تقارير وإضاءات

مشايخُ التدليسِ والتلبيسِ وفتاوى التطبيعِ

مشايخُ التدليسِ والتلبيسِ وفتاوى التطبيعِ

إعداد الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة

يقول السائل: ما قولكم في الفتاوى التي صدرت عن بعضِ المشايخ التي تُباركُ تطبيعَ بعضِ دولِ الخليج، وتنصُّ على توافقهِ مع أحكام الشريعة الإسلامية، أفيدونا؟
الجواب:أولاً: إن الفتوى من أخطر الأمور وأشدِّها، لأنها في الحقيقة توقيعٌ عن ربِّ العالمين كما قال العالمون، وكثيرٌ من الذين يتصدرون للفتوى اليوم، لا يدركون خطورةَ شأنِ الفتوى، وما يجب أن يكون عليه المفتي من علمٍ وصدقٍ والتزامٍ بشرعِ الله. قال تعالى:{فاسْألُوا أهلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}سورة النحل الآية 43، قال ابن عباس رضي الله عنهما:[أهلُ الذِّكْرِ هم أهلُ العلم] تفسير القرطبي10/108.
وقال العلامة ابن القيم: [ولما كان التبليغُ عن الله سبحانه وتعالى يعتمدُ العلمَ بما يُبلغ، والصدقَ فيه، لم تصلحْ مرتبةُ التبليغِ بالروايةِ والفتيا إلا لمن اتصفَ بالعلمِ والصدق، فيكون عالماً بما يُبلغ، صادقاً فيه، ويكونُ مع ذلك حَسَنَ الطريقة، مرضيَّ السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السِّرِ والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان مَنصِبُ التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكَرُ فضلُهُ، ولا يُجهل قدرُهُ، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن ربِّ الأرضِ والسموات؟ فحقيقٌ بمن أُقيم في هذا المنصبِ، أن يُعدَّ له عُدَّته، وأن يتأهبَ له أُهبته، وأن يعلم قدْر المقام الذي أُقيم فيه، ولا يكون في صدره حرجٌ من قول الحقِّ والصَّدعِ به، فإن الله ناصرُهُ وهاديه، وكيف وهو المنصبُ الذي تولاه بنفسه ربُّ الأرباب، فقال تعالى:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ}سورة النساء الآية 127، وكفى بما تولاه اللهُ تعالى بنفسهِ شرفاً وجلالةً، إذ يقول في كتابه:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}سورة النساء الآية 176، وليعلمَ المفتي عمَّنْ ينوبُ في فتواه، وليوقنَ أنه مسؤولٌ غداً وموقـوفٌ بـين يـدي الله] إعلام الموقعين 2/16-17.
كما أن كثيراً ممن يتصدرون للفتوى اليوم، أعماهم ولاؤهم المطلقُ للحكام عن قولِ الحقِّ والصدقِ، وصمَّ آذانهم، وغطى عقولهم عن معرفة واقع احتلال فلسطين وآثاره، وأعمى بصائرهم عن معرفة حقيقة التطبيع.
يقول العلامة ابن القيم: [وَلا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلا الْحَاكِمُ من الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلا بِنَوْعَيْنِ من الْفَهْمِ: أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ، وَالْفِقْه فيه، وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ ما وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالأَمَارَاتِ وَالْعَلامَاتِ؛ حتى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ في الْوَاقِعِ، وهو فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الذي حَكَمَ بِهِ في كِتَابِهِ، أو على لِسَانِ رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا على الآخَرِ، فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ، وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ في ذلك لم يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أو أَجْرًا، فَالْعَالِمُ من يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فيه إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ…ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحةً بهذا، ومن سلك غيرَ هذا أضاعَ على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ] إعلام الموقعين 1/187.
إن هذه الفتاوى المعلبةُ والمسيسةُ لخارجةٌ عن جادةِ الصواب، فإذا سيقت الفتاوى موافقةً لأهواء السياسيين الطغاة، فغالباً أنها لا تنضبطُ بالضوابط الشرعية، فلا يجوز جعلُ الدِّين عامةً، والفتوى خاصةً مطيةً لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ، وإرضاءً للحكام، وتبريراً لأعمالهم.
إن فتاوى مشايخ التدليس والتلبيس، أبواق الظلمة، مطايا الطغاة وعبيد أسيادهم، مشايخ الدفع المسبق، إنهم أشبه بآلة القهوة الجاهزة، أو آلة المشروبات الباردة، تضع فيها قطعة العُملة، ثم تختار ما تريد!
ثانياً: إن الطواغيت عندما يطبِّعون مع الاحتلال، لا يسألون مشايخَ الديكور، ولا يستندون في تطبيعهم لشريعة الإسلام، ولا للفتاوى، وهذا ديدنُ المطبِّعين قديماً، كما هو الحال في تطبيع مصر والأردن، وهو كذلك ما سار عليه المطبِّعون الجُدد، الإمارات والبحرين، ولكنهم بعد اتخاذ قراراتِ التطبيع وتنفيذِها، يوعزُ الطغاةُ لمشايخ الدفع المسبق، لتبرير التطبيع بالفتاوى الساقطة، وعندها فقط يتبارى مشايخُ الدفع المسبق في تبرير قراراتِ التطبيع، وينزِّلون النصوصَ الشرعية عليها لجعلها شرعيةً، بحججٍ أوهى من بيت العنكبوت، ويتجاهلون ثوابت الإسلام، ويدنسون الفتوى أيما تدنيس، ويتلاعبون بالنصوص الشرعية خدمةً لأهواء الطغاة، ويحاولون تأصيل التطبيع تأصيلاً شرعياً، ويكذبون على الله وعلى رسوله وعلى دين الإسلام.
فالحكامُ الطغاةُ هم الذين يحرِّكون مشايخ الدفع المسبق، ويحرِّكون المؤسساتِ الدينيةِ، كدوائر الإفتاء وغيرها، لإسباغِ الصفة الشرعية الدينية على التطبيع مع دولة الاحتلال.
كما زعم أحدهم أن التطبيع الإماراتي مع الاحتلال من قيمِ الدين الإسلامي {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} سورة الكهف الآية 5.
وكما حصل مع رئيس مجلس الإمارات للإفتاء، حيث زعم أن السلام والتطبيع جائزان بحجةِ أن ” العلاقات والمعاهدات الدولية تُعَدُّ من الصلاحيات الحصرية والسيادية لولي الأمر، شرعاً ونظاماً، وأشاد بالمسعى الإيجابي والخطوة السديدة التي اتخذتها القيادة في دولة الإمارات بتطبيع العلاقات بين الإمارات ودولة الاحتلال؟!
وزعم أن كلَّ ما تقوم به الدولة لمصلحة البلاد والعباد، باعتبار أن المصلحة هي المعيار الشرعي لتصرفاتِ ولي الأمر، الذي هو وحده المقدر للمصلحة والمحقق للمناط فيما يتعلق بالحرب والسلام والعلاقات بين الأمم !!”.
هكذا زعم، والزعمُ مطيةُ الكذب، إن صلاحياتِ ولي الأمر ليست مطلقةً في دين الإسلام، فالمصلحةُ العامة للدولة والأمة يتم تحديدها عن طريق استشارة أهل الحلِّ والعقدِ، ولا تُتخذ مثلُ هذه القرارات بآراءٍ فرديةٍ للحاكم، ومن ثمَّ تجبرُ الشعوبُ على اتباعها، ويفرضُ عليها الخضوعُ لها.
وكما فعل آخر عندما زعم أن قول الله تعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }سورة البقرة الآية 120، فزعم أنها خطابٌ خاصٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع أن هذا الأفاك الأثيم كان يقول سابقاً:[ إن كلَّ بلاءٍ تراه في أمة الإسلام، اعلم أن وراءه اليهود، وهذا واقعٌ، وكلُّ مَنْ ينكرُ هذا لا يعرف للسنة طريقةً، ولا للقرآن طريقةً،{وَلَن ترضى عنك اليهود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}فالرضا استحالةٌ، والذي أخبرني بعدم رضاهم عني هو الله، لذلك نعاملهم كما أمرَ الله، وليس لنكسب رضاهم، فهذا أمرٌ قطع الله به]انظر إلى هذا النكوص العجيب في التلاعب بالآية الكريمة! هذا النكوص الذي ينزل الإنسان من دائرة التقوى إلى دائرة الفسق، هذا الانحراف الذي يجعله يفتي هذه الفتاوى العرجاء، فينقلب على عقبيه، ويبيع دينه بدنيا غيره.
قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: “شرُّ الناس أو سفلةُ الناس هو مَنْ باع دينه بدنيا غيره”
وعن ابن أبي أويس قال:” قال ربيعة الرأي: يا مالك من السفلة؟ قال: من أكل بدينه” قال: فمن سفلةُ السفلة؟ قال: من أصلح دنيا غيره بفساد دينه”
وقال سُحنون الفقيه المالكي: “أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره…تفكرتُ فيه فوجدته المفتي…”
وقال الشاعر:
عَجِبْتُ لِمُبْتَاعِ الضَّلالَةِ بالْهُدَى ولِلْمُشْتَرِي دُنْيَاهُ بِالدِّينِ أَعْجَبُ
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَيْنِ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَا سِواهُ فَهْوَ مِن ذَيْنِ أَخْيَبُ
وقال العلامة السعدي في تفسيره للآية الكريمة السابقة:[فهذا فيه النهي العظيم، عن اتباع أهواء اليهود والنصارى، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب.] تفسير السعدي 1/90.
إن مشايخ التدليس والتلبيس يُدنسون منبرَ النبي صلى الله عليه وسلم، ويروجون للتطبيع الحرام من على منبر المسجد الحرام، وينزِّلون وقائع حصلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع يهود على تطبيع الحكام اليوم، المرفوض من شعوبهم. وغير ذلك مما يمارسه مشايخ التزوير والتلبيس والتدليس.
يقول الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عن هؤلاء المشايخ الذين برروا التطبيع: [فتاويهم ومواقفهم إنما تصدرُ عن الأهواء، لكن هذه الأهواء في الأصل هي أهواءُ حكامهم، ولذلك لن تجد عالماً واحداً مؤيداً للتطبيع إلا وهو ينفذُ إرادةَ ولي أمره وولي نعمته وصاحبِ الصولة عليه، ويسعى في رضاه ويجاريه في هواه…القرار السياسي التطبيعي يأتي من الحاكم أولاً، ثم يتبعهُ ويصفقُ له شيوخُ الخدمة، حَذوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ.] www.alquds.co.uk
ثالثاً: إنَّ التطبيع الذي يـبيحهُ ويسَوِغُه مشايخُ الدفع المسبق ما هو إلا إقرارٌ وتسليمٌ بضياعِ كل فلسطين، والقدسِ والمسجد الأقصى المبارك خاصةً، وإقرارٌ واعترافٌ بكل ما أحدثه المحتلون، من تدميرٍ وتخريبٍ لقرى ومدن فلسطين، وبناءٍ للمستوطنات، وتهجيرٍ لأهل فلسطين، واستسلامٌ ورضىً بأفعال المحتلين وإقرارٌ لباطلهم.
ولا يدري مشايخُ الدفع المسبق أن التطبيع ما هو إلا فتحٌ لأبواب بلاد العرب والمسلمين أمام يهود، وغزوها اقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً وسياساً…إلخ. وإقامةُ علاقاتٍ تجاريةٍ وصناعيةٍ وزراعيةٍ وسياحيةٍ ودبلوماسيةٍ وثقافيةٍ، طبقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة، وليس طبقاً لأحكام الكتاب والسنة.
