تقارير وإضاءات

مجموعة الخمس الإسلامية.. الإمكانيات والتحديات

مجموعة الخمس الإسلامية.. الإمكانيات والتحديات

إعداد عبد الحافظ الصاوي

الأهداف الكبرى لا تتحقق في الأجل القصير، فهي بطبيعتها تواجه تحديات، وثمة مصالح لأطراف أخرى تحرص على أن يبقى الآخرون مجرد أطراف، بعيدين عن المركز أو محور صناعة واتخاذ القرار.

والإعلان عن تكوين مجموعة الخمس الإسلامية (إندونيسيا وتركيا وباكستان وماليزيا وقطر) يهدف إلى تكوين تجمع يخدم الشعوب الإسلامية ويتبنى قضاياها.

وحسب تصريح رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد الذي دعا لإطلاق هذه المجموعة، فإنها ليست بديلا عن منظمة التعاون الإسلامي، كما أن مجموعة الخمس الإسلامية ستضم بلدانا إسلامية أخرى فيما بعد.

وإعلان هذه المجموعة يذكر بتجربة سابقة، لكنها ماتت على أرض الواقع، بفعل غياب الإرادة السياسية، والتجربة السابقة هي “مجموعة الثماني الإسلامية” التي أطلقها رئيس وزراء تركيا السابق نجم الدين أربكان -رحمه الله- في النصف الثاني من التسعينيات، وكانت تضم (إندونيسيا، وبنغلاديش، وباكستان، إيران، وماليزيا، ونيجيريا، ومصر، وتركيا).

وبعد الانقلاب العسكري على أربكان في تركيا، تم تغيير اسم المجموعة إلى “مجموعة الثماني للتنمية”، وإن كانت المجموعة تحافظ على انتظام اجتماعاتها وحضور ممثليها، إلا أنها غير فاعلة في العلاقات التجارية والاقتصادية بين أعضائها.

ولعل تجربة مجموعة الخمس تجُب تجربة مجموعة الثماني، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تحيط بالعالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط، التي يعاد رسم خرائطها، الجغرافية والسياسية والاقتصادية.

ومجموعة الخمس الإسلامية التي من المقرر أن يطلق عملها في ماليزيا غدا الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بحضور نحو 450 مشاركا من رجال أعمال ومسؤولين حكوميين وشخصيات إسلامية، تضم عضوين بمجموعة العشرين هما إندونيسيا وتركيا، ولديها سوق كبير من حيث عدد السكان، حيث تضم إندونيسيا وباكستان وتركيا (عدد سكان الدول الثلاث 562.1 مليون نسمة).

كما أنها تضم اقتصاديات تعتمد على إنتاج التكنولوجيا المتقدمة مثل إندونيسيا وماليزيا ودولة صناعية هي تركيا، وكذلك دولة نووية هي باكستان، كما تتمتع المجموعة بعضوية قطر ذات الملاءة المالية التي تؤهلها للمشاركة في المجموعة لتعضد من تمكين المشروعات التي قد تطرحها المجموعة فيما بعد، وتحتاج إلى المساهمات المالية.

إمكانيات وتحديات
المدخل الاقتصادي هو المدخل الهادئ لاستعادة بناء قوة لدول العالم الإسلامي، ولعل تجربة الصين تكون ملهمة في هذا الصدد، حيث تمكنت الصين من بناء ذاتها اقتصاديا ثم تمدد مشروعها الناعم عبر العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية، وهي الآن تقارع القوى الكبرى، وتمثل حجر عثرة أمام تفرد أميركا بقيادة العالم، وثمة قراءات تذهب لأن تكون الصين قوة عظمى في الأجل المتوسط.

ولتحقيق مجموعة الخمس لطموحاتها وأهدافها مهما كانت آجالها، فإنها دون شك سوف تواجه تحديات، قد تتناسب مع تلك الطموحات والأهداف أو تفوقها، وفيما يلي نشير إلى أهم الإمكانيات التي تمتلكها دول المجموعة، وكذلك التحديات التي يتوقع أن تواجهها.

ناتج محلي مميز: 

تتميز ثلاث دول من بين أعضاء المجموعة بكون ناتجها المحلي الإجمالي يعتمد على القيمة المضافة، وهي إندونيسيا وماليزيا وتركيا، بينما باكستان وقطر تعتمدان على المواد الأولية.

وحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول المجموعة 2.66 تريليون دولار، وتأتي إندونيسيا في المقدمة بناتج قيمته 1042 مليار دولار، ثم تركيا بناتج قيمته 766 مليار دولار، ثم ماليزيا 354 مليار دولار، ثم باكستان 312 مليار دولار، ثم قطر بناتج قيمته 192 مليار دولار.

والتحدي أمام المجموعة فيما يتعلق بناتجها المحلي، هو أن يؤدي هذا التجمع الجديد إلى تحسين هيكل الناتج المحلي بجميع دول المجموعة، فيتحسن أداء التكنولوجيا في الاقتصاد التركي، ويتم انتشال باكستان من تصنيف الدول الأقل نموًا، وأن يحظى الاقتصاد القطري بما يدعمه لامتلاك اقتصاد متنوع لا يعتمد على النفط فقط.

 التجارة الكلية: 

بلغت التجارة الكلية لدول المجموعة مع العالم في عام 2018 نحو 1.42 تريليون دولار، وذلك حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، وتحتل ماليزيا المرتبة الأولى من حيث قيمة التجارة مع العالم بقيمة 464.7 مليار دولار، تليها تركيا بقيمة 391 مليار دولار، ثم إندونيسيا بقيمة 369 مليار دولار، ثم قطر بقيمة تقارب 121 مليار دولار، ثم باكستان بقيمة تقارب 84 مليار دولار.

وثمة مجموعة من التحديات تواجه دول المجموعة بشأن التجارة الخارجية:

أولا:

أن تنجح المجموعة في زيادة معدلات التبادل التجاري فيما بينها، مع المحافظة على تجارتها القائمة مع بقية دول العالم خارج المجموعة، بحيث لا تكون زيادة التبادل التجاري لدول المجموعة خصمًا من رصيدها مع شركائها التجاريين الآخرين.

كما يلاحظ أنه لا توجد دولة واحدة من بين دول المجموعة تشكل شريكا تجاريا واقتصاديا في مرتبة متقدمة ضمن الشركاء التجاريين العشرة الأول لأي دول داخل المجموعة.

 ثانيا:

ثمة تحد كبير يتعلق بالمكون الخاص بالتكنولوجيا المتقدمة في الصادرات السلعية لدول المجموعة، وهو أنه باستثناء ماليزيا، تعتبر دول المجموعة صاحبة أداء متواضع في هذا المجال، فأرقام قاعدة بيانات البنك الدولي توضح أن مجموع ما تصدره دول المجموعة في مجال التكنولوجيا المتقدمة في عام 2018 بلغ ما يزيد بقليل على مئة مليار دولار، كان لماليزيا نصيب الأسد منها بنحو 90.3 مليار دولار!!

نقاط القوة
تكتسب مجموعة الخمس الإسلامية، أحد نقاط القوة، كونها تنطلق عبر اتفاق بين حكومات، بما يعني لها توفر الإرادة السياسية، التي تمكنها من تفعيل مشروعها، وبخاصة أن غالبية دول المجموعة تحكمها نظم ديمقراطية، ولا بد أن تتوخى المصلحة الاقتصادية في أي من خطواتها.

لكن التحدي الذي سيواجه المجموعة هو أن تنجح الحكومات في إقناع مجتمع الأعمال والمجتمع الأهلي بتفعيل أهداف هذا التجمع الجديد، ليكتسب دعمًا شعبيًا بجانب توفر الإرادة السياسية للحكومات.

والمجتمع الأهلي بدول المجموعة يمكنه تقديم أمور مفيدة، مثل التعليم وتبادل خبرات التكنولوجيا والبحث العلمي بين الجامعات ومراكز البحوث بدول المجموعة. وكذلك نقل تجارب النجاح في مشروعات التنمية التي تحققت في كل من ماليزيا وإندونيسيا وتركيا.

كما أن الانطلاق من المدخل التجاري والاقتصادي مهم، وقد يُعول عليه بشكل كبير في عمل المجموعة، ولكن يخشى من تحدي جرها إلى الصراع السياسي، وبخاصة أن دول المجموعة بشكل عام تعاني من كون بعضها أطرافا في الصراع القائم بمنطقة الشرق الأوسط.

وثمة نقد وجه للمجموعة بأنها محاولة لتفريغ منظمة التعاون الإسلامي من مضمونها، وهو ما نفاه مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا مبكرًا.

وأمام المجموعة فرصة لتحقيق حالة نجاح وتلافي ما يُنصب لها من شباك الوقوع في الخلاف السياسي، الذي أفسد تجارب أخرى كان ينتظر منها أن تقود تجمعات إقليمية عربية أو إسلامية، مثل مجلس التعاون الخليجي، أو الاتحاد المغاربي، أو السوق العربية المشتركة، أو مجموعة الثماني الإسلامية.

لا تكفي العواطف في بناء التكتلات السياسية والاقتصادية، ولكن لا بد من وجود مصالح مشتركة، يتم استهداف رفع قيمتها وتوسيع حجمها، وأن يكون الجميع مستفيدا من المصالح المتحققة. ولعل التجارب القائمة في الاتحاد الأوروبي، أو تجمع البريكس أو الآسيان، تفيد المجموعة في اقتفاء أثرها، والسير نحو تحقيق حالة من النجاح، يمكن من خلالها جذب دول إسلامية أخرى للمجموعة.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى