
يُعد الشيخ عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي واحدًا من أبرز العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية، ومن أكثرهم حضورًا وتأثيرًا في ميدان الحديث والفقه والفكر الإسلامي. وُلد الشيخ في الكويت عام 1976م، وانتقل في طفولته بين الكويت والموصل ومصر، قبل أن تستقر أسرته في الرياض حيث بدأت ملامحه العلمية تتشكل مبكرًا.
ينتسب الشيخ إلى أسرة الطريف من الأسلم من قبيلة شمر، وهي بيئة محافظة وقريبة من مجالس العلم والقرآن.
بدايات التكوين العلمي
لم ينتظر الشيخ سنّ الرشد ليبدأ طلب العلم؛ فابتدأ في سن الثالثة عشرة، وفي سن الخامسة عشرة كانت قراءاته قد تجاوزت ما يقرؤه كثير من طلبة العلم في سنوات طويلة، إذ قرأ في تلك المرحلة عددًا كبيرًا من كتب الفقه والتفسير والسيرة والتاريخ واللغة، مثل تفسير ابن كثير وزاد المعاد وسيرة ابن هشام ومجموع الفتاوى، وكان يقرأ بنَهَمٍ يومي لا يكاد يتوقف.
ولم يكتف بالقراءة فقط؛ بل لجأ إلى التلخيص، فاختصر بيده تفسير ابن كثير وزاد المعاد، وكتب ملخصات لكتب أخرى مثل المغني والاستذكار، ووضع فهارس لمسائل ابن تيمية، في عمل مبكر يدل على انشغال ذهني كبير بالتأصيل والترتيب.
وفي سن الثامنة عشرة انتقل إلى المرحلة الأوسع: دراسة أمهات كتب الحديث، فبدأ بـ صحيح البخاري ثم صحيح مسلم ثم سنن أبي داود، وواصل قراءة كتب الأصول والسنن والعلل.
كان يحفظ يوميًا ما بين ثلاثين إلى خمسين حديثًا بأسانيدها، ويقرأ يوميًا ما يتراوح بين عشر وثلاث عشرة ساعة، وتزيد في الإجازات إلى خمس عشرة ساعة.
الدراسة على العلماء
درس الشيخ عبدالعزيز في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لكنه كوّن نفسه عبر مجالس العلماء المباشرة. فقد لازم الشيخ عبدالعزيز بن باز أربع سنوات كانت من أهم محطات حياته، ودرس على الشيخ عبدالله بن عقيل والشيخ عبدالرحمن البراك والشيخ عبدالكريم الخضير والشيخ محمد عبدالله الصومالي والشيخ صفي الرحمن المباركفوري والشيخ محمد البرني الهندي والأستاذ حسن الأثيوبي والدكتور محمد أجمل الإصلاحي والشيخ صالح آل الشيخ، وتلقى عنهم علمًا متنوعًا في الفقه، والحديث، والعقيدة، واللغة، وعلوم الآلة.
كما حصل على إجازات في الرواية من عدد من العلماء في اليمن والمغرب والهند وغيرها، مثل الشيخ محمد الصومالي ومحمد المنتصر الكتاني ومحمد بوخبزة الحسيني ومحمد إسماعيل العمراني وعبدالله بن عقيل وعبدالوكيل الهاشمي وغيرهم.
اهتماماته وقراءاته
تميّز الشيخ الطريفي بسعة اطلاع نادرة، فقد قرأ في الحديث وعلله، وفي الفقه بمذاهبه الأربعة، وفي التفسير المسند، وفي كتب التاريخ والطبقات، إضافة إلى اهتمامه بكتب الفكر والتيارات المعاصرة، واطلاعه الواسع على المدارس الغربية، وقراءته شيئًا من كتب الفلاسفة.
ومع هذا الانفتاح العلمي، كان الشيخ واضحًا في موقفه من هذه القراءات؛ فقد اعتبرها مفيدة في فهم واقع الأفكار لا في تبنيها، ورأى أن التيارات الفكرية الحديثة في العالم العربي ليست إلا انعكاسًا لتيارات غربية، وأن التاريخ كفيل بكشف زيفها وسقوطها.