إن التطبيع الذي يـبيحهُ ويسوغهُ مشايخُ الدفع المسبق، مناقضٌ لقواعد الشريعة وكلياتها المستمدة من الكتاب والسنة، وقرر العدولُ من أهل العلم أنه محرمٌ وممنوعٌ شرعاً، لما يترتبُ عليه من مخالفاتٍ صريحةٍ لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومخالفته لقواعد الإسلام العامةِ، المعروفةِ عند العلماء، وليست معلومةً عند الذين لا يرون أبعدَ من أنوفهم، والمطبلين والمزمرين لأسيادهم المهرولين للتطبيع من العربان!
[إن التطبيع لا يقوم على أي مستندٍ شرعي، وفي الحقيقة أنَّه ليس خلافاً فقهياً ينبغي أن يعُذر بعضُنا بعضاً حوله، وأن نقول إنه اجتهادٌ يصيب فيه العالم أو يخطئ، بل إن مَنْ يقوم به لا يعطي لذلك أي اعتبار، فهو يوالي أعداءَ الدِّين، ليعينهم على منكرهم في قتلهم للفلسطينيين وتقويتهم بالمال والنفط، إنَّ المبررين لهذه الخطيئةِ ليعلمون علمَ اليقين خطأَ رأيهم، كما هو حال من حولهم، ولن يغيِّر في أذهان أمتنا أن الكيان الصهيوني هو عدوها الأول، وأنَّه سببُ مصائبها، وأنَّ قضية تحرير فلسطين، هي قضيةُ أمةٍ بأكملها، وليست حكراً على الفلسطينيين ]athabat.net/article
رابعاً: إن واجب الأمة الإسلامية تُجاه نُصرةِ المسجد الأقصى المبارك، لا يسقطُ على الرُّغْمِ من تعطيل الجهاد، وعلى الرُّغْمِ من تطبيع المطبعين، وإقامة العلاقات مع كيان يهود في مختلف المجالات، حتى لو طبَّعت كلُّ الدول العربية وغيرها، وحتى لو أفتى مشايخ السلطان بفتاويهم الزائفة بإباحة التطبيع وتبريره للطغاة، فإن كلَّ ذلك لا يُغير الحقائق الثابتة بأن احتلال أرض فلسطين من النهر إلى البحر، باطلٌ في كل الشرائع وفي كل قوانين الدنيا، وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن الاحتلال إلى زوال إن شاء الله تعالى، وإن في التاريخ لعبرةٌ، فقد احتل الصليبيون بيت المقدس وأكنافه زهاء قرنٍ من الزمان، واحتل الاستعمار الفرنسي الجزائر أكثر من قرن، وكانت النهاية زوال الاحتلال. قال الله تعالى:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} سورة يوسف الآية21.
وإن تطبيع المطبعين وتآمر المتآمرين وخياناتهم، لن تُضعفَ عزيمةَ الأمةِ المسلمة، ولن تَطْمِسَ الحقائق الناصعة وإن طال الزمان.
وإن الشعوب العربية والمسلمة كلها تقف مع المسجد الأقصى المبارك وأهل بيت المقدس وأكنافه، وترفض التطبيعَ بكافة أشكاله، ولا ترضخُ لتطبيع المطبعين، ولا تقبلُ بخيانة الخائنين.
إن الواجب الشرعي على علماء الأمة والدعاة وخطباء المساجد أن يتصدوا لهذا التطبيع المأفون، وأن يقوموا بدورهم المنشود في توعية الناس بخطورته، وما يترتب عليه من آثار مدمرة على الشعوب المسلمة.
وخلاصة الأمر أن الفتوى من أخطر الأمور وأشدِّها، لأنها في الحقيقة توقيعٌ عن ربِّ العالمين كما قال العالمون، وكثيرٌ من الذين يتصدرون للفتوى اليوم، لا يدركون خطورةَ شأنِ الفتوى، وما يجب أن يكون عليه المفتي من علمٍ وصدقٍ والتزامٍ بشرعِ الله.
وأن كثيراً ممن يتصدرون للفتوى اليوم، أعماهم ولاؤهم المطلقُ للحكام عن قولِ الحقِّ والصدقِ، وصمَّ آذانهم، وغطى عقولهم عن معرفة واقع احتلال فلسطين وآثاره، وأعمى بصائرهم عن معرفة حقيقة التطبيع.
وأن فتاوى مشايخ التدليس والتلبيس، أبواق الظلمة، مطايا الطغاة وعبيد أسيادهم، مشايخ الدفع المسبق، إنهم أشبه بآلة القهوة الجاهزة، أو آلة المشروبات الباردة، تضع فيها قطعة العُملة، ثم تختار ما تريد!
وأن الطواغيت عندما يطبِّعون مع الاحتلال، لا يسألون مشايخَ الديكور، ولا يستندون في تطبيعهم لشريعة الإسلام، ولكنهم بعد اتخاذ قراراتِ التطبيع وتنفيذِها، يوعزُ الطغاةُ لمشايخ الدفع المسبق، لتبرير التطبيع بالفتاوى الساقطة، وعندها فقط يتبارى مشايخُ الدفع المسبق في تبرير قراراتِ التطبيع، وينزِّلون النصوصَ الشرعية عليها لجعلها شرعيةً، بحججٍ أوهى من بيت العنكبوت، ويتجاهلون ثوابت الإسلام، ويدنسون الفتوى أيما تدنيس، ويتلاعبون بالنصوص الشرعية خدمةً لأهواء الطغاة، ويحاولون تأصيل التطبيع تأصيلاً شرعياً، ويكذبون على الله وعلى رسوله وعلى دين الإسلام.
وأن التطبيع الذي يـبيحهُ ويسَوِغُه مشايخُ الدفع المسبق ما هو إلا إقرارٌ وتسليمٌ بضياعِ كل فلسطين، والقدسِ والمسجد الأقصى المبارك خاصةً، وإقرارٌ واعترافٌ بكل ما أحدثه المحتلون، من تدميرٍ وتخريبٍ لقرى ومدن فلسطين، وبناءٍ للمستوطنات، وتهجيرٍ لأهل فلسطين، واستسلامٌ ورضىً بأفعال المحتلين وإقرارٌ لباطلهم.
وأن التطبيع الذي يـبيحهُ ويسوغهُ مشايخُ الدفع المسبق، مناقضٌ لقواعد الشريعة وكلياتها المستمدة من الكتاب والسنة، وقرر العدولُ من العلماء أنه محرمٌ وممنوعٌ شرعاً، لما يترتبُ عليه من مخالفاتٍ صريحةٍ لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومخالفته لقواعد الإسلام العامةِ، المعروفةِ عند العلماء، وليست معلومةً عند الذين لا يرون أبعدَ من أنوفهم، والمطبلين والمزمرين لأسيادهم المهرولين للتطبيع من العربان!
وأن واجب الأمة الإسلامية تُجاه نُصرةِ المسجد الأقصى المبارك، لا يسقطُ على الرُّغْمِ من تعطيل الجهاد، وعلى الرُّغْمِ من تطبيع المطبعين، وإقامة العلاقات مع كيان يهود في مختلف المجالات، حتى لو طبَّعت كلُّ الدول العربية وغيرها، وحتى لو أفتى مشايخ السلطان بفتاويهم الزائفة بإباحة التطبيع وتبريره للطغاة، فإن كلَّ ذلك لا يُغير الحقائق الثابتة بأن احتلال أرض فلسطين من النهر إلى البحر، باطلٌ في كل الشرائع وفي كل قوانين الدنيا، وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن الاحتلال إلى زوال إن شاء الله تعالى، وإن في التاريخ لعبرةٌ، فقد احتل الصليبيون بيت المقدس وأكنافه زهاء قرنٍ من الزمان، واحتل الاستعمار الفرنسي الجزائر أكثر من قرن، وكانت النهاية زوال الاحتلال. قال الله تعالى:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى