
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله القائل :
(المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه) متفق عليه.
أما بعد :
فإن تسليم المسلم إلى مرتد أو ظالم باغ محادٍ لله ورسوله هو مخالفة صريحة لدين الله وهو إعانة للظلمة الطغاة،ومولاة لأعداء الله.
وقد أمر الله ﷻ بموالاة المؤمنين في نصوص كثيرة قاطعة الدلالة
وتسليم المسلم لأهل الإجرام والآثام هو عين الظلم والبغي والفساد، بل هو نقض صريح لفريضة الموالاة لأهل الإيمان لا يجرؤ على فعله مع علمه بحكمه إلا من فسدت ديانته وظهرت خيانته، واستولى عليه الركون لأهل الظلم مقدماً مقايضاتهم الظالمة على أمر الله.
ثم إن من قواطع الإسلام العظيمة الوفاء وتحريم الغدر الذي هو من صفات المنافقين، ومن غدر بمسلم فهو على صفاتهم، وكيف لا وتسليم المسلم لمن يؤذيه هو من المنصوص على حرمته، وهو من الموبقات وكبائر الذنوب وفيه مفاسد عظيمة ستعود آثارها على من فعلها عاجلاً أو آجلاً، حتى لو فعل ذلك في مقابل فكاك رقاب مسلمة أخرى أو تحصيل مصالح دنيويّة؛ لأن أساسه مبني على باطل وغدر، وقائم على تسليم مسلم إلى مرتد أو باغ معلوم إفساده وظلمه، وهو من التعاون على الأثم والعدوان والفساد في الأرض؛ وكل ذلك من المحرمات القطيعة، ومن المضادة لشريعة الإسلام ، كما قال النبي ﷺ (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله)رواه مسلم
وقال ﷺ (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)صحيح أبي داود و عند أحمد.
هذا من جهة الأحكام الشرعية.
أما من جهة السنة الكونية فيكفي فيها ماذكره الله تعالى في عقوبة الذين استكبروا بسلطانهم ومكروا بحيلهم السياسية، وسلكوا مسالك تأويلات أهل السبت :
(ٱسۡتِكۡبَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّیِّىِٕۚ وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِینَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِیلًا)
وقد ذكّر الله تعالى أفضل قرن من هذه الأمة بنعمته عليهم، ثم نهاهم عن الخيانة فقال ﷻ:
(وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِیلࣱ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن یَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَیَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ
یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)
وقال رسول الله ﷺ :
(ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ـ وأبو داود وهو صحيح
ثم من جهة النظر والاعتبار:
معلوم ان عِرض أي دولة هو في سيادتها وقضائها فإذا سمحت الدولة بانتهاك ذلك تكالب عليها شياطين السياسة والمخابرات يطالبون بتسليم مطلوبين وهم من معصومي الدماء والحرمات، وما أكثرهم في بلاد الشام.
ومن تنازل اليوم عن شرف دولته شبراً فإنه غداً سيتنازل ذراعاً !
ولكم ان تتصوروا لو أن مكان هذا المغدور المسلم يهودياً وطلبته دولة أخرى من دولة الكيان المحتل فهل سيسلمونه ؟!
اللهم إنه ليس لنا مثل السَوء فلا تخز المسلمين فيما رجوه ولا تكسر قلوبهم فيما أمّلوه، فالبشارات الصالحات من عندك ربنا هي خير رجاءً وخيرٌ أملاً.




