مقالاتمقالات المنتدى

للشيوعية وجه آخر في الهند

للشيوعية وجه آخر في الهند

 

بقلم صبغة الله الهدوي “محرر مجلة النهضة العربية” (خاص بالمنتدى)

 

على حين تتصاعد كل يوم وتيرة إسلاموفوبيا في الهند وتشتعل مراجل الفتن بين عشية وضحاها تفاجئ الأمة الإسلامية في الهند ظاهرات غريبة وعجيبة، ظاهرات بنيت على أسس النفاق البحت، لا تدري كمسلم هندي من أين تأتي كل هذه الأعداء مجمعة وتفتك بأمة أصيلة صنعت تاريخ الهند ومجدها، فما للشيوعية في هذه المسرحية المتعفنة، فكيف لها أن تتبادل القبلات الفرنسية مع الأحزاب الهندوسية المتطرفة لتردد ذات الأصداء التي سمعناها من أفواه الأعداء ولتحاكي أحسن ما تقولها ولتخدع آلاف المسلمين الذين آمنوا أن الشيوعية بحوزتها تحطيم الصخرة الهندوسية الراسية وأنها قادرة لإشعال ثورة مضادة تسحق طموحات الفاشية الهندوسية، لكن أنى لها ذاك، وقد بانت سوءاتها في هذه الفترة الأخيرة التي اكتشفت أمام الدنيا نواياها الخببيثة كما شهدت لتلك التصريحات التي تستهزء بالمقدسات الإسلامية بل بالمسلمين أنفسهم.

ولا يخفى أن للأحزاب اليسارية حضورا قويا في سياسة الهند المضطربة، بل كان حزب الشيوعية الهندية زعيم الأحزاب المعارضة في أول الحكومة التي تشكلت بعد استقلال الهند، بل كانت رائحة اليسارين تزكم الأنوف في كل زاوية شهدت للثورات ضد الإقطاعية ليندفع وراءهم المسلمون آملين بالنجاة وحالمين للوصول على شط الأمان، فتشكلت حكومات تضم الأحزاب التي أنشأت لحقوق المسلمين بل كان للمسلمين حضور فاعل في المناصب الحكومية والحزبية لكن لم يمض طويلا لتعود حليمة إلى عادتها القديمة وليخلع الثعبان كساءه، فبعد أن أحكمت اليسارية قبضتها على أرضية السياسة وبعد أن بدت تنافس الأحزاب الكبرى أصبحت تغض الطرف عن حقوق المسلمين وتكشر أنيابها عن الخدمات الجليلة التي قام بها الناشطون المسلمون لمصالحها السياسية.

 وفي كيرالا حيث كانت وما زالت آخر كهف يأوي إليها الشيوعية شهدت فترة الثمانينيات لانتفاضة شعبية إسلامية تحت قيادة رابطة المسلمين وذلك حين أصدرت الحكومة الشيوعية لشطب اللغة العربية من المنهج الدراسي تحت دعوى إنها لغة دينية لا تمت للدولة العلمانية بصلة، فاستشهد في تلك الانتفاضة ثلاثة ناشطين من رابطة المسلمين لتراجع الحكومة قرارها الظالم وتضع اللغة العربية في مكانها القديم، بل قبل هذه الانتفاضة كانت الشيوعية عابسة وجهها تجاه قضية تشكيل إقليم مالابروم التي تضم أغلبية المسلمين والتي كانت في حضيض التخلف وفي قاع الفقر، فكان من الضرورة تشكيل إقليم يعزز وجودهم ولأنهم فدوا النفس والنفيس من أجل استقلال الهند، لكن للأسف في بداية الأمر لم تقتنع الحكومة الشيوعية بهذا المطلب ولأنها الأدرى بقوة المسلمين وخطرهم في وحدتهم، فكانت تطمح لكي تجعل كيرالا البنغال الشرقي وتجعل المسلمين يتيهون في الضياع والتشرذم.

 فإن للبنغال الشرقي حكاية أخرى مزجت من الألم والدمع، فتلك ولاية يشكل فيها المسلمين ثلاثين في المائة لكن كانوا بعيدين عن أضواء السلطة سوى  تلك الشخصيات القليلة التي تربعت على بعض المناصب الحكومية، نجحت الشيوعية في السيطرة الشاملة على البنغال الشرقي لأكثر من خمسة وثلاثين عاما، لم يحظ فيها المسلمون سوى التخلف والفقر، واستمروا على ضعفهم وقلة حيلتهم يصوتون في صالح الشيوعية، وبالمقابل تعرضوا للانتهاكات والاضطهادات، فالتقريرات الصحفية التي حاولت لتسليط الضوء على مخلفات السياسة الشيوعية في البنغال الشرقي تقول “إنها كانت فترة نكبة للمسلمين، أصيبوا فيها ما اصيبوا، أصبحوا فيها مجرد دمى بأيدي الماركسين”، بل كان يقال ” عند آخر الطرق التي تنتهي اللمبات الكهربائية تبدأ الطريق إلى قرى المسلمين”، وحقا كان كذلك، إلا أن المشهد في كيرالا اختلف، لأن المسلمين أبوا أن يبيعوا هويتهم بثمن بخس، بل اتحدوا وتجمعوا تحت راية رابطة المسلمين لينافسوا ويزاحموا ويقتحموا كل المناصب التي كانت حلما لمسلمي البنغال الشرقي.

وبعد الألفية الثانية شهدت تغيرات كثيرة في سياسة الشيوعية كما اقتربت أكثر من الهندوس تستهويهم وتغريهم بوعود حرمت من المسلمين، بل سمعت دنيا كيرالا أقوالا غريبة خرجت من أفواه قيادات الشيوعية من أبرزها “في إيس أتشودانتان” الذي كان الوزير الأعلى لكيرالا في فترة 2006 إلى 2011م حيث قال ” كيرالا ستصبح ولاية إسلامية خلال عشر سنوات مقبلة” لتشعل هذه المقولة جدلا واسعا لما أنه كان مشهورا بعداوته وكرهه تجاه المسلمين بل هو القائل حين شاهد نسبة النجاح العالية في طلاب مالابورم واكثرهم مسلمون في ” إن طلاب مالابورام _ المقاطعة ذات الأغلية المسلمة_ ينجحون في الامتحانات بسس الغش”، ولم تك هذه المقولة غريبة بالنسبة لقيادات الشيوعية التي طالما حاولت لإهانة المسلمين واستغلت الفرص للعبث بمقدساتهم وشعائرهم، فمن قبل كان لزعيمهم إي أم أس نمفوتيرفاد الذي قال عن الشريعة الإسلامية ” الشريعة البربرية التي نشأت في القرن السادس”، بل كانت الشيوعية دائما بالمرصاد فحاولت أكثر من مرة لهدم الأمة من الداخل والخارج، فلما رأت أن المدارس الإسلامية التي تعمل معظمها ما بين الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة صباحا هي مصدر الطاقة الدينية أصدرت قرارا بتغيير أوقات المدارس الدينية بغية تقليص الفرص للتعلم الديني.

 بل في هذه الفترة القريبة شهدت الأمة الإسلامية في مليبار لقرارات هي الأكثر شرا وشناعة بالنسبة للمسلمين كما في قضية الزي الرسمي للمدارس الحكومية باسم الزي المتحد للبنات والأولاد وفي قضية إغلاق المساجد في فترة كورونا وإن سمحت الحكومة لفتح المولات والمحلات الكبرى، وعلاوة على ذلك ما ينشر جناح الطلبة للشيوعية من خلاعة وفجور بين طلاب الجامعات باسم الحرية والليبرالية، وأخيرا في قضية “جهاد الغرام” الاصطلاح الجديد الذي تبناه “في إس أتشودانادهان” _ أشد الوزراء كرها للمسلمين_ عن الزواج الذي يحدث بين مسلم وهندوسية والعجب ما كان لديه اصطلاح ولو نصفه عن حملات الزواج التي تخططها بعض الجهات المتطرفة لتوريط الفتيات المسلمات وإلقاءها في الخطر الداهم، بل كل هذه المقولات لم تك عابرة بل نقشت وتخلدت لتلقفها أبواق الهندوسية المتطرفة التي هي الأخرى في مراقبة ورصد المسلمين، فلا غرو إن قلنا إن الشيوعية تعبّد طرق آر أس أس وتزيل عنها المطبات حتى تتسللا وتوغلا في مفاصل الأمة الإسلامية معا،  فكما يقال ” فإنه إذا بهت الأحمر أصبح زعفر”، فلا نفرق بين أحد منهم ونحن له راصدون مقاومون.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى