علماء من عصرنا

الشيخ أحمد القطان: خطيب الأمة ونصير الأقصى

السيرة الذاتية للشيخ أحمد القطان – رحمه الله –
النشأة والتكوين

هو الشيخ أحمد بن عبد العزيز القطان التميمي، وُلد يوم الجمعة 12 المحرم 1366هـ الموافق 6 ديسمبر 1946م في حي المرقاب بدولة الكويت، في أسرة كريمة اشتهرت بمهنة القطن، فعُرفت بـ”القطان”، وينتمي إلى قبيلة تميم العريقة من آل الفواز. كان أكبر إخوته التسعة، ونشأ في بيت تغشاه البساطة والتواضع، لكنه حمل منذ صغره ملامح القيادة المبكرة، من جرأة على مواجهة الجمهور، وفصاحة لسان، وحب للمعرفة والقراءة.

تلقى تعليمه في مدارس الكويت، فتخرج في معهد المعلمين عام 1968م، وامتهن التعليم ثلاثين عاماً معلماً وموجهاً ووكيلاً، خرّج خلالها أجيالاً على حب الفضيلة والدين والوطن.

التحول الدعوي والفكري

في شبابه عايش بعض التيارات الفكرية كالشيوعية، لكنه لم يلبث أن عاد إلى رحاب الإسلام، متأثراً بالحركة الإسلامية. ومنذ أن خطب أول مرة عام 1976م، ارتبط اسمه بـ”منبر الدفاع عن المسجد الأقصى”، وصار من أبرز رموز الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

كان صوته هادراً في مواجهة الطغيان، يصدع بالحق في قضايا الأمة الكبرى: مأساة فلسطين والقدس، مذبحة حماة في سوريا، حلبجة في العراق، جراح أفغانستان، واضطهاد الأقليات المسلمة في آسيا وأفريقيا.

شيوخه وأثرهم فيه

تتلمذ على أيدي نخبة من العلماء والدعاة، أبرزهم:

الشيخ حسن أيوب.

الشيخ حسن طنون.

الشيخ عبد الحميد كشك – وكان له أثر بالغ في خطبه.

الدكتور جاسم مهلهل الياسين.

الشيخ طايس الجميلي.

منهجه في الدعوة

انتهج الشيخ القطان – رحمه الله – منهج أهل السنة والجماعة، جامعاً بين الوسطية والاعتدال، والغيرة على الدين والحرص على وحدة الأمة. كان شعاره الدائم:

“إنما المؤمنون إخوة”، والساحة تسع الجميع، وكلٌّ على ثغر يكمل الآخر، وغايتنا جميعاً رضوان الله والجنة.

امتازت خطبه بثلاثية فريدة: قلب مفكر، وبيان مصور، ولسان معبر. فكان يخاطب العقل بالحجة، والوجدان بالعاطفة، ويقنع القلوب قبل العقول. وكان قدوته في فن الخطابة الشيخ عبد الحميد كشك.

مؤلفاته وأعماله العلمية

ترك الشيخ إرثاً علمياً ودعوياً غنياً، من مؤلفات وسلاسل ومحاضرات، تجاوزت الـ 55 مؤلفاً، منها:

هارون الرشيد الخليفة المظلوم.

محمد بن عبد الوهاب إمام التوحيد.

شيخ الإسلام ابن تيمية.

تربية الأبناء في الإسلام.

التذكرة للدعاة.

مواقف إيمانية.

إضافة إلى سلاسل صوتية ومرئية مشهورة مثل: إعداد الفاتحين، السيادة لله، اللمسات المؤمنة للأسرة، مع الشباب، ثورة الشعب الفلسطيني، العفن الفني.

كما ترك إرثاً عظيماً من الخطب والدروس التي تناولت قضايا العقيدة والعبادة والتربية والسلوك، منها: عذاب القبر، غض البصر، حياة البرزخ، علامات الساعة، رحلة إلى الدار الآخرة، انتبهوا أيها الغافلون، إصلاح ذات البين، أثر الذنوب والمعاصي.

نشاطه الخيري والاجتماعي

لم يكن الشيخ خطيباً فقط، بل كان مربياً ومصلحاً ومؤسساً للعمل الخيري. أسهم في لجان التعريف بالإسلام بالكويت، التي اهتدى على أيديها الآلاف، وشارك في إنشاء مدارس ومساجد ودور أيتام في أفريقيا وآسيا. كما كان له دور مشهود أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990م في توحيد الصف وشرح القضية الكويتية في المحافل الدولية.

تلاميذه

تخرج على يديه عدد من الدعاة والعلماء البارزين، مثل:

أ.د. محمد العوضي.

أ.د. طارق السويدان.

الشيخ سعود الشريم.

د. علي العمري.

خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي السابق لحماس).

الشيخ يوسف السند.

حياته العائلية

تزوج مرتين، ورُزق أربعة أبناء (عبد الله، إبراهيم، عبد الرحمن، محمد)، وعشر بنات (جنان، حنان، عروب، بنان، إيمان، نور، موضي، حصة، مريم، ديمة). وعُرف ببره العميق بوالديه، حتى كان مضرب المثل في ذلك.

وفاته

توفي – رحمه الله – صباح الإثنين 22 شوال 1443هـ الموافق 23 مايو 2022م، عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد وعكة صحية مفاجئة، ودُفن في مقبرة الصليبخات بالكويت. وكان آخر ما ختم به في ديوانية جمعية الإصلاح الاجتماعي قوله المؤثر:

“في القدس قد نطق الحجر.. لا مؤتمر.. لا مؤتمر.. أنا لا أريد سوى عمر.”

إرثه الدعوي

على مدى أكثر من خمسين عاماً، ظل الشيخ أحمد القطان مدرسة دعوية متفردة، يجمع بين حرارة الإيمان وقوة الحجة وصدق الكلمة. لم يكن خطيباً عابراً، بل كان صوتاً للأقصى وفلسطين، ولساناً للحق في وجه الظلم، ومعلماً ومربياً للأجيال. ترك وراءه علماً وذكراً ودروساً باقية، تُكتب له صدقة جارية إلى يوم القيامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى