مقالاتمقالات المنتدى

الرجال على النهج يسيرون

الرجال على النهج يسيرون

بقلم: د حسن السلهاب( خاص بالمنتدى)

إذا أردت أن تمدح إنسان يكفيك أن تقول له (أنت رجل) أنت تتحلى بالرجولة، لذا قيل: الرجولة وصف اتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه. فقلت في نفسي لماذا لا تفتش عن الرجولة في عصرنا؟، فتش عنها فيمن هم في سُدة الحكم، فيمن يدعون أنهم المثقفون، فيمن يقال عنهم ” عُلِّيَّةِ الْقَوْمِ” ، فوجدت أن الرجولة نُزعت منهم، هم “ذكور” لكن صفات الرجولة بعيدة عنهم كل البُعد، فقلت في نفسي أين أجدهم وأغلب من حول عند الأزمات لا تجدهم، وعند قول الحق كأنهم لم يعرفوك من قبل، وعند مواجهة الأعداء تراهم جبناء، لذا قررت أن أترك المنطقة العربية وأفتش عن الرجولة في مكان أخر، لكن أتاني مناد يعاتبني، ويقول لي: انتظر يا رجل، ففي غزة أبطال، ورجال، فالطفل فيها رجل، والمرأة فيها بألف ممن يدعون الرجولة في أي مكان، أما الرجل فيهم فحدث ولا حرج عن سماته وبطولاته التي تجدها في فلتات لسانه وفي قسمات وجهه.
فقلت للمناد مهلا لقد أخطأت، وعن الأبطال في غزة تذكرت، تذكرت الرجال الذين لا يعطون الدنية في دينهم ولو تكالب عليهم كل العالم، تذكرت رجولتهم وهم يتحدثون وهم يعملون وفي ساحات الوغى لا يخافون، وجدت قلوبهم معلقة فقط برب العالمين، ووجدت ذلك في دعاء “السنوار” وهو يقول: (اللهم انقطع الرجاء إلا منك، وخابت الآمال إلا فيك، وانسدت الطرق إلا إليك، وأُغلقت الأبواب إلا بابك، فلا تكلنا إلى أحدٍ سواك!!) أشعر أن حاله ليس كحالنا، وتذكرت رجل ليس مثل بقية البشر حينما حاصرهم القريب والبعيد، حينما تنكرت لهم الأرض، حينما قل الزاد والعتاد، يقول تلك الكلمات بكل ثقة أبو عبيدة وغيره أنهم إذا أرادوا نزع سلاحنا سوف ننزع أرواحهم جميعا. فعلا أنتم الرجال.
وعودة إلى “السنوار” رحمه الله تذكرت أن له لسان عجيب وعين ثاقبة وقلب متعلق فقط برب العالمين، لذا عاش كما يحب ومات كما تمنى. تذكرته وهو يقول أتمنى أن أموت بـ إف-16، لقد اختار موتته، كان يقول: هل أموت كما يموت البعير؟ وكأنه استحضر كلمات سيف الله المسلول رضي الله عنه، وأراد أن يخبر خالد ابن الوليد أنه ترك في غزة رجال يحذون حذوه ويقتفون نهجه وتبكي أعينهم أنهم لم ينالوا الشهادة في سبيل الله. لقد خشي “السنوار” على نفسه أن يموت بوباء أو سكتة قلبية أو أي مرض فتاك، خشي أن يموت هكذا، ولكنه تنمى الشهادة، فكانت كلماته وفلتات لسانه تطوق إلى الشهادة في سبيل الله، وكأنه أيضا استحضر مقول لـ نيتشه: “الرجل العظيم هو الذي يعرف كيف يموت”!، لكن هيهات هيهات “نيتشه” لو أنك رأيت “السنوار” لعرفت من هم الرجال، وكيف يختارون موتتهم بصدقهم مع الله عز وجل.
الرجال يا سادة مثل “السنوار” اختار كيف يعيش عزيزًا ويموت كريمًا، كيف يعيش مقاومًا ويموت شهيدًا، وهي أصدق مشاعر يمكن أن تسكن قلب مؤمن. وتذكرت قول” بول فاليري”: الرجل العظيم هو من يترك الآخرين في حيرة بعد وفاته. فوجدت أن “السنوار” حتى في موته أحزن اليهود وأحزن أصدقاء اليهود من حكامنا وكل الخونة، لأنه جلس على كرسيه كالملك وهو يرمي العدو وهو في أخر رمق، لم ينشغل بجراحه، ولم يظهر ألمه ليشمت فيه عدوه، بل ترك العالم في حيرة وحال لسانهم يقول: من أين هذا الرجل؟ وكيف تربى؟ وما الذي يجعله بتلك البسالة؟
الحديث طويل وتفاصيله كثيرة والتغني بها سيكون أعذب وأروع الألحان، وسوف يأتي اليوم الذي نستحضر فيه تلك الآية {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ}، سوف نروي قصصكم للأجيال ليتعلموا أنه كان في غزة رجال، رجال واجهوا العالم بأسره ولم يستطيعوا كسر إرادتهم أو إثنائهم عن هدفهم، رجال لم يتغيروا أمام المال والشهوات والمناصب وكافة المغريات، رجال بفضل الله (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ).
اللهم ألحقنا بهم غير مبدلين واجعلنا يا ربنا ممن ينصرهم وارزقنا عملا صالحا به ترضى عنا يارب العالمين

إقرا ايضا:الوسطية في القرآن الكريم 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى