كتابات

ابن تيمية .. فارسُ الإسلامِ” الـمُـفـتَـرَى عليه

بقلم : يسري الخطيب

“ما يفعل أعدائي بي، جنتي وبستاني في صدري، سجني خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من أرضي سياحة “..
إنه “شيخ الإسلام” المُفترَى عليه، وحُجة الزمان، وأمير الفقهاء.. “ابن تيمية”
ما عرفَ التاريخُ البشريُ كله فقيهًا أثار الدنيا وزلزل أفكارها حـيًا وميّتا، إلا “ابن تيمية”
وما عرفت الدنيا فقيها ظُلم حيًا وميّتا ، إلا “ابن تيمية”
وما عرفَ التاريخُ البشريُ – بعد الأنبياء – رجلا كُتبت فيه آلاف الكتب، إلا “ابن تيمية”
وما عرفَ التاريخُ رجلا، يكفّره الشيعة، ويتطاول عليه الصوفية، ويحاربه شيوخ السلطان والمداخلة، ويرتعش من ذِكر اسمه، أعداء الإسلام ، إلا “ابن تيمية”
وما عرفَ تاريخُ البشرِ على الأرض، رجلا، صدرت مئات الكتب تحذّر الناس منه إلا “ابن تيمية”….
وإذا إردت أن تعرف تصنيف أي إنسان، فقط اُذكر اسم “ابن تيمية” وأنت تتحدث معه، فإذا تغيّر لون وجهه وارتعشت أطرافه؛ فهو صوفي
وإذا تركك وانصرف فجأة ؛ فهو مدخلي
وإذا احمرّت عينه واكفهرَّ وجهه وتحول إلى شيطان؛ فهو من منافقي الأزهر، وعروش الجزيرة، وحملة مباخر السلاطين
وإذا فغر فاه وأطال التحديق فيك باشمئزاز، فهو علماني ….

– هو تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني (661-728هـ / 1263-1328م) فقيه الفقهاء وفارس الدعاة وشيخ الإسلام “ابن تيمية”
وُلد في مدينة حران (حران مدينة تقع على الحدود السورية التركية وتتبع جمهورية تركيا الآن) في 10 ربيع الأول سنة 661 هـ – ٢٢ يناير، ١٢٦٣…وعند بلوغه السابعة من عمره في سنة 667 هـ انتقل مع عائلته من مسقط رأسه “حران” إلى مدينة دمشق بسوريا وذلك بعد إغارة المغول عليها… وكلمة “تيمية” نسبة إلى والدة جده، وكانت داعية وواعظة معروفة، فاشتهرت العائلة كلها بها.. “عائلة تيمية”.

– نشأ “ابن تيمية” في دمشق نشأة علمية، تتبع المذهب الحنبلي، وبدأ اهتمامه بالدراسة والعلم منذ صغره، فأخذ عن أكثر من مائتي شيخ، وتعلم الخط والحساب وحفظ القرآن الكريم في صغره، وأتقن عددًا من العلوم، منها التفسير والحديث والفقه والعربية وغيرها من العلوم، وأجاد ثلاثة لغات غير اللغة العربية وهي العبرية والتركية واللاتينية.
– شرع “ابن تيمية” في الإفتاء والتأليف وهو في سن السابعة عشرة من عمره أي سنة 677 هـ، وبدأ في التدريس وهو في الحادية والعشرين من عمره في سنة 681 هـ … وانتقل للتدريس بالجامع الأموي في 10 صفر 691 هـ وكان يبلغ من العمر ثلاثين سنة، واستمر فيه سنين طويلة…

– كان “ابن تيمية” قويًا ، حادًا، لا يخشى في الحق لومة لائم، ولذا بدأت معاركه مبكرًا مع المنافقين والأمراء، وانتقل إلى مصر سنة 705 هـ ، ولأن شهرته تسبقه، فقد تم سجنه فور وصوله مصر، واستمر في محبسه حتى 707 هـ ، وعندما خرج ، تعالت أصوات الصوفية في مصر تطالب بطرده، وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهًا إلى دمشق، حتى لحق به وفدٌ من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس،
ولكنه خرج بعد عدة شهور، وعاد إلى دروسه، وزحف أهل مصر من كل مكان إلى دروس “ابن تيمية” ينهلون من علمه، ولكن صوفية مصر واصلوا تآمرهم عليه والوشاية به عند السلطان، بسبب تحريمه الصلاة في المساجد التي بها قبور، وسخريته من أصحاب البدع من القبوريين الصوفيين، فتم نفيه في سنة 709 من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان هذا من الخير لأهل الإسكندرية ليطلبوا العلم على يديه، ويتأثروا من مواعظه، لكن لم يدم الأمر طويلاً لهم، فبعد سبعة أشهر عاد السلطان “الناصر قلاوون” إلى الحُكم واستتب له الأمر، وكان معروفا بعدائه لخزعبلات الصوفية الذين يسيطرون على الشارع المصري وعلى الأزهر – حتى الآن – وطلب من “ابن تيمية” العودة للقاهرة..، وعاد “شيخُ الإسلام” وعاش بين المصريين، ورأى العجب، فقال كلمته الشهيرة: (وَمَا يُخَافُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ إلَّا مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ)
وقد وصل التعصب الصوفي مداه في حادثة قتل الصوفي “الظاهر بيبرس” ، للسني “سيف الدين قطز”، فقد كان “بيبرس” صوفيًا قبوريًا متعصبًا يمقت أهل السنة والسلف، ولم تندحر الصوفية إلا مع تولّي السلطان قلاوون لحكم مصر…ولكنها عادت من جديد وسيطرت على الأزهر والمؤسسات الدينية الرسمية حتى اليوم.

– كانت الفترة الملتهبة التي جاء فيها “ابن تيمية” هي السبب الرئيس في الفتاوى الجهادية
فقد كانت الحالة السياسية في عصر ابن تيمية مضطربة متفككة، والبلدان الإسلامية تحولت إلى عدة دويلات وممالك صغيرة، واستطاع الفرنجة إعادة بعض ممتلكاتهم ، لكن الحدث الأخطر والطامة الكبرى ، هي المغول .. فقد وُلد ابن تيمية بعد سقوط بغداد بـ 5 سنوات وبعد دخول المغول إلى مدينتي حلب ودمشق بـ 3 سنوات، وعندما كان عمره 7سنوات شن المغول حملة على مسقط رأسه مدينة حَرَّان، ورأى بعينه المذابح والدمار، وفرار أسرته إلى مدينة دمشق
– عاش “ابن تيمية” في فترة من أسوأ فترات بلاد الإسلام، سياسيًا واقتصاديًا ،واجتماعيًا ودينيا (انتشار الخزعبلات الصوفية والقبورية).. وامتلأت الحياة الاجتماعية للمسلمين في ذلك العصر بالفساد، وأدت غارات المغول والصليبيين إلى فقدان الأمن، واضطراب النظام وانتشار الفزع والخوف بين السكان المسلمين، وأدى هذا إلى نقص الأموال والزراعة نتيجة لعدم اهتمام الناس بها والعمل، مما أدى إلى كساد الحالة الاقتصادية، وانتشار الفقر والغلاء، واحتكار السلع لبيعها بأثمان باهظة.

– مؤلفات “ابن تيمية”
قال الحافظ البزار (ت – 749هـ) رحمه الله: (وأما مؤلفاته ومصنفاته، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها، بل هذا لا يقدر عليه غالبًا أحد؛ لأنها كثيرة جدًا، كبارًا وصغارًا، أو هي منشورة في البلدان فقل بلد نزلته إلا ورأيت فيه من تصانيفه).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت – 795هـ) رحمه الله:
(وأما تصانيفه – رحمه الله – فهي أشهر من أن تُذكر، وأعرف من أن تُنكر، سارت سير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار، قد جاوزت حدّ الكثرة فلا يمكن لأحد حصرها، ولا يتسع هذا المكان لعدّ المعروف منها، ولا ذكرها) .
– حروب “ابن تيمية”
كان شيخ الإسلام “ابن تيمية” يحارب على جميع الجبهات بضراوة واقتدار، ولم يستطع أحدٌ إلى يومنا هذا أن يرد عليه بالحُجة والدليل القرآني، فقد ردَّ على الفلاسفة في كتابه الشهير “درء تعارض العقل والنقل” وردَّ على الصوفية بكتاب ” الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان “.. بالإضافة إلى رده على الماديين والعلمانيين والملاحدة والنصارى والسلاطين..
كما ردَّ على الشيعة في كتاب رائع شهير اسمه “منهاج السنة النبوية” فنَّد فيه كل كلام الشيعة وتخاريفهم بأسلوب عقلاني مُدهش.
وكانت وما زالت حًججه القوية الفاعلة المُدهشة ، هي سبب عداء كل هؤلاء لشيخ الإسلام “ابن تيمية”.. فجميعهم (الملاحدة والعلمانيون والصوفية والشيعة والفلاسفة والمنافقون.. إلخ) لم يجدوا حتى اليوم ما يردون به حججه وبراهينه، واكتفوا بتحذير أتباعهم من البسطاء والعامة من قراءة كتب ابن تيمية بزعم أنَّها قد تزيغ بهم عن طريق الصواب!!!
وفاة “ابن تيمية”
مات بعد 20 يوما من سجنه بقلعة دمشق ، في ليلة يوم الإثنين لـ20 من ذي القعدة سنة 728 هـ – 25 سبتمبر 1328 م
فخرجت دمشق كلها في جنازته، وارتفع نحيب وتهليل الرجال، وصراخ النساء من فوق (سطوح المنازل).. فقد كان يوما مشهودا لم تشهده دمشق في تاريخها كله.

– الفريضة الغائبة
لم تكن حروب فارس الدعاة والفقهاء “ابن تيمية” ضد الشيعة والملاحدة والقبوريين والنصارى والسلاطين، هي سبب محنته وملاحقته وسجنه في دمشق ومصر، ومطاردة كتبه حتى اليوم ، لا .. ولكن لإحيائه الفريضة الغائبة .. فريضة الجهاد
فقد كان يردد حديث النبي صلى الله عليه وسلم [ما ترك قومٌ الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب] وهو ما قاله صاحب الظلال: ما من أمةٍ تركت الجهاد إلا ضرب اللهُ عليها الذل فدفعت مرغمةً صاغرةً أضعاف ما كان يتطلبه منها جهاد الأعداء.
لقد رحل أحد عباقرة الفكر الإنساني وأحد أكثر دعاة الإسلام تأثيرًا، لكن بقيت أفكاره وكتبه حتى اليوم تزلزل كراسي الطغاة وأقلام وأفواه الكُتاب المنافقين ودعاة السلاطين، وعندما تجد أهل الباطل (الحُكام والشيعة والمشركين والعلمانيين والقبوريين والملاحدة والمنافقين والإعلاميين… إلخ) يقفون جميعًا صفًا واحدًا ضد “ابن تيمية” ؛ فاعلم أن شيخ الإسلام “ابن تيمية” على الحق، وعلى الطريق المستقيم
—————————–
المصادر:
– النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
– أدب الرحلات (رحلة ابن بطوطة)
– الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية
– العقود الدرية من مناقب الشيخ الإسلام ابن تيمية – محمد بن عبد الهادي المقدسي
– على ساحل ابن تيمية – عائض القرني.
– موقف ابن تيمية من التصوف – د. محمد العريفي.
– الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية – سراجُ الدينِ أبو حفصٍ
– الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية – مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي
– لمحات تاريخية من حياة ابن تيمية – المؤلف: صالح بن سعيد بن هلابي
– موقع ابن تيمية.
– موقع منتدى التوحيد – كريم البرلسي

*المصدر : موقع الأمة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى