مقالاتمقالات مختارة

«نقد التقليد الكنسي»

«نقد التقليد الكنسي»

بقلم محمد إلهامي

لست باحثا في مجال الأديان، ولا أنوي أن أكون، ولم أعرف بكتاب «نقد التقليد الكنسي» إلا من خلال التحريض الكنسي عليه، وهو التحريض الذي استجاب له السيسي فصدر الأمر بمصادرة الكتاب!

التحريض الكنسي

وأول ما سمعتُه عن الكتاب كان هو هذا التحريض الكنسي لأحد آباء الكنيسة المصرية «أغاثون، أسقف المنيا» واستفزني منه عبارتان على وجه التحديد، وهما:

1- قوله: أن هذا الكتاب لا يمكن أن يكتبه مسلم، لأنه لا يمكن للمسلم أن يحيط بهذه التفاصيل!

2- قوله: هذا الكتاب جعل الكنيسة المصرية صفرا وهدم كل ما قامت عليه!

ثم هدد بأن بقاء الكتاب قد يشعل فتنة طائفية، ولأن السيسي يمكن أن يفرط في أي شئ إلا في بقاء الكنيسة قوة في ظهره فقد استجاب سريعا

وهكذا ترى عزيزي المسلم في مصر أن الكتب التي تسب الإسلام تُطبع طباعة فاخرة، بما في ذلك كتب التنصير التي تطبعها الكنيسة نفسها،

وكتب الإلحاد، بل إنك لتجد كبار العلمانيين والملحدين والمشككين في القرآن والسنة والصحابة أصحاب برامج على القنوات المصرية..

بينما باحث مسلم يتخوف من مصادرة كتابه إذا كتب في نقد المسيحية، دين الأقلية التي لا تتجاوز 5%.

مؤلف كتاب «نقد التقليد الكنسي» أزهري

بالمناسبة: من الضروري يا أيها القارئ أن تتذكر جيدا أن كاتب هذا الكتاب ليس سلفيا وهابيا، وليس إخوانيا معارضا، إنه أزهري..

نعم، كما تقرأ الآن، أزهري ينتسب إلى الأزهر الشريف..

هذا الأزهر الذي لطالما استعملته السلطة كغطاء لها في حرب الإسلام، فألبسته ثياب الاعتدال والوسطية كأنهما حكر عليه ولا يخرجان عنه!!

فكاتب الكتاب أزهري، وممن قدَّموا له أستاذ بالأزهر..

ولكن، لا قيمة للأزهر -قلعة الوسطية والاعتدال والاستنارة- إذا غضبت الكنيسة، فليُصادر الكتاب ولو كان كاتبه أزهري، ولو كان الذي يزكيه من أساتذة الأزهر!!

أقباط مصر أسعد أقلية في العالم

قصة الأقباط في مصر قصة طويلة ومريرة ولا يتسع لها المقام، إنهم حقا أسعد أقلية في العالم..

 ومن رأى منكم دولة تُصادَر فيها الكتب العلمية لأنها تغضب الأقلية، فليخبرنا مشكورا مأجورا.

لنعد إلى غرض هذا المقال.. وغرضه أني قرأت من الكتاب مائة صفحة، وهي حوالي ربع الكتاب..

وهو غاية ما أستطيعه في ظل انشغالي بأمور أخرى، ولولا استفزاز هذا الكاهن ما تحمست لقراءته!

ولقد كنتُ منتبها في قراءته لأمريْن؛ أولهما: لغة الكاتب وهل يمكن أن يتطرق الشك لكون الكاتب ليس هو نفسه؟

وثانيهما: هل يمكن أن يبلغ كتاب من الخطورة بحيث يكون تهديدا وهدما لكل الكنيسة المصرية؟!

فأما لغة الكتاب فلا شك عندي في أن صاحب الكتاب هو صاحبها، فللأزهريين لغة معروفة،

فيها مسحة أصيلة من علم الكلام الذي يدرسونه، وطريقة صياغاتهم في التعبير عن المعاني لا تزال واضحة..

وهي تفارق -بوضوح- طريقة الباحثين من غير الأزهريين ممن تخرجوا في الجامعات المدنية! وهذا أمر لا أستطيع التعبير عنه،

ولكنه أمر يتذوقه بسهولة من يمارس الكتب والبحوث!

ثم إن المؤلف كان حريصا على اللغة العلمية الهادئة، فلم ينجرف إلى السخرية والاستهزاء،

مع أن بعض المواطن تشد القارئ شدًّا لكتابة تعليق ساخر..

بل كان الرجل من الحساسية بحيث أنه لما نقل نقلا عن الأستاذ علي الريس تحفظ على كلمة ساخرة قالها علي الريس في الحاشية!!!

ومع أصالة لغة المؤلف التي تظهر فيها طريقته الأزهرية، فإن المؤلف قليلا بل نادرا ما تكلم..

إن الكتاب هو حشد من الاقتباسات، ومن المراجع الكنسية  المعتمدة، وما فعل هو إلا أن ربط بينها بعبارة أو بعض عبارة!!

الكتاب يهدم الكنيسة

وأما أن الكتاب يهدم الكنيسة -كما قال أغاثون- فأمرٌ يكاد يكون صحيحا..

وإنما أقول «يكاد» لأني لست من أهل هذا المجال وأتحفظ أن أدخل فيما ليس لي به علم!!

ولكنني مع كل صفحة من الكتاب أزداد اندهاشا..

إن النقد العلماني والاستشراقي المتوجه لعلم الحديث النبوي الشريف، قد أجبرنا أن نخوض بعض الحوارات في شأن الحديث وطريقة روايته وأسانيده وعلله..

وفي كل مرة كان يثبت بغير شك أن علم الحديث بناء شامخ صلب متين،

وأن نقد العلماء المسلمين للمرويات وطرائقهم في تصحيح الحديث وتنقيحه هي غاية ما يمكن أن يصل إليه عقل بشر أو مجهودهم..

وأبسط دليل على هذا هو أننا لو عاملنا الأخبار التاريخية بمنهج المحدثين لانهار التاريخ كله ولم تصح منه رواية واحدة!!!

ولذلك لا يمكن كتابة أي تاريخ وفقا لمنهج المحدثين.. بل إنني أحيانا يداخلني الغيظ من هذا التشدد الحديثي!!

أين العلمانيون والمستشرقون من هذا؟!

عندما قرأت كتاب «نقد التقليد الكنسي» كنت أهتف من أعماق قلبي: أين العلمانيون والمستشرقون من هذا؟!..

أين هم من هذه المعلومات المتناثرة التي لا يصلح لها حتى أن توصف بالروايات المهلهلة..

إن أصول الدين نفسها معرضة للنقد بسهولة، فصاحب الإنجيل لا يُعرف من هو على وجه التحديد،

ولا يعرف تاريخ مولده ولا وفاته على وجه التحديد، ولا يعرف هل زار مصر أم لا، ولا يعرف هل هو من الرسل السبعين ليسوع أم لا..

وكل المعروف عنه معلومتان أو ثلاثة، ثم بُنِي حولهما بناء ضخم،

مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن الجزم بأن هاتين المعلومتين يخصان مرقص كاتب الإنجيل، فربما هما عن مرقص آخر!

الكتاب يصيب بالدوار حقا..

ومن الغريب أن الكاتب لا يتكلم من تلقاء نفسه، بل يحشد المقولات المسيحية من المراجع المعتمدة المشهورة التي تؤخذ منها أصالة هذه المعلومات..

وبعض هذه المراجع التي أخذ منها هي المراجع التي توصي الكنيسة بقراءتها!!

وبعض النقاشات والأقوال هي لرؤوس الكنيسة الذين تولوا كرسي البطريركية مثل الراحل شنودة!

إن الكتاب يضع المسيحي في محنة حقا..

ولكن الأهم من هذا أنه دليل جديد يُرسِّخ في وعي المسلم أن كبار أهل الكتاب وعلماءهم يعرفون مقدار ما هم عليه من الباطل،

ويدركون هشاشة ما يستندون عليه من الأدلة، فما هي إلا ظنون أو أوهام!

على العلماني أو المستشرق أو التنصيري الذي يأتي ليجادل المسلمين في علم الحديث وتدقيقهم في المصادر،

أن يأخذ جولة عند النصارى إن كان يهمه بالفعل طلب الحق والوصول إلى الحقيقة..

أما أن يترك الخشبة التي في عينيه ويأتي ليبصر الذي يظنه قذى عندنا فهو دليل على أن طلب الحق هو آخر ما يريد!!

المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى