو رغبة مدبّري المؤامرة في الإبقاء على النّظام الحاكم حتَّى اندلاع الحرب العالميَّة الأولى بعد عقد كامل. أقدم القيصر على إجراء مجموعة من الإصلاحات، كان على رأسها التَّخلي عن السُّلطة المطلقة وتأسيس نظام يشابه نظام الملكيَّة الدُّستوريَّة في إنجلترا، وبدأ بيوتر ستوليبين، رئيس الوزراء وقائد الدُّوما-مجلس النُّوَّاب-الثَّالث، حملة إصلاحيَّة واسعة النّطاق، ما أثار حفيظة الخلايا الفوضويَّة والثَّوريين الشُّيوعيين؛ ومن ثمَّ دُبّر حادث لاغتيال ستوليبين عام 1911م. لم تهدأ الخلايا التَّخريبيَّة العاملة في الظَّلام، ولم تُرد عودة الاستقرار إلى البلاد بعد اغتيال ستوليبين؛ فعمدت إلى نشْر الفاحشة، وتدمير القيم الدّينيَّة والاجتماعيَّة، ولمع في تلك الفترة نجم المعالج الرَّوحي غريغوري راسبوتين. استطاع الرَّاهب الزَّائف، راسبوتين، التَّغلغل في نسيج الطَّبقة المخمليَّة والسَّيطرة على كبار الشَّخصيَّات العامَّة من خلال التَّهديد بالفضائح أو الاحتيال بادّعاء تقديم العلاج الرَّوحي. اتَّبع راسبوتين مذهبًا شيطانيًّا يقوم على الانغماس في الشَّهوانيَّة، مدّعيًا أنَّ في ذلك تطهيرًا للذَّات، وقد نجح راسبوتين في نقْل أفكاره إلى الطَّبقة الحاكمة، ليجعل من قصورها أوكارًا للملذَّات.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى