مقالات مختارة

الإسلاميون: مشاريع الإنسانية المريحة أو المسكنة الذميمة. د. سعيد الغامدي

اليوم لم يعد يكفي المؤمنين من أهل الإصلاح العام وأصحاب العلم والتوجيه والتربية وأهل المال والجاه والنفوذ أن يهزّوا أكتافهم قائلين:
“ماذا نفعل؟ أوقات عصيبة. عهود قاسية.الله يعيننا.هذا آخر الزمان”
يقولون ذلك متألمين أو متعجبين
قبل أن ينسحبوا إلى ملاجئ المسكنة الذميمة واللاجدوى !
وسيعمل بعضهم بتدينه المطوَّر ليخفف من شأن الدين حتى يتناسب مع الأجواء الشائعة ! ” إن أطاعك السوق وإلا فأطعه ”

وآخرون ينحصر حراكهم في المشاريع الإنسانية المريحة، والجولات الدينية، وطبع الكتب، وشرح المتون ،والردود الأكاديمية، والنقاشات القديمة، ومضغ الممضوغ من القضايا،وفعاليات الدعوة الزاهية التي تُقام حولها موائد الطعام، وإنتاج نسخ بشرية من المتن العلمي أو الدعوي وفق خطوط الإنتاج المتآكلة، وكل هذا مرهون بسماح الجهات الرسمية المعنيّة بتجفيف المنابع وشيطنة الممانع أو حبسه !!
وسواء أسمحت بذلك أو ببعضه أو منعت فإن من حاملي العلم والدعوة من يوزّع مسكّنات لعموم الناس وللشباب خاصة من قبيل : “نحن بخير. أحسن من غيرنا.هذا هو المتاح.نصبر ونحتسب. ننكر بقلوبنا .ننتظر حدوث أمر غيبي يغير الأوضاع ”
ثم في هذا الفضاء الواجف الخامل قد تتضخم مقولات تتجاوز حدّ المسكّنات من قبيل :
“تعادل القوة .موازين الضرورة والضرر . والأمن أهم من العدل .عدم الانخراط في الشؤون السياسية، فهي ليست من اختصاصنا”
ليزدحم حينئذ قطار “غلاة الطاعة “حتى بمن ليس منهم حقيقة ! وحين لا يجد بعضهم مقاعد مؤمّن على أصحابها في الداخل فإنهم سيتسلقون إلى سطح القطار ويتشبّثون بأبوابه في مشهد مكثف يعيد صورة قطارات الهند !
والمشكل الآخر أن كثيراً ممن يؤمّل فيهم أو يتوقع منهم التمرد على مفارخ الإفساد والإضلال ؛ينتظرون على أرصفة الأرض اليباب، وكأن الظلم سينتظرهم ليرتاحوا أو يروا النور.أو يتنفّسوا الحرية !
وعندئذ ينتشر التثاقل إلى الأرض ويتوسع أثره تدريجياً ، بمسوغات فقهية وتأويلات مختلفة.
فإذا بهم وببطء متخم، ودون أن يدركوا، تبدأ القلوب بالتصلب والبرود، فلا تكاد تتحرك لسفك الدماء، ولا للظلم المعلن ، ولا للإفساد الممنهج، ومن ثَمَّ لا تتوق إلى حقيقةٍ أو تغيير.
هذه الأوضاع النخرة ليست مجرد مسائل “سياسية”. هذه أمورٌ تمسُّ التوحيد وأصول الإيمان، ومقاصد الشريعة، كواجب الدفاع عن الحق، وتكريم المقدسات، وحفظ حقوق الأخوّة في الدين، ودفع الظلم، ونشر دين الله.وردع قُطّاع الطريق الموصل إلى الله.

إن القرآن العظيم لم ينزل للتلاوة في أوقات الراحة، بل أُنزِلَ أيضاً لأوقاتٍ عصيبة كهذه.
وكما أن القرآن جاء ليهدي ويبين ويرشد، فقد جاء ليُوقظ، وليُحرِّر.
فهو ليس مجرد علم منعزل ، ولا مجرد صوتٍ يُتلى. أو تبركّات تُرجى ، بل هو وقبل كل شيء منهج يبني الإنسان ويحرره ويدفعه ليكون جديراً بالشهود الإيمانيّ والعدلي والحضاري.
يبني نفوساً تتوق إلى قرب الله والنجاة في الآخرة، وتتوق أيضًا إلى إحقاق الحق في الدنيا ودفع الباطل وإقامة العدل في الدنيا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى