
الشيخ محفوظ نحناح (1942 – 2003م)
مولده ونشأته
وُلد الشيخ محفوظ بن محمد نحناح يوم 27 يناير 1942م الموافق 12 محرم 1362هـ، في مدينة البليدة بالجزائر، وذلك في ظل أجواء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت التحولات السياسية والفكرية تترقب ما بعد الاستعمار الفرنسي. نشأ في بيت محافظ متدين، وتلقى منذ صغره القرآن الكريم واللغة العربية في المدرسة الإصلاحية التي أنشأتها الحركة الوطنية.
كان منذ طفولته محباً للعلم، محباً للغة العربية، يعدّها صورة من صور التحدي أمام التيار الفرنكفوني الذي حاول طمس هوية الجزائر.
نشاطه العلمي والدعوي
بعد أن أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي، التحق بالجامعة وحصل على ليسانس لغة عربية عام 1970م، ثم سجل في جامعة القاهرة قسم الدراسات العليا – تفسير.
اشتغل مبكراً في التعليم، فعمل معلماً للغة الفرنسية عام 1960م في البليدة، ثم أمضى قرابة ثلاثين عاماً في التربية والتعليم مربياً وموجهاً.
بدأ نشاطه الدعوي مع استقلال الجزائر عام 1962م، فكان يخطب في مساجد العاصمة والبليدة، وأسس مع رفيقه محمد بوسليماني الجماعة الإسلامية في الجزائر. كما كان أول من أمّ المصلين في مسجد الطلبة بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة، وساهم مع زملائه في الحفاظ على الشخصية الإسلامية للأسرة والمجتمع في مواجهة المد الاشتراكي والتغريبي.
تأسيسه لحركة مجتمع السلم
في عام 1975م اعتقل الشيخ محفوظ نحناح وحُكم عليه بالسجن خمس عشرة سنة بتهمة “تدبير انقلاب” ضد نظام هواري بومدين، لمعارضته فرض الاشتراكية بالقوة، غير أنه قضى خمس سنوات فقط بعد وفاة بومدين. كانت تلك السنوات فرصةً للعلم والدعوة، إذ اهتدى على يديه خلق كثير من السجناء.
وبعد خروجه أسس مع علماء ودعاة الجزائر رابطة الدعوة الإسلامية، ثم أسس مع بوسليماني جمعية الإرشاد والإصلاح عام 1988م، قبل أن يعلن سنة 1991م عن تأسيس حركة المجتمع الإسلامي (حماس)، التي تغيّر اسمها لاحقاً إلى حركة مجتمع السلم (حمس).
قاد الحركة إلى المشاركة السياسية الفاعلة، فحصلت على عشرات المقاعد البرلمانية، وشاركت في الحكومات بعدد من الوزراء، كما ترشح الشيخ نحناح بنفسه لرئاسة الجمهورية سنة 1995م، فكان أول زعيم إسلامي يترشح، وحصل على أكثر من ثلاثة ملايين صوت، وجاء في المركز الثاني.
مشايخه والمؤثرون فيه
تأثر الشيخ نحناح بكوكبة من العلماء والمصلحين:
من أعلام الجزائر: عبد الحميد بن باديس، البشير الإبراهيمي، الفضيل الورتلاني، مالك بن نبي.
ومن أعلام الحركة الإسلامية: الإمام حسن البنا، الشيخ محمد الغزالي، الشيخ محمد متولي الشعراوي.
ومن المصلحين: الشيخ أحمد سحنون، الشيخ عبد الله جاب الله، الشيخ علي بلحاج.
كما نهل من مؤلفات ابن تيمية، وكان يرى في مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائرية طريقاً أصيلاً للإصلاح.
مؤلفاته
ترك الشيخ محفوظ نحناح عدداً من المؤلفات الفكرية والدعوية، من أبرزها:
- الجزائر المنشودة.. المعادلة المفقودة: الإسلام، الوطنية، الديمقراطية.
- تربية الأبناء في الإسلام (سلسلة).
- التذكرة للدعاة.
- هارون الرشيد الخليفة المظلوم.
- محمد بن عبد الوهاب إمام التوحيد.
- شيخ الإسلام ابن تيمية: جهاده ودعوته وعقيدته.
- للنساء فقط.
- طرق كسب الثواب.
- موعظة للمتقين.
- مواقف إيمانية.
بعض مواقفه
- امتاز الشيخ محفوظ نحناح بالوسطية والاعتدال، ورفض العنف والإرهاب، وعدهما غريبين عن الإسلام.
- صاغ بيان التجمع الإسلامي الكبير سنة 1980م.
- نظم أول مهرجان إسلامي سنة 1988م.
- نادى بإنشاء رابطة تجمع الدعاة سنة 1989م.
- وقّع على وثائق ترفض التنازل عن أي شبر من فلسطين، واعتبرها وقفاً إسلامياً لا يجوز التفريط فيه.
- أدان العنف المسلح في الجزائر، ورأى أن مواجهة خطأ الدولة لا يكون بخطأ حمل السلاح وجزّ الرقاب.
- عُرف بمشاركاته الواسعة في المؤتمرات الدولية حول الإسلام والغرب، حقوق الإنسان، وحوار الحضارات، وجاب القارات الخمس داعياً إلى الاعتدال.
- دفعت حركته ثمناً غالياً، إذ اغتيل أكثر من 500 من كوادرها، بينهم صديقه محمد بوسليماني (1994م).
وفاته
أُصيب الشيخ محفوظ نحناح بمرض سرطان الدم، وتردد على مستشفيات عربية وأوروبية، ثم استقر به المقام في الجزائر.
وفي يوم 19 يونيو 2003م، توفي – رحمه الله – عن عمر يناهز 61 عاماً، بعد صراع مع المرض.
شيّعته الجزائر بكل أطيافها، ونعاه قادة سياسيون وعلماء ومحبون من أنحاء العالم الإسلامي، ليبقى رمزاً للوسطية والاعتدال، وصوتاً دعوياً وإصلاحياً خالداً في ذاكرة الجزائر والأمة.