مقالات المنتدى

كلمة حقّ عند سلطان جائر…. بقلم أ.د. محمّد حافظ الشريدة

كلمة حقّ عند سلطان جائر

كلمة حقّ عند سلطان جائر

✍️ أ.د. محمّد حافظ الشريدة

يقول اللّه تعالی: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾.

فإذا كمل خوف المسلم من ربّه تبارك وتعالی لم ولن يخف أحدًا سواه، ومتى نقص خوفه منه سبحانه زاد خوفه من كلّ من عداه.

ولو أنّ كلّ عالم داعية عظم يقينه بأنّ الأمر كلّه بيد مولاه ولا يضرّ ولا ينفع سواه لبذل وسعه في تبليغ رسالة اللّه، قال رسول اللّه ﷺ: {أفضلُ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عندَ سُلطانٍ جائرٍ أو أميرٍ جائرٍ}.

إنّ كلمة الحقّ هي عنوان الإيمان وميزان الشّجاعة في حياة جميع الدّعاة إلی اللّه في أيّ زمان أو مجال أو زمان، وهي ليست مجرّد كلمة تقال لكنّها موقف يعبّر عن إخلاص العبد وصدق القلب في الدّفاع عن هدي نبيّنا محمّد ﷺ، وقد عظّمت الشّريعة الإسلاميّة شأنها حتّى قال الصّادق الأمين ﷺ: {سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ورجلٌ قام إلى إمامٍ جَائِرٍ فأمرَهُ ونَهاهُ فَقَتَلهُ} أي قام إلى سلطان ظالم فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله الإمام الظّالم بسبب تقديم النّصيحة له!

إنّ الصّحابيّ الجليل حمزة رضوان اللّه عليه سيّد شهداء الدّنيا والآخرة والآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر المذكور في هذا الحديث، كذلك سيّد الشّهداء حينما يقوم النّاس لربّ العالمين لمخاطرته بنفسه أغلی ما يملك في سبيل مولانا -المالك الملك-، وفي هذا الحديث الشّريف بيان الثّواب الجزيل لكلّ من مات في سبيل إعلاء كلمة الحقّ بصدق أمام كلّ حاكم ظالم أو فاسق!!

إنّ الجهاد في سبيل المولی غير محصور في ساحة الوغی فميادينه كثيرة.

وأفضل الجهاد هو الذي يكون في سبيل ربّ العباد، ﷻ وفي الجهر بالحقّ أيّا كانت صورته قولًا أو كتابة؛ ذلك أنّ الحاكم لو أخذ بنصيحة العالم لربّما عمّ النّفع كلّ مواطن.

إنّ الجهر بالحقّ في وجه الظّالم يحتاج إلى جَنان من لا يخاف إلا الخالق المنّان، ولسان لا ينطق إلا بالصّدق، ثمّ نيّة خالصة لا تبتغي سوی وجه الرّحمن!

وممّا ينبغي التّنبيه عليه في هذا المقام: أنّ السّلطان الظّالم هو كلّ من تولّى أمرًا فلم يحكّم شريعة اللّه سواء كان حاكمًا أو زعيمًا، والظّلم لا يقتصر على وليّ الأمر فحسب! بل يشمل كلّ من يستغلّ سلطته في معصية الرّبّ، وإنّ قول الحقّ أمام مسؤول جائر جهاد بالنّفس واللسان معًا إذ به يقاوم المسلم ضعفه وخوفه ويجهر بما أمره به ربّه.

وقد ضرب الأنبياء عليهم السّلام والعلماء الأعلام أروع الأمثلة في الجهر بالحقّ أمام الحكّام:

فها هو ذا موسى الكليم ﷺ يواجه فرعون اللئيم!
وها هو ذا الإمام سعيد بن جبير لا يبالي بجبروت الحجّاج الشّرّير!
وها هو ذا الإمام المبجّل ابن حنبل يثبت في محنة خلق القرآن كالجبل وكاد من شدّة التّعذيب أن يقتل!

ونقول في هذا المقام: إنّ كلّ واحد من الأئمّة الأربعة الكرام سجن وعذّب وكاد عنقه أن يضرب هؤلاء العلماء الأتقياء علّموا أتباع خاتم الأنبياء ﷺ.

أنّ الكلمة الصّادقة قد تكلّف صاحبها وظيفته وحرّيّته وحياته! ولكنّها ترفعه عند ربّ العالمين ﷻ إلى منزلة الشّهداء والصّدّيقين!

في جاهليّة القرن الحادي والعشرين لم تعد كلمة الحقّ محصورة في وجوه السّلاطين! بل إنّها تشمل كلّ موقف يظلم فيه المواطن! فقد تكون قلمًا يكتب أو شهادة تنصف أو موقفًا يردع المجرم

وكلّ من سكت عن الباطل تملّقًا لأولياء الأمور: فقد شاركهم في الإثم والجور! وما دام الرّزق أو الأجل بيد مولانا وحده عزّ وجلّ فلا نامت عين كلّ رعديد وَجِل!!

كلّ واحد من السّادة الأئمّة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشّافعيّ وأحمد بن حنبل عذّب وفي السّجن قد ضرب إنّ هؤلاء العلماء الأتقياء علّمونا نحن أتباع خاتم الأنبياء ﷺ أنّ قول الكلمة الصّادقة قد تكلّف صاحبها نهاية حياته أو حرّيّته أو وظيفته أو ماله لكنّها في الوقت ذاته ترفعه إلى منازل الشّهداء والصّدّيقين والصّالحين..

ولا جرم أيّها الأخ المسلم المحترم أنّ الجهر بالحقّ ليس محصورًا في وجه الحاكم الظّالم، بل إنّه يشمل كلّ موقف يظلم فيه أيّ مواطن فقد يكون قلمًا يكتب أو شهادة تنصف إنّ كلّ من يسكت عن الباطل تملّقًا لأيّ مسؤول أو وليّ أمر ظالم فإنّه يعتبر مشاركًا له في الإثم بهذا السّكوت المهين وقد خسر شرف الكلمة بخوفه من بطش السّلاطين!

إنّ الدّاعية الأمين لا يسعی لمواجهة الظّالمين لينال مدح المواطنين لكنّه يقول الحقّ حين يغيب العدل ويظهر النّفاق ولا يبيع ضميره بثمن من الدّنيا قليل لأنّه يعلم أنّ علّام الغيوب ﷻ مطّلع على ما في القلوب وأنّ الصّمت عن الجهر بالحقّ المبين هو خزي بل خسارة في الدّارين وها نحن أولاء نقول بالمختصر لعلماء السّلاطين أو القصر: لماذا يباح لمن سمّي وليّ الأمر الخروج علی حكم المليك المقتدر ويحرم علی العلماء أهل الذّكر أن يفتوا بالخروج عليه عند توفّر كلّ شرط شرعيّ قد أجمعوا عليه ومعتبر؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى