
بيانٌ شرعيٌّ ودعوةٌ للاستنهاضِ من علماءِ الشريعةِ الإسلاميةِ
حولَ العدوانِ الصهيونيِّ الغاشمِ على الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ رسولِ اللهِ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإننا، علماء الشريعة الإسلامية، نُعلنُ للخاصةِ والعامةِ، ونُشهدُ اللهَ على ما نقولُ، عن عميقِ أسفنا وشدةِ استنكارنا لما يجري على أرضِ الإسلامِ والمسلمينَ من اعتداءاتٍ سافرةٍ وعدوانٍ مستمرٍّ ترتكبُهُ قوى الظلمِ والطغيانِ الصهيونية، والذي بلغَ ذروتَهُ في المجازرِ المروعةِ الجاريةِ في فلسطينَ، وبخاصةٍ في قطاعِ غزةَ المحاصرِ، وامتدادِ نيرانِ هذا العدوانِ الأثيمِ لتطالَ إخوتنا في لبنانَ واليمن وسوريا. إن هذه الأعمالَ الإجراميةَ تُعدُّ انتهاكاً صارخاً لحرماتِ اللهِ ودماءِ المسلمينَ، وتحدياً سافراً لأحكامِ شريعتنا الغراءِ التي جاءتْ لحفظِ الضرورياتِ الخمسِ، وفي مقدمتها حفظُ النفسِ، بل وتجاوزتْ ذلكَ إلى انتهاكِ حرمةِ الزمانِ والمكانِ.
إنَّ هذا العدوانَ الغاشمَ ليسَ حدثاً عابراً يُمكنُ المرورُ عليهِ بلامبالاةٍ، بل هوَ نداءٌ إلهيٌّ واستنهاضٌ ربانيٌّ يُلقي بمسؤوليةٍ عظيمةٍ على عاتقِ كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، أفراداً وجماعاتٍ، حكاماً ومحكومينَ، ويستوجبُ منا فِعلاً جماعياً وفردياً لا يحتملُ التأخيرَ أو الترددَ.
إن موقفنا هذا ليسَ مجردَ ردِّ فعلٍ عاطفيٍّ، بل هوَ واجبٌ شرعيٌّ مُلزِمٌ مستمدٌّ من نصوصِ الكتابِ والسنةِ المطهرةِ، وهوَ الدافعُ الأساسيُّ لدعوةِ الاستنهاضِ هذهِ:
وجوبُ نصرةِ المستضعفينَ والجهادُ في سبيلِهم: قالَ اللهُ تعالى في محكمِ تنزيلِهِ آمراً بالجهادِ في سبيلِ إنقاذِ المظلومينَ والمستضعفينَ: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (النساء: 75). فدعمُ المظلومينَ واجبٌ شرعيٌّ على القادرِ، والقعودُ عن نصرتهم مع القدرةِ خذلانٌ يُناقضُ مقتضى الإيمانِ ويُعرِّضُ فاعلهُ للوعيدِ.
إن دماءِ الآلافِ من إخواننا وأخواتنا وأطفالنا تُسفكُ ظلماً وعدواناً، وتُحرمُ عليهم أبسطُ حقوقِ الحياةِ! إنَّ هذهِ الدماءَ الطاهرةَ تُناديكم، وتُحمِّلكم جزءاً من المسؤوليةِ.
وجوبُ إنكارِ المنكرِ والعملِ على تغييرِهِ لقوله صلى الله عليه وسلمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» (رواه مسلم). والاعتداءُ على الأمةِ واستباحةُ دمائِها من أعظمِ المنكراتِ التي لا يسعُ مسلماً السكوتُ عليها، بل يجبُ السعيُ الجادُّ لتغييرِها بكلِّ وسيلةٍ مشروعةٍ ومؤثرةٍ.
إن مسؤولية الأمة أن تكون كالجسد الواحد كما وصفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ المسلمينَ بالجسدِ الواحدِ الذي يتفاعلُ أجزاؤهُ ويتألمُ بعضُهُ لبعضٍ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (متفق عليه). وما يجري في فلسطينَ وغزةَ ولبنانَ واليمن وسوريا هوَ جرحٌ نازفٌ في جسدِ الأمةِ، يستوجبُ تداعيَ الكلِّ لنصرتِهِ وتضميدِ جراحِهِ، كلٌّ منْ موقعِهِ.
إن العلماءِ، ورثةَ الأنبياءِ، وحملةَ لواءِ الشريعةِ، إنَّ مسؤوليتكم اليومَ عظيمةٌ، ودوركم محوريٌّ في قيادةِ الأمةِ وتعبئتِها. عليكم واجبٌ شرعيٌّ لا يسقطُ، يستوجبُ منكم الاستنهاضَ والتعبئةَ الفعالةَ:
كونوا مناراتٍ هاديةً وأصواتاً مدويةً: لا تكتفوا بالإدانةِ، بل كونوا صوتاً للحقِّ يُبيِّنُ للأمةِ حقيقةَ ما يجري من عدوانٍ، ويُوضحُ الأحكامَ الشرعيةَ المتعلقةَ بواجبِ النصرةِ والجهادِ بكلِّ صورِهِ المشروعةِ، ويُحرِّضُ على الفِعلِ الإيجابيِّ.
وَحِّدُوا صفَّكم وقوُّوا كلمتَكم: إنَّ اجتماعَ كلمتِكم على الحقِّ وقضايَا الأمةِ مصدَرُ قوةٍ وإلهامٍ للمسلمينَ جميعاً. احذروا الاختلافَ والفرقةَ في هذا الظرفِ العصيبِ، فإنَّها تُوهنُ العزائمَ وتُضعفُ الصفَّ وتُخذِّلُ الأمةَ.
احملوا الأمةَ على العملِ: استخدموا منابرَكم، ودروسَكم، وفتاواكم، وعلومَكم لحثِّ الأمةِ على التمسكِ بدينِها، وتقويةِ إيمانِها، وبذلِ ما تستطيعُ لنصرةِ إخوانها، امتثالاً لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلمَ: «مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» (رواه أحمد).
إلى من حملوا أمانةَ قيادةِ شعوبِ الأمةِ الإسلاميةِ، إنَّ مسؤوليتكم أمامَ اللهِ والتاريخِ جسيمةٌ. إنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تُطالبكم اليومَ بما يفوقُ التصريحاتِ والإداناتِ. واجبُكم الشرعيُّ يفرضُ عليكم موقفاً حاسماً وفِعلاً قاطِعاً يُوقفُ هذا العدوانَ ويُعيدُ الحقَّ إلى أهلِهِ. اذكروا قولَ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال: 27).
استنفِرُوا طاقاتِ الأمةِ ومواردَها: إنَّ ما تملكونَ من قوةٍ ومواردَ بشريةٍ وماديةٍ هوَ أمانةٌ في أعناقكم، يجبُ توجيهُها لنصرةِ دينِ اللهِ وعبادِهِ المظلومينَ، لا للصمتِ والتخاذلِ الذي يُعدُّ خيانةً للأمانةِ.
وَحِّدُوا صفَّكم في مواجهةِ العدوِّ: إنَّ وحدةَ الصفِّ واجتماعَ الكلمةِ بينكم واجبٌ شرعيٌّ لا خيارٌ فيهِ، قالَ اللهُ تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103). لا يجوزُ أن تُفرِّقَكم المصالحُ الضيقةُ عن نصرةِ قضايا الأمةِ الكبرى ودماءِ أبنائها.
بادِرُوا للفعلِ ولا تنتظرُوا: إنَّ كلَّ لحظةٍ من صمتِكم أو تأخُّرِكم هيَ ثمنٌ باهظٌ تُدفعُ من دماءِ الأبرياءِ، وتُضيفُ انتهاكاً لحرماتٍ أخرى. هبُّوا لنصرةِ الحقِّ، واستخدِموا كلَّ ما أوتيتم من قوةٍ لحقنِ دماءِ المسلمينَ ورفعِ الظلمِ عنهم. إنَّها ساعةُ الحسمِ في الأفعالِ لا الأقوالِ، وسيسألُكم اللهُ عن رعيتكم وعن كلِّ مظلومٍ كانَ بإمكانِكم نصرتهُ فلم تفعلوا.
إلى المسلمين في كلِّ مكانٍ، و الأحرارُ الذينَ تأبى ضمائرُهم الظلمَ والعدوانَ، إنَّ نصرةَ إخوانكم واجبٌ عليكم كلٌّ حسبَ استطاعتِهِ. إنَّ المسؤوليةَ ليستْ حكراً على أحدٍ دونَ أحدٍ، بل هيَ واجبٌ فرديٌّ وجماعيٌّ على كلِّ واحدٍ منا. لا يقُلْ أحدُكم: “ماذا أستطيعُ أن أفعلَ وحدي؟”. كلٌّ يستطيعُ أن يفعلَ الكثيرَ إذا صَدَقَتْ نيتُهُ وعَظُمَتْ عزيمتُهُ. قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» (رواه البخاري، وفي روايةٍ: تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ).
هلمُّوا إلى ساحاتِ الجهادِ بالمالِ واللسانِ: لا تبخلوا بأموالكم على دعمِ الصامدينَ والمرابطينَ، فإنَّ البذلَ في سبيلِ اللهِ من أعظمِ القرباتِ. جاهدوا بألسنتكم وأقلامِكم ووسائلِكم في فضحِ العدوانِ وبيانِ الحقِّ، وتذكيرِ الناسِ بعظمِ الجرمِ المرتكبِ وتجاوزه للحرماتِ. قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» (رواه أبو داود).
كونوا أصوتت الحقِّ وسفراءَ القضيةِ: لا تدَعُوا صوتَ إخوانكم يُخمَدُ، انشروا حقيقةَ ما يجري، وافضحوا زيفَ الإعلامِ المضلِّلِ. كلُّ كلمةٍ حقٍّ تُقالُ أو تُكتبُ هيَ سهمٌ في نحرِ العدوِّ.
أَلِحُّوا بالدعاءِ: فإنَّ الدعاءَ سلاحُ المؤمنِ الذي لا يُردُّ، وهوَ يُغيِّرُ الأقدارَ بإذنِ اللهِ. ادعوا لإخوانكم بالنصرِ والتمكينِ، وعلى أعدائهم بالهزيمةِ والخذلانِ والتشتيتِ.
استخدموا سلاحَ المقاطعةِ: قاطعوا كلَّ منْ يدعمُ العدوانَ بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ. إنَّها وسيلةٌ ضغطٍ مشروعةٌ ومؤثرةٌ متى اجتمعتْ عليها الأمةُ.
لا تيأسوا، ولا تتوانوا، ولا تتركوا إخوانكم وحدهم في الميدانِ. إنَّ كلَّ فِعلٍ مهما صغُرَ في ميزانِ اللهِ عظيمٌ إذا صَدَقَتْ النيةُ وتوجهتْ للقضيةِ. انهضوا بمسؤوليتكم، فالعاقبةُ للمتقينَ.
ختاماً:
إنَّ هذا البيانَ هوَ صرخةُ حقٍّ من علماءِ الشريعةِ الذينَ يَرونَ واجبَهم بيانَ أحكامِ اللهِ وتذكيرَ الأمةِ بمسؤولياتِها، وهوَ نداءٌ للاستنهاضِ والعملِ الجادِّ والفوريِّ. إنَّ النصرَ من عندِ اللهِ، وهوَ يأتي بعدَ العملِ الصادقِ والأخذِ بالأسبابِ الشرعيةِ كاملةً، والصبرِ والثباتِ، والتوكلِ عليهِ سبحانهُ. قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7).
نسألُ اللهَ العليَّ القديرَ، ربَّ العرشِ العظيمِ، أنْ يُنزلَ نصرَهُ المؤزرَ وعونَهُ المبينَ على أهلِ فلسطينَ وغزةَ وسائرِ بلادِ المسلمينَ، وأنْ يُفرِّجَ كربَهُمْ، وأنْ يتقبلَ شهداءَهُمْ في عليينَ، وأنْ يُداويَ جرحاهُمْ، وأنْ يُوحِّدَ صفَّ الأمةِ على الحقِّ المبينِ، وأنْ يهزمَ عدوَها ويشتتَ شملَهُ ويجعلَ تدبيرَهُ تدميرَهُ.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الموقعون على البيان:
المؤسسات :
– منتدى العلماء
– هيئة علماء فلسطين
– رابطة علماء أهل السنة
– الاتحاد الدولي للإعلام الإلكتروني
– معهد الإمام أبي الحسن للدعوة والفكر الإسلامي
– هيئة علماء المسلمين في العراق
الشخصيات :
– الشيخ أسامة الرفاعي مفتي الجمهورية العربية السورية
– د. سعيد بن ناصر الغامدي الأمين العام لمنتدى العلماء
– د. نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين
– د. محمد الصغير رئيس الهيئة العالمية لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم
– الشيخ محمد خير رمضان يوسف
– أ.د. جمال عبدالستار أمين عام رابطة علماء أهل السنة
– أ.د وصفي عاشور أبو زيد
– أ.د. عبد الله جاب الله
– الشيخ عبدالحي شيخ ادم حسن رئيس ملتقى علماء الصومال.
– الشبخ عبدالمجيد البلوشي
– د. باسل معرواي
– د. محمد عياض عبد اللطيف، جزر المالديف
– د أسامة أبوبكر
– الشيخ فاروق الظفيري عضو شورى رابطة أهل السنة والجماعة في العراق وعضو رابطة أئمة ودعاة العراق
– د. سعيد الشبلي مفكر إسلامي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
٠الشيخ المولوي عبدالحق حماد
– يونس الحسيني الندوي مدير معهد الإمام أبي الحسن للدعوة والفكر الإسلامي
– أنس محمد نبيل الخطيب – باحث سوري
– الشيخ الدكتور قاسم محمد صوان الامين العام للاتحاد الدولي للاعلام الالكتروني
– الشيخ علي اليوسف رئيس قسم القدس في هيئة علماء فلسطين
– د محمد مصطفى الدبك عضو المجلس الإسلامي السوري
– الشيخ رضوان نافع الرحالي
– د. شكري مجولي
– دجابر حمود علي الحجري
– الشيخ مولانا عبدالصبور عباسي
– د. ماجد عليوي
– الشيخ عبدالرحمن المناصير
– د. عمر عبدالله شلح
– الشيخ . عبده رستم
– د. وائل بن أحمد الهمص
– د. انجوغو امباكي صمب
– الدكتور يحيى صالح الطائي، نائب الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق
– الدكتور عبد الحميد العاني.
أقرأ أيضا:بيان استنكار وإدانة لاعتقال وتعذيب العلماء والدعاة وأصحاب الرأي في السعودية