
التربية القرآنية
بقلم د. حسن السلهاب ( خاص بالمنتدى)
في مصر كان عندنا أماكن لتحفيظ القرآن الكريم تسمى “الكُتاَب”، كنا نذهب إليه فنحفظ القرآن فيه، ولكن بعد هذا العمر لم أجد إجابة عن: لماذا لم يكن فيه مكان “بل أماكن” لتعليم أخلاق القرآن؟ لماذا اُشتهر في بلادنا أماكن لتحفيظ القرآن الكريم ولم نجد في مدرسة أو جامعة مكان لتعليم أخلاق القرآن الكريم، ولماذا لم يوضع شرط وهو: لا ينتقل الطالب من صف إلى أخر دون أن يجتاز قولا وعملا أخلاق القرآن المقررة عليه؟
وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن”. وروي الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر قال: “تعلّم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً” (أي شاة). وفي رواية ثمانية.
يقول توفيق الحكيم
إنسان القرآن، هو إنسان القرن العشرين، فإذا تخلق الإنسان بأخلاق القرآن كان بناؤه أفضل وأحسن البناء، لأنه لا يوجد كتاب على ظهر الأرض يقوم ويبني الإنسان مثل القرآن.
لكن بعد التأمل في سؤالي الذي طرحته على نفسي وجدت الإجابة، نعم وجدتها في أهل غزة وفي أطفال غزة وفي نساء غزة وفي أبطال غزة، وجدتهم في المحن تخلقوا بأخلاق القرآن، وفي القيام بالواجب، تخلقوا بأخلاق القرآن، وفي البطولة والشجاعة والتطبيق العملي، تخلقوا بأخلاق القرآن، وفي فلتات ألسنتهم تخلقوا بأخلاق القرآن.
سؤال: من السبب في أن يبتعد الجيل تلو الجيل عن أخلاق القرآن الكريم؟ عندنا جهتان رسميتان، الأزهر، ووزارة الأوقاف، ولكن بعد عمق نظر وجدت أن الأوقاف تم إنشاؤها لتكون بديلا عن الأزهر، ويتم السيطرة على الأزهر فلا يؤدي رسالته كما كان سابقا. ووجدت أن الأنظمة تعمل بكل ما أوتيت من قوة لتخريج “مشايخ” لا يعرفون حتى أسس التحدث باللغة العربية، وبالتالي من افتقد التحدث باللغة العربية كيف يفهم معاني ومقاصد القرآن الكريم، وكيف يُعلم الأجيال أن هذا القرآن فيه حياة الأمة ونهضتها ورقيها ورفعتها وتحررها من العبودية لغير الله عز وجل. ووجدت أن الذي يضع مناهجنا ليس منا، ليس ممن يخاف على هويتنا، والدليل حذف كل الآيات التي تُشير إلى بني إسرائيل، وكل الآيات التي تُشير إلى الجهاد في سبيل الله، بل وكل الأحاديث النبوية التي تحدثت عن ذلك. لذلك خرجت أجيال لا تعرف تاريخها ولا تنتمي إلى هويتها الإسلامية.
لذلك أرى فيه خلل كبير تم إحداثه في فكر وذاكرة الأمة بأنه تم هدم الأخلاق الإسلامية وأبدلوها بـ “الإتيكيت” المليء بالعري والفجور بزعم أن ذلك تحضر.
إن التربية القرآنية التي تتم في غزة ساعدت على إنشاء جيل مرتبط ومتعلق بالله عز وجل فقط، وفي أثناء الحرب والتي هي مستمرة كانت أحداث الارتقاء بالجيل مستمرة، ومنها الحدث الكبير والذي سُمي بـ “صفوة الحفاظ على خطى من رحلوا”، تلك الصورة التي لم نشاهدها في بلادنا حاليا تُبشر بخير بأن هذا الجيل الذي يتم إعداده وفق التربية القرآنية ومقاصدها سوف يتم له التمكين في الأرض بإذن الله.
إن القرآن الذي يصدح به أطفال غزة وفي الخيام ورغم شدة الحال يُخبرنا بأن الله عز وجل لن يتخلى عن هؤلاء، فرغم القتل والتشريد والتجويع يحرص المربون على أن يربطوا الجيل بالقرآن لأن في ذلك نجاتهم. ووجد أهل غزة في كتاب الله ملاذا للاطمئنان من القنابل والصواريخ التي تنهال على رؤوسهم ليل نهار، بعد أن خذلهم القريب قبل البعيد عن وقف آلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة.
تقول المشرفة على مركز التحفيظ في مدرسة القدس انتصار العربيد وهي نازحة من شمال القطاع: إن “فكرة تفعيل مركز تحفيظ القرآن هنا جاءت من أجل الاستمرار في بناء جيل قرآني وإشغال أوقات الفراغ لدى الأسر النازحة وأطفالها وغرس القيم الإنسانية ومكارم الأخلاق في نفوسهم”.
شكرا أبطال وأطفال ونساء وشيوخ ومٌعلمي غزة على أنكم كنتم وما زلتم تتخلقون بأخلاق القرآن، مدارسكم ليست كمدارسنا، والمٌعلم عندكم ليس مثل الذي عندنا، وفصاحتكم ليست مثل ما ننطق به، وقلوبكم في أجساد تمشي على الأرض، ولكنها تٌحلق بكم في السماء.
إقرأ ايضا:غزة.. والفزّاعة بتوسيع الحرب..!!