تقارير وإضاءات

محاكاة منظومة “حلال” لمواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني

إعداد مخلص برزق

 

كان يمكن أن تكون مشكلةً مستفحلةً تحيل الحياة جحيماً لا يطاق، وتجعل من مجرد التفكير بالعيش في ماليزيا همّاً مؤرقاً، وتحيل معها كل محاولات الجذب السياحي الذي تبذلها الحكومات المتعاقبة سراباً ووهماً، بل إنها كان يمكن أن تشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة لتطيح بمكونات المجتمع وتحيله شظايا مبعثرة.

إنها ذلك التنوع العرقي والديني الذي تبرز فيه ثلاث أعراق رئيسية هي المالاي والصينيون والهنود إضافة إلى نسبة أقل من العرقيات الأخرى المتباينة بما يحمله ذلك من اختلاف في المعتقدات واللغات والطبائع والثقافات والعادات والتقاليد، ومن ذلك كله بطبيعة الحال الطعام والشراب. غير أن حلاً جوهرياً أحال المحنة منحة، وتم نزع فتيل خلافٍ واختلاف من خلال فكرة خلاقة رائدة تمثلت في فك الاشتباك بين الأطعمة الحلال والأطعمة المحرمة لينعم المسلم براحة البال وهو يتناول طعامه وشرابه رغم ذلك التعقيد الكبير في ذلك الأمر الحيوي المتعلق بضرورة من ضرورات الحياة اليومية، وذلك من خلال تفويض هيئة التنمية الإسلامية الماليزية من قبل مركز البحوث الإسلامية التابع لقسم الشؤون الإسلامية بمكتب رئيس الوزراء.

كان ذلك في العام 1974م حين بدأت الهيئة عملية التحقق من سلامة الطعام الحلال والمواد الاستهلاكية الأخرى، ثم صدر بعده بعام قانون العلامات التجارية وأصبحت “حلال” علامة تجارية يحميها القانون. وعملت الهيئة على التوعية بأهمية الطعام الحلال، والتحذير من الوقوع بتناول الطعام الحرام، وتطور الأمر عام 1982 إلى ربط الحكومة الماليزية استيراد اللحوم إلى ماليزيا بشهادة الحلال المعتمدة، أما نقطة التحول الكبير في شهادة “حلال” فكانت حين اتخذت الحكومة الماليزية في فبراير 2004م خطوة نحو تعضيد هيئة التنمية الإسلامية للقيام بإصدار شهادة الحلال الماليزية وتعزيز دورها في ضمان جودة منتجات حلال ومكنتها من الحد من حالات الغش والخداع وذلك بممارسة دورها الرقابي بسلطة القانون. وبموجب هذه الصلاحيات منحت الهيئة حق مقاضاة كل من تسول له نفسه إساءة استخدام شهادتها أو شعارها بدون وجه حق، وردع المخالفين للوائحها بسلطة القانون، كما قامت ماليزيا بتطوير المواصفات القياسية لتتواءم مع شهادة “حلال” وصولاً إلى أن تصبح ماليزيا المحور الرئيسي لصناعة وترويج المنتجات “الحلال” في العالم.

والحق بأن ما عزز ذلك هو الصرامة الشديدة والجدية في تطبيق قانون “الحلال” وعدم التهاون مع العلامات التجارية الكبرى، والتوسع في تطبيق القانون ليشمل إلى جانب المواد الغذائية صناعة المستحضرات الطبية والتجميلية والمعاملات البنكية وقطاع الخدمات والاستثمارات الإسلامية والأعمال المصرفية وآخرها ما بات يُعرف بالسياحة الحلال.

وربطاً بموضوع المؤتمر الذي عقد في مدينة “بوتراجايا” العاصمة الإدارية والسياسية الحديثة لماليزيا، فإن دراسة الدوافع الضاغطة التي أدت إلى إنشاء منظومة “حلال” ومقارنتها بالحاجة الماسّة للشعوب الإسلامية الحيَّة الحريصة على عدم التلوث بالتطبيع مع الكيان الصهيوني تجعلنا نجزم بتطابق تلك الدوافع للتعامل مع أمرين يشتركان معاً بالحرمة الشرعية، وقد تجلى ذلك بكل وضوح في “ميثاق علماء الأمة لمقاومة التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني” على أن (التطبيع مع الكيان الصهيوني محرم شرعاً لمناقضته مقتضيات الإيمان ولوازمه القائمة على الولاء للمؤمنين ووجوب نصرتهم والبراء من المعتدين وعدم مبادلتهم المودة والإخاء وقد أخرجوا المسلمين من ديارهم ومقدساتهم) –المادة التاسعة من الميثاق.

إن محاكاة منظومة “حلال” قد يوفر حلاً جزئياً معتَبَراً لدفع بلاء التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة أشكاله السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية والفنية، فقد عمَّ وطمّ واستشرى حتى اتسع الخرق على الراقع، واتسع الفتق على الراتق، وبات معه الحليم حيراناً، ولأجله تنادى شرفاء الأمة لوضع حلول خلاقة لدفعه ومواجهته والحد من أخطاره وصولاً إلى قطع دابره نهائياً على طريق القضاء على ذلك الكيان الغاصب.

ولتحويل فكرة محاكاة منظومة “حلال” إلى حقيقة، وكفكرة ابتدائية وتأسيسية وواقعية، فإننا بحاجة إلى همم الشباب في أنحاء المعمورة لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بذلك الأمر الشائك بأبعاده المعقدة كثيرة التداخل، ومن ذلك أسماء الشركات أو المنظمات الصهيونية ومنتجاتها المادية أو الفكرية والشركات العالمية التي تروجها، والشركات التي يوجد للكيان الصهيوني أسهم فيها وأسماء منتجاتها بكل أنواعها، وأسماء الهيئات والجمعيات والأشخاص الذين يروجون للكيان الصهيوني من الأوساط السياسية والإعلامية والفنية والثقافية والرياضية وغيرها.

إننا بحاجة إلى همم الشباب في أنحاء المعمورة لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بأسماء الشركات أو المنظمات الصهيونية ومنتجاتها المادية أو الفكرية والشركات العالمية التي تروجها، والشركات التي يوجد للكيان الصهيوني أسهم فيها وأسماء منتجاتها بكل أنواعها، وأسماء الهيئات والجمعيات والأشخاص الذين يروجون للكيان الصهيوني

إن بنك المعلومات هذا يمكن أن يكون الأساس القوي لبناء المشروع الواعد لمواجهة التطبيع، وهو بحاجة إلى وضع ضوابط وآليات تفصيلية تتوخى الدقة البالغة على غرار منظومة “حلال”، بل إن أمراً كهذا يستحق أن تتوافر فيه منهجية الجرح والتعديل الحذرة والحازمة في آن واحد، كما أنه بحاجة إلى المواكبة الدائمة وتحديث المعلومات أولاً بأول، وكل ذلك يتطلب جهداً كبيراً، مع رقابة صارمة يمكن أن يكون للعلماء دور فعالٌ فيها، ثم يصار إلى تحويل ذلك البنك إلى ما يشبه التطبيق الذكي الذي يمكن استخدامه في الهواتف (application) مع تزويده بما يلزم من شعارات الشركات (اللوغو) أو الرموز والعلامات التجارية إلكترونياً كي يقوم التطبيق بتصنيف سريع للمنتج بعبارة: ملوث بالتطبيع، أو خالٍ من شبهة التطبيع، على غرار حلال، وغير حلال (non-halal).

إن مجرد التلويح بوضع أي شركة أو منتج أو هيئة أو شخص ضمن بنك المعلومات الخاص بالمشروع يمكن أن يكون رادعاً ومثبطاً للكثيرين عن التلوث بجريمة التطبيع، وفي الوقت ذاته محفزاً لآخرين على ترويج بضاعتهم الخالية من الحرام المتمثل في التطبيع مع الكيان الصهيوني.

إن مجرد التلويح بوضع أي شركة أو منتج أو هيئة أو شخص ضمن بنك المعلومات الخاص بالمشروع يمكن أن يكون رادعاً ومثبطاً للكثيرين عن التلوث بجريمة التطبيع، وفي الوقت ذاته محفزاً لآخرين على ترويج بضاعتهم الخالية من الحرام

إن البدء بفكرة تطبيق مناهضة التطبيع بهذا الأسلوب يتيح الاستفادة منه لأكبر شريحة ممكنة، ذلك أنه يتخطى الحدود ويتجاوز رقابة الأنظمة المُطبعة مع الصهاينة وتلك المروجة له، أو التي تظهر ممانعة وهي تمارس القهر والظلم بحق من يرفض التطبيع وتلاحق الناشطين وتزج بهم في المعتقلات لشبهة بغضهم الكيان الصهيوني والمطالبة بمقاطعته!!

يوماً ما يمكن أن نتجول في المتاجر دون قلق من احتمالية شرائنا منتجات لشركات “مقاطَعة” وذلك من خلال تطبيق بسيط على الهاتف النقال يكشف إن كان هذا المنتج حلالاً أم غير حلال.. ليس على المواصفات القياسية الماليزية.. وإنما على مواصفات الهيئة الإسلامية لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني المنشودة.

 

 

(المصدر: موقع بصائر أونلاين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى