
مما يدلك على شدة الذلة والقلة والخيانة والعمالة للنظام المصري أن الإسرائيليين يوبخونه أحيانا بأنه لا يقوم بدوره المطلوب منه على ما يرام.. فيتهمونه أحيانا بأنه لم يضبط الحدود كما يجب، فتسرب منها بعض السلاح وبقيت بعض الأنفاق. ونحو هذه الأمور!
فماذا يحدث؟
يخرج الإعلاميون والمسؤولون في مصر للتأكيد على أن النظام يقوم بدوره بكفاءة تامة، وأن الأنفاق قد جرى القضاء عليها، وأن الجدار الفولاذي قد تم بناؤه على أعماق سحيقة، بل إن “كسرة الخبز” لم تدخل إلى غزة (وهذا التعبير لمصطفى بكري!!)
وهذا في نفس الوقت الذي تمرّ كل الخروقات الإسرائيلية على النظام المصري كالنسيم العليل.. آخر ما يفعلون تبليغ لجنة المراقبة لكي تسجل هذا الخرق في سجلاتها!!
أي أن النظام المصري وألسنته يثبتون بأنفسهم مدى خدمتهم للصهاينة، وإخلاصهم في هذا..
يأتينا غبي مغفل في مخلفات عصر التفاهة الذي نحن فيه، فلا يرى في مثل هذه الأخبار شيئا من هذا كله.. بل يرى فيها أن النظام المصري داعم للمقاومة، ومتحايل على تسليحها، ويناور الصهاينة بدعمها سرًّا!!
ويترك هذا الغبي المغفل تلال الأدلة والشواهد والأخبار القاطعة التي تؤكد عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية في تناغم وانسجام تام مع الصهاينة لسحق غزة ومقاومتها.. ليس أول ذلك التنسيق العسكري الذي بلغ أعلى مستوياته في عهد #السيسي_عدو_الله (كما قال المسؤولون الصهاينة أنفسهم)، ولا آخره تعاون الأجهزة الأمنية في تعذيب من يقع تحت يدها من شباب المقاومة لاستخلاص المعلومات لصالح الصهاينة!!..
بل يترك هذا الغبي المغفل -في غمرة غبائه وغفلته- الخبر نفسه الذي يتناقش حوله، خبر أن النظام المصري أزاح قرية رفح تماما، ومسح خط الحدود، وأقام مراحل من الجداران العازلة، ثم الجدار الفولاذي الغائص في الأرض، وهدم الأنفاق بأنواع الهدم كلها: التفجير والإغراق وضخ الغازات السامة!!
وهل من خدمة يمكن أن يقدمها نظام مصر للاحتلال أعظم من هذه؟!!..
فلو كان العدو غير الصهاينة لشكروا ومدحوا وأثنوا.. ولكن طبع الصهاينة الخبيث أنهم لا يشبعون ولا يشكرون.. كيف لا، وهم يرون الناس دونهم كالحيوانات المسخرة لهم ولخدمتهم!!
والآن يتكرر نفس هذا المشهد مع صفقة الغاز التي خرج خبر يتيم من مصدر وحيد حول إن نتنياهو يفكر في إلغائها، لأن النظام المصري خرق اتفاقية كامب ديفيد..
فيخرج فيه ضياء رشوان -رئيس هيئة الاستعلامات- ليدافع عن موقف النظام.. فإذا به وهو يدافع عن هذا الموقف يثبت أن هذه الصفقة خيانة متكاملة الأركان وأن إسرائيل هي المستفيد منها وهي المتضرر في حال إلغائها!!.. شكرا على مستوى الغباء يا أستاذ ضياء!!
ولكن صاحبنا الغبي المغفل يرى في هذا الخبر دليلا على “وطنية” نظام السيسي!!
وكلهم يتشدق بخرافة أن النظام ضد التهجير..
وفي الواقع النظام ليس ضد التهجير.. النظام ضد أن يتم التهجير بغير الطريقة التي تجعله تحت السيطرة.. وضد أن يتم التهجير بغير مقابل مناسب..
ولهذا ترى السيسي يعمل على الناحيتيْن في الوقت نفسه: يزيد في استعداد سيناء للتهجير واستقبال المطرودين.. ويزيد من تشديد الوضع على الحدود..
والهدف: أن يتم التهجير حين يتم الاتفاق!!
كان بايدن متفهما لحاجات نظام السيسي وساعيا في الوصول إلى اتفاق، ثم تعثر الأمر حول الثمن المالي المدفوع.. ثم جاء ترمب، وهو نمط آخر يريد أن يفعل ما يريد بلا ثمن مدفوع، بل بمحض القهر والإذلال!!
منذ أسابيع كنت في جلسة مع خبير اقتصادي، فأخبرني أنه كان متعجبا من بناء المدن الجديدة في سيناء
(ملاحظة: بدأ بناؤ هذه المدن في سيناء قبل 7 أكتوبر بسنوات.. تذكر هذا جيدا عزيزي القارئ.. وتذكر أيضا أن السيسي عدو الله هو أول من سمع العالم من فمه كلمة “صفقة القرن” في ولاية ترمب الأولى.. أي أن الصفقة نفسها قديمة، والسيسي نفسه تعهد أن يكون شريكا قويا فيها)
يقول الخبير الاقتصادي: كان منبع تعجبي من أن أول المشاريع التي انتهت في المدن هي المدارس والملعب الكبير.. هذا غريب يحدث لأول مرة!!.. المفترض أن نبني المساكن أولا، ثم بعد ذلك نبني هذه المرافق.. المدارس والملاعب.. أما هذا الترتيب فلم يكن مفهوما!!
يواصل صاحبنا قائلا: لم أفهم هذا الترتيب إلا حين بدأ الحديث عن التهجير.. فالمدارس والملاعب هي المساحات التي تستوعب أكثر عدد من السكان بأقل تكلفة ومساحة ومجهود.. ساعتها عرفت أننا نتهيأ بالفعل في سيناء لاستقبال المهجرين من غزة!!
وقبل أيام كنت في جلسة مع بعض الأصدقاء الباحثين، فتحدث كل منهم عن حركة السفن في البحر الأحمر والمتوسط، وكيف أن الدول المشاطئة للبحرين كلها تواطأت على دعم إسرائيل للإفلات من استهداف الحوثي.. فإذا بشبكات تجارية بحرية من سفن مختلفة ودول مختلفة، تتعاون وتتواطأ حول تسجيل السفن بأسماء شركات عربية، ورفع أعلام عربية، ورسم مسار يجعلها تتحرك إلى مناطق أخرى مثل قبرص واليونان وإيطاليا وغيرها.. ثم يأتي هذا كله فيما بعد إلى بورسعيد.. وعندها تغلق السفن إشاراتها، وتغير جلدها، لتنطلق إلى ميناء أسدود الإسرائيلي!
هذه الشبكة من الشركات يديرها مسؤولون رسميون حاليون وسابقون في أنظمة الدول العربية المشاطئة للبحرين الأبيض والمتوسط.. وخلال هاتين السنتيْن: صارت بورسعيد ميناء مركزيا لإمداد إسرائيل بما تريد، التفافا على استهداف الحوثيين لسفنها!
هذا كله يحدث، في نفس الوقت الذي يُحرم فيه الغزيون من كسرة الخبز وشربة الماء وقطرة الدواء..
ثم يأتينا الغبي المغفل ليحدثنا عن وطنية النظام المصري وأنه عائق أمام التهجير..
لولا أني أقرأ قول الله تعالى {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، أتصبرون}، لتمنيتُ أن نخترع جهازا يقيس الغباء.. وأن يكون عقاب صاحبه دواءٌ يسبب البكم، فلا نتأذى بسماع تحليلاته!!
وأغبى الغباء وأسفه السفاهة، حين ترى هذا الذي يتكلم كان داعشيا سابقا، ينظر لها ويحتفي بعملها، ويزايد على الحركة الخضراء ويراها منحرفة.. ثم دار الزمان فصار لسانا يؤيد نظام عدو الله هذا..
وما هو بغريب، فإن النزق والسفاهة والخفة والغرور والكبر، صفات دنيئة تنقل صاحبها من الباطل إلى الباطل، ومن الإفراط إلى التفريط، ومن الغلو إلى التساهل.. كأن نفسه منطبعة ألا تتقبل الحق ولا تفهمه!!
ولله في خلقه شؤون!!




