مقالاتمقالات المنتدى

 تأملات في فقه النصر والتمكين (7)

 تأملات في فقه النصر والتمكين (7)

بقلم: د. حسن السلهاب( خاص بالمنتدى)

إن من صور التمكين أن يتولى أهلُ الحق زمام الأمور من حكم بكل تفاصيله وتطبيق شرع الله عز وجل في الأرض، لكن حينما أتأمل هذا الموقف أقف كثير وأتسأل: هل أصحاب الأخدود تمكنوا أم انتصروا؟ هل ما فعله الغلام وأنه دل على طريقة قتله قد حدث له التمكين؟ وهل السيدة سُمية وآل ياسر حدث لهم التمكين؟ أليسوا قد قتلوا على يد الطغاة؟ أليسوا قد عذبوا عذابا شديدا! فأين التمكين والنصر إذا؟
لنستعرض موقف الغلام وأصحاب الأخدود:
الغلام دل على طريقة قتله، وقُضي نحبه وانتهى أجله، وكذلك الراهب الذي علمه قٌتل قبل الغلام وتم التنكيل به ليكون عبرة لمن تسول له نفسه أن يمضي على نفس النهج، وأيضا الأعمى الذي شُفي على يد الغلام بفضل الله عز وجل ماذا حصد؟ أليس هذا الرجل قد ترك مكانته وقربه من الملك الظالم والتي يا للأسف يتفاخر بها بعض المشايخ اليوم أنهم قريبون من الوالي فيمدحونه ويقولون فيه أشعارا ومديح لينالوا حظا من حظوظ الدنيا!، لكن الرجل الأعمى ترك هذا كله ابتغاء مرضات الله، وأيضا التهديد والوعيد له لم يمنعه من أن يترك ما اعتقده صوابا من أن يظل ثابتا على دينه وقرر أن يموت على المبدأ الصواب خير له من أن يمضي في طريق الغواية، لذا أراه قد انتصر بعقيدته وقيمه ومبادئه.
إذا إخواني إن المتأمل في حالة الغلام الذي مات ولم ير التمكين الملموس قد انتصر بعقيدته وثباته على المنهج الذي اعتنقه، وأن حياته تٌعد ثمن بخس في جنب الله عز وجل. وأن الراهب والأعمى تركوا لنا معان أخرى من معان الانتصار والتمكين، فلم يقدموا أي تأويل أو تبرير يساعدهم على أن ينجو بأنفسهم كما يفعل في عصرنا ضعفاء النفوس والعقيدة، لم يستتروا بستار يظهرهم أمام الناس أن لديهم عذر، وقد كانوا يستطيعون فعل ذلك، لكن قوة الإيمان ورسوخ العقيدة في نفوسهم جعلتهم يواجهون أعتى الظلمة وهم عزل وبمفردهم وذلك من أجل قضية أمنوا بها.
وإليكم هذا الحدث والموقف الذي لا يثبت فيه إلا أصحاب الإيمان، موقف امرأة أبت أن تٌعطي الدنية في دينها وهي السيدة “سٌمية” رضي الله عنها، وأيضا رجل كان عبدا يأمره سيده فيطيع ويقف منكسر النفس مطأطأ الرأس قبل إسلامه أمام سيده، لكنه حينما أمن وتمكنت العقيدة والإيمان من نفسه، بل وملكت عليه كل حياته، كان عند تعذيبه من الطاغية أبي ابن خلف لعنه الله، ثبت وانتصر سيدنا بلال بهذا الإيمان الذي يحمله، ولذا اتفق العلماء أن هذا يٌعد صورة من صور التمكين لسيدنا بلال وللسيدة سُمية وغيرهم، ودعونا نقرأ ماذا حدث:
إن أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله -صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد. فأما النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد، أحد وله إسناد آخر صحيح.
أبو حيان التيمي: عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لبلال عند صلاة الصبح: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ; فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة. قال: ما عملت عملا أرجى من أني لم أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كتب لي أن أصلي.
إن الانتصار على النفس الذي قام به سيدنا بلال هو أول الطريق للتمكين والانتصار على الأعداء، لذلك سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم “خشفة نعل” بلال في الجنة. إن من لم ينتصر على نفسه لن ولم يتم تمكينه في الأرض أبدا لأنه سٌنة الله الماضية في الأمم.
وأخيرا أرى أن الغلام انتصر بقوة الفهم والإرادة والعقيدة التي يحملها والإيمان الذي هو أقوى من الجبال الراسيات، انتصر لأن كل من حوله أمنوا به بعد موته رغم أنهم يعرفون المصير الذي ينتظرهم، انتصر على الشهوات وعلى ملذات الدنيا وعلى حظوظ النفس، إنه اتخذ القرار الذي يعلم يقينا أنه هو السبيل لرضا الله، علم ان الحياة منقضية فلابد من أن تكون خالصة لله عز وجل، انتصر على الملك المتجبر المتغطرس الظالم، إنه استصغر كل العقبات والتحديات والمصير أمام الغاية الكبرى، لذا حقا لقد تم التمكين للغلام وتمت هزيمة الطاغية نفسيا ومعنويا وحسيا بإيمان القوم بما أمن به الغلام.
وبإذن الله سوف يكون فيه مقال خاص عن مظاهر النصر والتمكين التي حدثت لأبطال غزة منذ السابع من أكتوبر حتى الآن بإذن الله.

إقرأ أيضا: المسلمون يتضامون مع كشمير!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى