مقالاتمقالات مختارة

التنوريون وكتب التراث.. تيار فكري أم طريق للشهرة؟

التنوريون وكتب التراث.. تيار فكري أم طريق للشهرة؟

بقلم وليد حاجي

أثارث كتب التراث الإسلامي العديد من الإشكاليات والصراعات الفكرية، وتحولت مع ظهور وجوه إعلامية تناقش الدين في البلاتوهات التلفزية إلى أداة للطعن في ديننا الحنيف، أسماء نصبت نفسها في صورة المفكر العبقري الذي كشف شبهات في كتب التراث الإسلامي لم يجدها كل من قرأ وبحث فيها منذ قرون، فهل الحداثة ومشروعية غربلة  المجهود الإنساني وعرضه على المنطق يعني التشكيك في كل موروث التراث الإسلامي؟ وهل نقل التراث دائما تعتريه الشوائب؟

كتابة التاريخ عموما تعتبر تحديا نفسيا وعلميا وموضوعيا، وإذا تعلق التاريخ بالدين تصبح كتابته تحديا أخلاقيا وامتحانا إلهيا، لأن كتابة الدين له قدسية وروح خاصة، وقد يخضع لحديث خير الأنام “من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا”.

ومن أبرز القضايا التي تثير جدلا دائما هي كتب الحديث الصحاح، والتي نالت حصة الأسد من النقد والتشكيك، بحجة وجود أحاديث تتنافى مع القرآن، ويرى أنصار هذا التيار ضرورة تغليب كفة القرآن المحفوظ والذي لا يقبل النقاش على ما جمع بعد فترة زمنية من وفاة الرسول صلى الله على وسلم على اعتباره أنه سنة نبوية تستحق التقديس، وهنا برز صراع حاد بين المشايخ والمستحدثين، وظهرت مصطحات جديدة وغربية في الوقت نفسه ومنها مفكر تنويري ومفكر قرآني، والإسلام كما هو معلوم كل لا يتجزأ قرآن وسنة، فهل تنقيح التراث الإسلامي هو خطوة أولى نحو مسخ عقائدي ممنهج؟ وهل هذه الإشكاليات تعتبر سببا في انتشار ظاهرة الإلحاد في أوساط الشباب المسلم؟

قضايا الحجاب والنقاب وتكفير أهل الكتاب والجهاد، مواضيع دينية دسمة ومفخخة، يستغلها الكثير من مدمني الشهرة وإثارة الجدل، يقحمون الدين بصورة قذرة في مستنقع الصراع الفكري، ويناقشون قضايا العقيدة بطريقة فلسفية متافيزيقية، بعيدا عن الأحكام القطعية الواردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، بحجة أن الإسلام كدين غير صالح لكل زمن ومكان، وأن الأحكام الشرعية لها إطار زماني ومكاني وجب مراجعته. لقد عمل أعداء الدين الإسلامي منذ سنوات مع سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الموجه على الترويج  لهذه  الشبهات بهدف زعزعة ثقة المسلم في دينه، وحاربوا الدين الإسلامي بأبنائه لإضفاء مصداقية على مخططهم، لذا يجب أن نعرف التفريق بين احترام آراء الشيوخ وكتبهم وبين تقديسها، ويجب أن نميز كذلك بين جوهر الإسلام واجتهادات شيوخه وفتاويهم.

إن الدين الإسلامي لا يستمد قدسيته من المغالاة في تقديس كتب التراث، والأخطاء حتى إذا وردت في هذه الكتب فهي لا تمس قداسة الإسلام في نفوسنا نحن كمسلمين، وشيوخ الإسلام باختلاف آرائهم ومذاهبهم هم بشر، يستحقون المدح والثناء، كما يستحقون النقد والنقاش، ونقد آراء علماء الإسلام لا يعني بالضروة نقدا للإسلام في حد ذاته، لأن تشويه الإسلام نتاج غربي مدروس يبنى عادة على هذه الشبهات، وعلى فهم المسلم الخاطئ لدينه، ولذا وجب على علماء الإسلام حاليا تحمل مسؤولية حماية الإسلام من هذه الحملات المسعورة، لأن عصر السوشيال ميديا أعطى منبرا للحديث للجميع، حتى من لا يملك علما شرعيا أصبح يخوض في مسائل العقيدة، وأصبح الشباب المسلم فرسية سهلة يصطادها من يتحاملون على الدين الإسلامي، ويكفي أن تبحث عن ازدراء الدين الإسلامي في محركات البحث لتجد ألاف النماذج من أبناء هذه الأمة يستعملون في تشويه دين فطروا عليه.

أخيرا، لا يوجد في اعتقادي ثلاث أرباع حجاب، أو ثلاث أرباع عفة، أو نصف تعاليم دين والتزام، الدين كل وجوهر، وسبب ضلال هذه الأمة أنها أخذت ظاهره، وتحول الإسلام فيها إلى وراثة وتسليم للقب مسلم من جيل إلى وفقط.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى