
البيان الختامي للمؤتمر الدولي الثالث للخطباء والدعاة «من منابر الأمة إلى المسجد الأقصى المبارك»
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يأتي انعقاد المؤتمر الدولي الثالث للخطباء والدعاة تحت شعار
«من منابر الأمة إلى المسجد الأقصى المبارك»، متزامنًا مع الذكرى الثالثة والتسعين (93) لانعقاد المؤتمر الإسلامي الأول، الذي التأم في هذا الشهر نفسه من عام 1931م، بدعوةٍ تاريخية أطلقها سماحة المفتي الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس وعموم الديار الفلسطينية آنذاك، حيث دعا علماء الأمة ومرجعياتها الدينية من مختلف الأقطار الإسلامية للاجتماع في رحاب المسجد الأقصى المبارك دفاعًا عنه، وتأكيدًا على مركزيته في وجدان الأمة وهويتها الحضارية.
وقد شهد ذلك المؤتمر التاريخي مشاركة 145 مندوبًا من العلماء، يمثلون 22 دولة إسلامية، أقسموا في المسجد الأقصى المبارك على الدفاع عن الأماكن المقدسة بكل قوة، في لحظة وعيٍ مبكرٍ أدركت أن معركة الأقصى ليست شأنًا محليًا، بل قضية أمة ومسؤولية تاريخية .
وإذ يستحضر مؤتمرنا هذا تلك اللحظة المؤسسة، فإنه يؤكد أنه يأتي امتدادًا لذلك النهج، لا بوصفه فعالية خطابية عابرة، بل باعتباره مشروع وعي يُزرَع، وخططًا تُدرَس، ومشاريع تُنفَّذ، في مرحلة تاريخية تتطلب الانتقال من ردود الأفعال إلى الفعل المنظَّم، ومن الخطاب العاطفي إلى العمل المؤسسي المستدام.
ويأتي هذا المؤتمر كذلك في ظل ظروف إنسانية بالغة القسوة يعيشها أهلُنا في قطاع غزة، في ظل تهدئة هشة لا تُخفي عمق الجراح، حيث يقيم الناس في الخيام البالية، ويواجهون أوضاعًا إنسانية ومعيشية مؤلمة، كما ينعقد في ظل تصاعد غير مسبوق لمشاريع التهويد والأسرلة، والاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى المبارك، بما يجعل الأقصى اليوم في عين العاصفة، ومُقبِلًا على مرحلة شديدة الخطورة مع مطلع عام 2026.
كما يتقدم المؤتمر، في مستهل أعماله، بخالص التعازي والمواساة إلى أهلنا في إقليم آتشيه – إندونيسيا، على إثر الكارثة الطبيعية التي خلّفت عددًا كبيرًا من الشهداء، سائلين الله تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.
ثالثًا: التوصيات
في ختام أعماله، يوصي المؤتمر بما يلي:
1. دعوة العلماء إلى تكثيف الحراك العلمائي نصرةً لغزة وفلسطين، وتفعيل حضور القضية الفلسطينية في مختلف المنابر العلمية والمجتمعية والإعلامية المتاحة في الدول، بما يعيدها إلى موقعها المركزي في خطاب الأمة.
٢ دعوة الخطباء وأصحاب المنابر إلى تعبئة الأمة لاجل القضية وعيا وفهما وحركا والاضطلاع بدورهم في إسناد القضية في جميع جوانبها
2. دعوة الأمة إلى استلام دورها الشهودي الحضاري في نصرة إخوانها في فلسطين، وتسخير كل السبل والأدوات الممكنة للإغاثة العاجلة لأهلنا في غزة، والعمل – قدر المستطاع – على تحريك أساطيل الصمود البحرية والبرية دعمًا للصمود وكسرًا للحصار.
3. دعوة الحكّام وصنّاع القرار إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية، عبر فتح المعابر فورًا لإدخال المساعدات الإغاثية ومواد البناء والإعمار، والتدخل الجاد لحماية المسجد الأقصى المبارك من مشاريع الأسرلة والتهويد، في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الأمة.
4. إطلاق حملة “سَنَد” على خطى عثمان ابتداءً من سنة 2026، بوصفها حملة استراتيجية جامعة، تتفرع عنها مشاريع توعوية وتعبوية وتحريكية للأمة، تُسهم في بناء وعي طويل المدى، ودعم صمود القدس وفلسطين.
5. إطلاق مشروع دورة الترميز، إلى جانب دورة التدريب على الفتوى، بهدف تأهيل الكوادر العلمية والدعوية، ورفع كفاءتها في التعامل مع النوازل الكبرى، وصياغة خطاب شرعي منضبط وفاعل في زمن الأزمات.
6. إطلاق شبكة المندوبين في الأقطار، لتوسيع العمل الدولي للمؤسسة، وتجسيد رؤية توطين العمل المقدسي، عبر تحويل المشاريع المقدسية إلى برامج عملية داخل البلدان، وبناء شراكات محلية فاعلة تضمن الاستمرارية والأثر.
7. يوجّه المؤتمر الشكر والتقدير إلى جميع الفعاليات العلمائية، والشبابية، والسياسية التي تحركت خلال مرحلة طوفان الأقصى، كما يثمّن عاليًا المواقف التاريخية لشعوب العالم الحرّة التي وقفت في وجه آلة الحرب الصهيونية، في مشهدٍ يفوق كثيرًا التوقعات، ويُعدّ رصيدًا أخلاقيًا وإنسانيًا ينبغي استثماره والبناء عليه في توسيع فضاء الدفاع عن السردية الفلسطينية.
وفي الختام :
إن هذا المؤتمر، وهو يستلهم روح مؤتمر عام 1931، يؤكد أن المعركة على الأقصى هي معركة وعي وإرادة واستمرار، وأن منابر الأمة ستبقى ـ بإذن الله ـ منطلقًا لنصرة غزة ومساندتها، حتى يتحقق للأقصى وفلسطين حقهما، وتستعيد الأمة دورها ومكانتها، كخير أمة أُخرجت للناس.
تركيا – إسطنبول
الجمعة ٢٢ جمادى الآخرة 1447هـ
الموافق 12 ديسمبر 2025م




