الثورات العربية بين الإعلام والمجتمع الدولي

الثورات العربية بين الإعلام والمجتمع الدولي

بقلم هشام بوريشة

دعونا نتفق على أن الحرب حاليا لا تدار فقط من خلال الجنود على الأرض. بل إن مسرح الحرب قد يكون الإعلام وكذلك المحافل الدولية. وكل له دوره في قلب موازين القوى والتاثير على المعنويات. لكن المثير للدهشة والاستغراب هو أن الشعوب العربية الثائرة في وجه الظلم والديكتاتورية. عولت ولا زالت على الإعلام أو المحافل الدولية أن تنصفها. رغم علمها أن خصومها وإعداءها على السواء، قد استحكموا قبضتهم على هذين الحقلين.

الإعلام العالمي مستعمرة صهيونية بامتياز. والمحاولات الخجولة لقلب الطاولة أو التاثير في الرأي العالمي من خلال الإعلام، تبقى قليلة وتحارب من طرف العرب قبل العجم. نتذكر كيف حارب الإعلام الغربي الجزيرة التي تبنت وجهة نظر موضوعية لتصوير الواقع على الأرض إبان استعمار العراق. وكيف دافع الإعلام الغربي عن جورج بوش الابن ليبرر زلة لسانه التي تكن ما في قلبه حين سمى حربه “الحرب الصليبية”. بل والجميع يذكر كيف تناقلت القنوات الإعلامية ما حصل في الغوطة من هجمات كيماوية. وكيف صاحبها تربيت على الأكتاف ومساندة مزعومة للثوار. تبين فيما بعد أنها كانت لسحب البساط من تحت أقدام الثوار وزعزعة ثقة الناس في قدراتهم على رد العدوان. ولعبت المنابر الإعلامية الثورية دورا سلبيا ساهم في الهزيمة المعنوية للثوار. فبث مقاطع التهجير وصراخ الناس وشهداء الوطن، يدخل في إطار الفوضى الاعلامية التي تخدم العدو. ونعلم أنها تحصل بحسن نية، بغرض استدرار التعاطف. ولكنها كانت أخطاء أدت إلى الهزيمة المعنوية.

ولنبين فداحة هذه الأخطاء، نذكر بأن إسرائيل تتكتم دائما على ضحايا ضربات المقاومة. بل المقاومة الفلسطينية هي التي تنشر الأخبار عن هذه الأحداث. وفي سوريا، هل سمع أحد عن الضربات القوية التي سعقت الأسد وحلفائه على الأراضي السورية؟ هل شاهد أحد نعوش الآلاف من شبيحة الأسد وحلفائه؟ الأكيد لا. لأن هناك تكتم إعلامي على خسائره، حفاظا على الروح المعنوية ومنع انهيار الحاضنة الشعبية. ارسلت خمسين ألف صورة للمجتمع الدولي. ماذا كانت الحصيلة، جمعيات دولية “إنسانية” تستجدي المال للحفاظ على استمرارية مشاريعهم ومجتمع دولي يدر الرماد في العيون من خلال رسائل التهديد والوعيد. بل ويثبط من عزيمة الثوار من خلال الإشاعات والتفاهمات الوهمية. وحسب بعض المختصين فإن هذه الأخبار تفقد المقاومة ثلاث أرباع قوتها.

فالمقاومة الثورية السورية مثلا انهزمت معنويا حين صور الإعلام بأن المناطق الأخرى قد ابيدت عن بكرة أبيها. بل وأنها أحرقت بالكامل مما دفع المقاتلين بحلب مثلا إلى إلقاء السلاح والهرب. ولم يهربوا من قلة السلاح والعتاد. فاثناء قتالها دائما تكون أعينها على الاجتماعات المغلقة هنا وهناك. والتي غالبا ما تصدر عنها قرارات، تقبلها القيادة السياسية دون قيد أو شرط. وكيف لا وهي صادرة عن اللاعبين الدوليين. فهم لا يسكتون ولا يصمتون في الإعلام. ولكن في الواقع بعضهم متواطئ مع نظام بشار.

هذا عن سوريا، فماذا عن مصر، والسودان، والجزائر وليبيا؟ إن المتتبع لشؤون هذه الدول، يعلم أن اللاعبين الدوليين في كل هذه الدول، هم أنفسهم. لن نتحدث عمن أعلن العداء للشعوب من بني جلدتنا ونشك أنه من ملتنا. بل سنتحدث عن اللاعبين الدوليين. ونذكر فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية كمثال. فرنسا تساند حفتر قلبا وقالبا وجيشها حاضر في ليبيا. فرنسا دعمت السيسي وأعطته الغطاء الشرعي لانتهاكاته وجرائمه. فماذا عن الثورة السورية؟ فرنسا تساعد “قسد” المتواطئة مع نظام الأسد. وحكام الجزائر منذ الاستقلال المزعوم ما هم إلا أبناء فرنسا. أما الولايات المتحدة الأمريكية، فهي الراعي الرسمي لحفتر بليبيا والداعم الرسمي للسيسي. أما في سوريا فالولايات المتحدة الأمريكية سيطرت على آبار النفط بسوريا، بدعوى محاربة الإرهاب والذي للمصادفة لا يستوطن إلا هذه المناطق.

إن الأمم على مر العصور، لم تبني رفعتها وشانها معولة على من ينافسها ويتحدى إرادتها. بل ويحاربها أغلب الأحيان. لا تنتظروا أن يكونوا منصفين معكم، لأن منهم وسطاء مصلحة لا وسطاء عدالة. وبالتالي فليس لكم إلا كما ورد في التراث “فليس لكم إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم كالأيتام في مأدبة اللئام”.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى