مقالاتمقالات مختارة

التعصيب .. والتطاول العَلماني على ما تبقى من الشريعة

بقلم عبدالله الشتوي

الإرث من جديد .. هذه المرة بالتفافة صغيرة على آيات الفرائض المحكمة، يتجه العلمانيون إلى دعوى إلغاء التعصيب، فبدل أن يتجه العَلمانيون إلى آيات القرآن وإسقاطها يطالبون بإلغاء التعصيب من نظام الإرث، وهو إسقاط غير مباشر لآيات الفرائض.

هل بالفعل ترفض العَلمانية التعصيب وتدعو للمساواة ؟
أكثر ما يزعج الفكر العَلماني هو تدخل الشريعة في أمور الناس وحياتهم، ولذا سعت العالمانية منذ ظهورها بكل الوسائل من تحرير الأرض من سيادة الله وإرجاعها إلى السيادة التامة للإنسان.
من هنا نفهم حجم الهجوم الشرس على كل قانون مستمد من الشريعة.
أما الواقع العملي فيشهد أن المساواة في نظام المواريث وهْمٌ لا وجود له أساسا في نظام المواريث، ووجود نظام الوصية في الدول الغربية –والذي يطالب به العَلمانيون عندنا- يجعل المساوة أمرا مستحيلا، فللإنسان الحق في التصرف في تركته كيفما شاء، وهذا يتسق تماما مع المرجعية المادية التي ترى المال ملكا مطلقا للإنسان يتصرف فيه كيف يشاء، خلافا للمرجعية الشرعية التي تعتبر الإنسان مستخلفا في مال الله وملزما بتحكيم شريعته فيه .
من هنا نخلص إلى أن التيار العالماني عموما لا يزعجه أن ترث المرأة نصف ميراث الرجل، أو أن لا ترث أصلا… فقوانين الدول العَلمانية تسمح بتمييز الورثة وتفضيل بعضهم على بعض أو حتى حرمانهم بالكلية.
ومن العجيب أن تجد العَلمانيين يرفضون أن يرث القرابة بالتعصيب بينما لا يجدون حرجا في أن تأخذ الدولة من التركة نصيبا كبيرا على شكل ضرائب  أما الشريعة الاسلامية فتعتبر الأخذ من التركة بغير حق أكلا لأموال الناس بالباطل: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)

دعاوى المعارضين للتعصيب :
إن تكامل نظام الارث في الاسلام يجعل الخوض في ما اتفقت الامة عليه يهدم النظام من أساسه، فنظام التعصيب والفرائض هما العمود الفقري لفقه المواريث، وبالتالي فإسقاط التعصيب هو نفسه إلغاء للفرائض،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن لأمته التعصيب في قوله : (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض  فلأولى رجل ذكر) .
ثم إن القول بأن التعصيب لم يذكر في القرآن لا أساس له من صحة، فمثلا في قوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد)، بيان للإرث بالفرض والتعصيب فإن الأبوين يرثان السدسين وما بقي فللولد، وقوله تعالى عن الأخ  : (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) ظاهر في إرث الأخ بالتعصيب لا بالفرض.
ثم إن تظاهر هؤلاء بالدفاع عن القرآن حجة باطلة لأن الجميع يعلم أن هذه الحملة الاعلامية ضد نظام الارث ابتدأت أصلا بإنكار العمل بآيات قطعية صريحة من القرآن، فكيف يتصور بعد هذا أن بتعلل هؤلاء بالدفاع عن القرآن.
ثم يزيد هؤلاء ترديد نفس الكلام الاسبق عن مساهمة البنات في تنمية تركة الهالك، وهذا جهل بالقانون والشريعة معا، لأن الإرث أصلا حق يستحَق بالقرابة لا بالجهد والعمل ، فهل سنحرم الطفلة الرضيعة من الإرث لأنها لم تساهم في ثروة الهالك .. وقد بينا في مقال سابق أن التقسيم حسب الشريعة إنما يتناول التركة بعد تصفيتها من كل الحقوق، فإن كان للبنت مساهمة في مال والدها فلها شرعا أن تطالب به قبل التقسيم أصلا ، لكن العلمانيين يفضلون تحويل المشاكل القضائية إلى مشاكل في الشريعة .

وقد سبق بيان كثير من هذه الدعاوى المتهافتة في مقال سابق : الإرث .. عبثية النقاش ووهم المساواة.

(المصدر: مركز يقين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى