
تأملات في فقه النصر والتمكين (1)
بقلم د. حسن السلهاب( خاص بالمنتدى)
بدون شك أن الضريبة التي تٌدفع حاليا سواء في غزة أو ممن أمنوا بفكرة التمكين لدين الله في الأرض كبيرة وعظيمة، لكنها ليست بغالية في سبيل الله عز وجل، فالغاية التي نعمل من أجلها تسحق أن يٌبذل من أجلها الكثير والكثير.
لذا، كم نحن بحاجة إلى جيل يتسلح بالعلم والعمل، ودعاة أخلصوا لله عز وجل في كل حالاتهم، نريد جيلا مجتهدا ومٌجدا يعرف غايته ويقدم من أجلها الغالي والنفيس، نريد جيلا غيورا على دعوته وعلى أمته حتى يأتي وعد الله عز وجل بإعزاز تلك الأمة بهذا الجيل الفريد.
وبالنظر في قصة التمكين لسيدنا يوسف عليه السلام لنا وقفة تأمل حيث يقول الله تبارك وتعالى: {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} الآية (22)
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} الآية (56)
بين الآيتين أربعة وثلاثون آية، ففي الآية رقم 22 تمكين ليوسف في الأرض رغم أنه تم بيعه كعبد، وأنه مع مراحل أخرى بعد كيد إخوته وإلقائه في الجب، تبدأ مرحلة العبودية والتي سوف تليها مراحل أخرى من الابتلاءات، وعلى الرغم من ذلك يقول الله عز وجل (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) وفي نفس الآية (وَلِنُعَلِّمَهُ). وأظن والله أعلم أن من مراحل إعداد الشخصية التي سوف يتم تمكينها أن تُمحص وتبتلى وتمر بمراحل متنوعة ومتعددة حتى يتم لها التمكين، وأيضا لابد من العلم القوي النافع الذي يجب أن يتسلح به الداعية ليعينه بعد فضل الله عز وجل في تبليغ رسالته ونصرة قصيته.
إنها مرحلة الإعداد والتأهيل التي تسبق التمكين، فالتمكين لا محالة سوف يأتي لكي يطمئن قلب الداعية المجاهد المخلص في دعوته وفي عمله، المتوكل على ربه. وكم نحن بحاجة إلى أن نفهم سنن الله تبارك وتعالى كيف تمضي، ولكن المعرفة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتبع تلك المعرفة الإيمان العميق والفهم الدقيق والاستعداد القوي لما سوف يأتي بعد ذلك من محن قاسية ومواقف مُزلزلة.
ومن الملاحظ أن الآية الأولى (22) أشارت إلى التمكين الجزئي ليوسف عليه السلام، والآية الثانية (56) التي وردت بعد مرحلة طويلة من التمحيص والابتلاء وبعد 34 أية يكون فيها التمكين الكلي.
التمكين يأتي ولو بعد حين، لكن للتمكين ضريبة وثمن لابد أن يتم تأديته حتى يكون للنصر قيمة يعرفها الجيل بعد الجيل. وهكذا ثلة المؤمنون في أرض غزة، بفضل الله تم إعدادهم بدنيا ونفسيا وفكريا وقبل ذلك إيمانيا، إيمان بأن الغاية تستحق التضحية، والأرض والقدس يٌبذل لها الغالي والنفيس، وشرف الأمة لا يقوم به إلا الرجال المخلصين، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، رجال رفضوا الإنحناء للباطل وإن كثر عدده، أو يعطوا الدنية في دينهم أبدا، أو تٌغيرهم المناصب والبيوت التي يسيل لها لٌعاب الضعفاء، لأن من فقه التمكين وشروطه التي سوف نتعرض لها في مقال منفرد بعد ذلك “التجرد لله عز وجل والتضحية بالنفس والمال وبكل ما نملك” من أجل رضا الله عز وجل.
إقرأ أيضا:الطامة في الإنصات لأهل الجهل