أعماله ومؤلفاته
عمل الشيخ في وزارة الشؤون الإسلامية باحثًا شرعيًا، ثم مديرًا لإدارة البحوث والدراسات في مركز البحوث، ثم باحثًا علميًا في المركز نفسه. وإلى جانب عمله، كانت له دروس علمية متتابعة في الرياض تُنقل مباشرة عبر شبكة الإنترنت، شرح فيها كتبًا كـشرح العلل لابن رجب وسنن الترمذي والمحرر ونخبة الفكر وزاد المستقنع والأربعين النووية وغيرها.
وللشيخ مجموعة من المؤلفات المهمة في الفقه والحديث والفكر، منها التحجيل في تخريج ما لم يُخرج في إرواء الغليل، والمغربية في شرح العقيدة القيروانية، والخراسانية في شرح عقيدة الرازيين، والفصل بين النفس والعقل، والحجاب في الشرع والفطرة، والاختلاط: تحرير وتقرير وتعقيب، والعقلية الليبرالية في رصف العقل ووصف النقل، والتفسير والبيان لأحكام القرآن، والعلماء والميثاق، والمعتزلة في القديم والحديث، وغيرها من الكتب والدروس التي انتشرت بين طلاب العلم.
مواقفه والسبب وراء حضوره القوي
عُرف الشيخ الطريفي بوضوحه في المواقف، وقوله الحق دون تردد، ودفاعه عن المظلومين، وانتقاده للمنابر الإعلامية التي رآها تُسيء للإسلام، كما كان صريحًا في قضايا تتعلق بالعدل ووجوب نصرة المظلوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه الجرأة في الحق كانت سببًا في التفاف كثير من الشباب حوله، كما كانت ذاتها سبب اعتقاله من قبل السلطات السعودية التي ضافت ذرعا بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
اعتقاله
منذ 23 أبريل 2016 والشيخ عبدالعزيز الطريفي مُعتقل في السجون السعودية، بعد توقيفه على خلفية آرائه الصريحة وجرأته في قول الحق، ونصيحته التي لم يُعرف عنه أنه تراجع فيها أو ساوم عليها. ومنذ لحظة اعتقاله لم يُسمح له بالظهور أو التدريس أو التواصل مع طلابه، وظل محتجزًا بعيدًا عن أي حضور علمي أو اجتماعي.
وتشير شهادات متداولة من مقربين وحقوقيين إلى أن الشيخ تعرض خلال فترة سجنه لانتهاكات ومعاملة قاسية، شأنه شأن عدد من العلماء والدعاة الذين طالتهم حملة الاعتقالات في تلك الأعوام، حيث وُضع بعضهم في ظروف احتجاز صعبة، ومنعوا من الزيارة، ومن التواصل مع أسرهم، ومن الحصول على حقوقهم النظامية.
ومع مرور السنوات، بقي الشيخ الطريفي غائبًا تمامًا عن طلابه وجمهوره، لا يُعرف عن وضعه الصحي أو ظروفه داخل السجن شيء مؤكد، في ظل صمت رسمي تام، وتكتم شديد على ملفه.
هذا الغياب الطويل ترك فراغًا كبيرًا في الساحة العلمية، خاصة وأن الشيخ كان في ذروة عطائه، حاضرًا بعلمه، قويًا بحجته، قريبًا من الشباب، ومؤثرًا في أوساط طلاب العلم.
ولا يزال محبوه إلى اليوم ينتظرون خروجه، ويتداولون كلماته ومؤلفاته ومحاضراته، ويستشعرون غياب عالمٍ كان أثره ظاهرًا، وصوته مسموعًا، قبل أن يُغيّبه الاعتقال عن الناس وعن منابره التي عرفته ثابتًا، ناصحًا، وصريحًا.




