من مفاتيح الصلاح.. الهمة والمداومة

من مفاتيح الصلاح.. الهمة والمداومة

بقلم هدى عبد الرحمن النمر

أولاً/ الهمة والحافز الداخلي

يعرّف السيوطي مراتب الإرادة والقصد كالتالي:

1. الهاجس وَهُوَ أول مَا يُلْقَى فِي الْقَلْب.ِ
2. ثم الخاطر وهو جَرَيَانُ الهاجس فِي الْقَلْبِ وَدَوَامُ تَرَدُّدِهِ عَلَيْهِ.
3. ثم حديث النفس وَهُوَ تَرَدُّدُهُ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ لَا.
4. ثم الهم وَهُوَ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْك.ِ
5. ثم العزم وَهُوَ قُوَّةِ الْقَصْدِ وَالْجَزْمِ بِهِ بِحَيْثُ يُصَمِّمُ الْقَلْبُ فِيهِ عَلَى القرار.
6. وبعد العزم يأتي الفعل والتنفيذ.

فإذن أولى درجات إشعال جَذوة الهمة في قرارة نفسك هو أن تنفض عنك غبار الغفلة والسلبية واللامبالاة ، فتتيقظ وتتفكر فيما ورد حتى الآن، وبدوام التفكير في الأمر وتحويله إلى همٍّ وشغل شاغل تبدأ الجمرة في الاتقاد شيئا فشيئا، حتى تصير لهيبا فحركة دافعة مستمرة، قد تفتر لكنها لا تخمد ولا تحيد بعون الله تعالى.
فإذا كان الهم والانشغال برضا الله تعالى يحفظ سيرك أن يحيد، فلا بد إلى جانب ذلك من عوامل تذكرة دائمة ومتنوعة تعين على الثبات، وتكون بمثابة الوقود للهمة كلما خبت جذوتها أو فترت شرارتها.

إذا كان الهم والانشغال برضا الله تعالى يحفظ سيرك أن يحيد، فلا بد إلى جانب ذلك من عوامل تذكرة دائمة ومتنوعة تعين على الثبات

وحبذا لو كان لك ورد ولو أسبوعي من التذكرة الإيمانية التي تجدد شباب همتك، كمقاطع التذكرة والرقائق المنتشرة على اليوتيوب، أو من قصص مشاعل التاريخ وقادة البشرية، ودراسة حال السابقين والأئمة المُقتدى بهم. قال ابن المبارك رحمه الله: “سير الصالحين جندٌ من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده”.

ونلفت النظر إلى أن وجود صحبة أو فريق مشارك في الهم والاهتمامات معين على الثبات لا شك، لكنه في هذه الحالة عامل خارجي لا داخلي، قد لا يتيسر تحصيله على الدوام أو للكل سواء، وليس للمرء قدرة إلزام أو سلطة إلا على نفسه ودواخله، وهذا مما يملكه كل أحد. ولذلك كان مقياس الهمة الحقيقية هو في أوقات خلوتك بنفسك وصناعة قراراتك وحدك، فلا يستقيم أن يحضر عزمك للعمل فقط حين تكون وسط مجموعة، ثم إذا انفردت كسلت وفترت واستثقلت . اليقظة للدوافع والعواقب من الأسس التي تحفظ من هذا الخلل.

لا يستقيم أن يحضر عزمك للعمل فقط حين تكون وسط مجموعة، ثم إذا انفردت كسلت وفترت واستثقلت

ثانياً/ أدومها وإن قل

إن استبدال طبع بطبع يشبه تماما فِطام الصغير عن اللبن وتعويده على الطعام . هل يعقل أن يُمنع الطفل من اللبن بَغتة، بل ويعطى أكلة دسمة ليأكلها! بداهة لا بد من التدرج في فطام الطفل، ثم لا بد من مراعاة مناسبة الطعام المقدم له رويداً رويداً. نفس القاعدة تنطبق على فطام النفس عن طبع أو عادة، وإبدالها بأخرى خير منها.

ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام: “إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق” [رواه أحمد]، وفي رواية زيد: “فإن المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع، ولا ظهرا أبقى” أي أن المتعجل في السير سيرهق الدابة ولن يبلغ المحل مع ذلك. فالمتعجلون للتغيير لا هم يتغيرون، ولا هم يستريحون ويريحون!

المتعجلون للتغيير لا هم يتغيرون، ولا هم يستريحون ويريحون!

ولنضرب مثالين يختصران الكلام:

• الاستيقاظ ساعة مبكراً عن موعدك العادي: مجرد الطموح إلى تحصيل ذلك بضبط المنبه ليلة اتخاذ القرار هو أولى خطوات الإحباط والفشل الذريع مقدما، خاصة إذا كنا نتكلم عن التعود على ذلك، لا تحقيقه ذات مرة والسلام.

ومن الناس من يتوقع هذا الفشل فيكف عن المحاولة من البداية، ويقنع بالعيش بين الحفر أبدا، في مقابل الصنف الذي يبغي صعود الجبال في ليلة.

الوسط بين هذين بكل بساطة، يعني أن تقسّم الهدف إلى خطوات مرحلية، تماما كرحلة تسلق الجبل. فلو ضبطت المنبه 5 دقائق فقط مبكراً كل ليلة، في خلال 12 ليلة – نموذجيا – يمكنك الاستيقاظ ساعة مبكراً، بغير أن تستحيل عملية النوم والاستيقاظ عذابا أكيداً!

والمثابرة على هذا النوع من التدريب كفيل بعون الله تعالى وتوفيقه على تحصيل ما ترجو من كل هدف مهما أخذ من وقت، فالسير ببطء إلى قوة، خير من العجلة المُضنية أو الركود المؤذي.

• والمثال الثاني الشهير: حفظ القرآن الكريم. وأصحاب هذا الهدف ممن لم يتمكنوا من تحقيقه بعد، تجدهم إما أن يحفظوا صفحات في اليوم أو لا شيء إطلاقا. والوسط بين هذين هو تحديد المدة التي تبتغي فيها ختم الحفظ، ولنقل مثلا سنة، بقسمة حسابية يتضح أن المقدار المطلوب يومياً 17 آية، أو 10 آيات على الأقل. وبترك وقت للمراجعات الدورية، يمكن أن تختمه بعون الرحمن حفظا في سنة ونصف أو سنتين.

كثيرون قد يستقلون هذا الرقم الصغير للوهلة الأولى: “عشر آيات فقط” والرد يكون بتأكيد قاعدة: لا قليل مع المداومة، ولا كثير مع الانقطاع.

وكم من السنوات أهدرت بغير الالتزام لا بالصفحات ولا بالعشر آيات!

فأي الفريقين أهدى يا أولي الألباب؟

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى