كتابات مختارة

الرؤية الصالحة

بقلم د. فتحي أبو الورد

أستبشر خيرا كلما رأيت رؤيا ، أو سمعت ممن رأى رؤيا ، أو ممن يروى عنه أنه رأى رؤيا ، تبشر بنهاية ظالم ، أو مصرع مستبد ، أو هلاك طاغية ، يستريح الناس من شره وأذاه ، ويتنفس الناس الصعداء بعد طول حبس الأنفاس ، وتكميم الأفواه ، وأقول : لعله خير ، لأن :”الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة” .كما ورد في حديث النبى صلى الله عليه وسلم عند البخاري . ولأنه : “لم يبق من النبوة إلا المبشرات” قالوا: وما المبشرات يار سول الله؟ قال: “الرؤيا الصالحة”. كما جاء عند البخاري . ولأن الرؤيا الصالحة من البشرى فى الدنيا ، كما سأل عبادة بن الصامت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن قول الله سبحانه: “لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة” يونس: 64، قال: “هي الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له” .

لكنى لاحظت تعلق الكثيرين من المهمومين وأصحاب الحاجات بالرؤى يرونها أو ترى لهم ؛ حيث ينتظر أحدهم رؤيا يراها فى المنام تبشره بتغيير واقعه، وانفراج همه ، وزوال غمه ، ثم هو يجلس منتظرا تحققها ، دون سعي أو وعي بسنن الله في كونه ، والجوعان يحلم بسوق العيش كما يقال ،وما علم أنها قد تتحقق وقد لا تتحقق .

فالذي يريد وظيفة ، يحدث نفسه غدا ستأتي أو بعد غد ، ليلا أو نهارا ، وكأنما كانت الرؤيا وحيا أوحي إليه به ، حتما سيتحقق حتى ولو أهمل الأخذ بالأسباب ، وطرق أبواب السعي ، وأن رؤياه ستقع وفق ما رأى ، أو أنها ستأتى كفلق الصبح.

وأخرى تنتظر عريسا ، وذاك حديث نفسها ليل نهار ، حتى إذا ما رأت رؤيا ، طرقت باب معبرى الرؤى ، حتى إذا ما فسرها لها أحد المفسرين ، بأن ابن الحلال أوشك أن يطرق الباب ، وأن طريق السعادة قد فتحت أبوابه ، فتراها تهيم فى عالم الخيال ، وتنتظر تحقيق رؤياها ، ويأخذها مخدر الرؤيا إلى العيش في الأوهام ، وتتوقف الحياة عند حدود الرؤيا ، وتقوم وتنام على ذلك ، أو لعلها ترى رؤيا أخرى ، ويقعدها هذا عن الاستفادة بعمرها ، وتطوير ذاتها ، وتوظيف قدراتها فى النافع المفيد ، حتى تتحقق رؤياها ، أو يكون لها ما قدره الله .

ولا حرج مطلقا في أن يتفائل المسلم بالخير ، ويستبشر بالفرج ، ويستقرب السعادة ، حينما يسمع الكلمة الطيبة ، فهذا مما كان يعجب النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو مما دعتنا السنة إلى تمثله في مثل قوله صلى الله عليه وسلم فى الصحيحين : ” لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل ” قالوا: وما الفأل ؟ قال: ” كلمة طيبة ” .

ولكن هذا التفاؤل لا ينبغى أن يقعد المسلم عن الأخذ بالأسباب ، والسعي فى الأرض ، والأخذ بوسائل تحقيق الأهداف ، ثم بعد ذلك يكون ما قدره الله فى علمه ، وليس تحقق الرؤيا قدرا مقدورا ، أو حتما مقضيا .

ينتظر كثيرون هلاك ظالم ، أو موت جبار ، أو إزاحة ديكتاتور ، ثم تراهم ينامون مبكرا ريثما تتحقق لهم أمنيتهم ، ويتحقق حلمهم ، ويشاهدون نهايته في منامهم ، فإذا ما رأوا رؤياهم انتظروا تحققها ، حتى ولو مكثوا سنين عددا ، دون أن يخطوا خطوات نحو الأمام في ابتكار وسائل مقاومة المستبد ، وإزاحته من المشهد اتكالا على الرؤيا ، واستنادا إلى المنام الذى قضى بأن الظالم قد انقضى أمره ، وأن الجبار قد قصم ظهره ، ويبقى أن نعيش أبد الدهر على أمل تحقق الرؤيا ، حتى وإن كنا كسالى قعودا ، وكأن الرؤيا حجة شرعية يحتج بها البعض ، مثلما يحتج بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وغيرها.

فهناك من اعتمد على الرؤى في حياته كلها ، وكأنها وحى ، حتى إن مما يحكى أن بعض الحكام بعد أن قرر إجراء الانتخابات في بلده فى موعد معين ، عاد فألغاها نتيجة رؤيا رآها حذرته من عواقبها.

للأسف هناك من اتخذ من الرؤى والأحلام منهجا له فى حياته ، يحلم ولا يعمل ، ولا يريد أن ينتقل من الخيال إلى الواقع ، ولا يبغي أن ينطلق من الوهم إلى الحقيقة ، ولا يتحرك فيعمل ويأخذ بأسباب تحويل الغيب المنتظر إلى واقع ملموس ، مكتفيا بانتظار كلمة القدر الذي يقول للشيء ” كن ” فيكون .

إن الرؤى الصالحة – كما قال العلامة القرضاوى – مجرد مُبشِّرات أو منبهات، لتثبيت قلوب المؤمنين أو تقوية عزائمهم، وليست “مخدّرات” يتعاطاها بعض السلبيين من الناس، ليتخذوا منها تكأة للاتكالية الواهنة، وللهرب من الواقع، أو للقعود عن مجاهدة الفساد، ومواجهة الظلم والظلام .

المصدر: موقع الأمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى