مقالاتمقالات المنتدى

لا يضرهم من خذلهم

لا يضرهم من خذلهم

 

بقلم د. سلمان السعودي (خاص بالمنتدى)

 

قلوبنا تنزف لعظمة الجريمة التي ارتكبت من قبل الاحتلال الإسرائلي وحلفائها أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والصمت العربي، نعم فظاعة الجريمة لا تحتمل وتخرج الكثير من دائرة التفكير السليم، وقدرة التحمل، دمار شامل لكل معالم الحياة من مسكن وبنى تحتية وتغذية وخدمات حياتية، إبادة للجيل الناشئ من الأطفال، إبادة للنساء التي تنجب الأجيال، قتل متعمد لمعالم الحياة.
نعم وسط هذه الأكوام من ركام الدمار ، وزحمة مراكز الإيواء، والخيام التي لا تقي اللاجئين مطر السماء، أو برد الشتاء، تعيش الناس آلاما تزداد نزفا يوما بعد يوم، ويزداد جرح القلب غوارا مع فقد الأحبة المتتالي، فأصبح الإنسان في حيرة من أمره، أيعزي نفسه، أم يواسيها، أم يلومها على عدم قدرته من انتشال أحبابه من تحت الركام، ولا يستطيع أن يهش الكلاب عن نهش أشلاء أحبته، أو لا يستطيع أن يمنع السيل من جرف أجسادهم المتحللة.
كل هذا يدمي قلوبنا، وينقش على جدرانها عبارات الألم والحسرة.
نعم من حقنا أن نعيش حياة آمنة، مطمأنة، سعيدة، فيها من الرفاهية الحياتية كما الأخرين من العالم حولنا.
نعم نحب الحياة، ولكننا نتميز عن غيرنا، نرفض كل حياة لا كرامة فيها، نرفض حياة الذلة والهوان ولو على حساب جرح القلوب، ونزف الجراح، نرفض حياة الأنعام التي تسمن لتساق للمذبح، كما نرفض حياة الأشجار التي مصيرها الحرق.
نعشق الكرامة وإن على حجر ذبحنا، لأننا على يقين إيماني بأننا أمة ميزنا الله تعالى عن باقي الأمم، أمة منهجها الإيمان المطلق الذي لا يشوبه شك بأن حياتنا ومماتنا وفق قدر الله تعالى، الذي يملك وحده سبحانه الآجال، والأرزاق، والأقدار، فلا تموت نفس إلا إذا استوفت أجلها، *” وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “*
ولا ينجي حذر من قدر، *” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ “* وقال تعالى: *” قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ “*.
فالأمر أمر الله تعالى، والقدر قدر الله تعالى، وإن ما يحصل للعباد هو اختبار الله تعالى لعباده، قال تعالى: *” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ “*.
ولقد أمر الله تعالى بالجهاد في سبيله، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحرض عليه فقال تعالى: *” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ “* كما جعله اختبارا للمؤمن، فمن فاز به فاز بجنة الله تعالى، *” أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ “* وقال تعالى: *” أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “*
أيها الأخ المسلم، أيتها الأخت المسلمة، فكيف لو كان الجهاد في سبيل الله تعالى ضد أعداء الإسلام، من كادوا للنبي صلى الله عليه وسلم وحاولوا قتله مرارا؟! من نقضوا العهود ومزقوا المواثيق؟! من دنسوا بيت المقدس ويحاولون هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، كيف لو كان الجهاد والرباط في الأرض المباركة، والتي اصطفاها الله تعالى لأن تكون في كفالته، إقرأ إن شئت قول الله تعالى: *” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ “*
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل الشام والرباط فيها: جاء في صحيح السنة أحاديث كثيرة في فضل بلاد الشام، منها ما جاء عن معاوية بن حيدة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” عليكم بالشام “.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله “.
وعنه صلى الله عليه وسلم: ” ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام “.
وحديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الشام أرض المحشر والمنشر “.
ووصى النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام، قال صلى الله عليه وسلم: ” عليك بالشام فإنها خيرة الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده “. رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح.
وعن مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ” رواه الترمذي (2192) وقال: ” وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ “.
أما قول البعض بأن أهل فلسطين مستضعفين، ولا يملكون القوة والاستطاعة لمحاربة الاحتلال، فهناك فرق بالعدة والعتاد، وهذا الذي يحصل في غزة وفلسطين إنما هو تهلكة.
نقول لهم: هيا بنا نراجع تاريخ أمة الإسلام، من عهد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، هل كان يوما في حرب المسلمين لقريش والكفار والفرس والروم عدد المسلمين وعدتهم تساوي ربع قوة العدو؟!
وفي معاركهم لمن كان النصر والغلبة؟!
فالله سبحانه وتعالى طلب منا أن نعد لهم ما استطعنا، ولم يطلب منا التكافؤ في العدة والعدد والعتاد!!! قال تعالى: *” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ “*.
أليس اليقين بأن النصر من عند الله تعالى يعطيه الله لمن نصر دينه وشرعه، وطبق آيات جهاده حيث قال تعالى: *” انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ “* وقال تعالى: *” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ “* وقال تعالى: *” قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ “*
وعن فضل الرباط في سبيل الله، عَنْ سَلْمَانَ الفارسي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: ” رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيرٌ مِنْ صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وَإنْ ماتَ فيهِ جَرَى عَلَيْهِ عمَلُهُ الَّذي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزقُهُ، وأمِنَ الفَتَّانَ ” رواهُ مسلمٌ.
أخي المسلم، أختي المسلمة، هل بعد هذا البيان من كفالة الله تعالى لأهل فلسطين والشام، وفضل الجهاد في سبيل الله، وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم فضل الرباط هل لنا أن نعترض على ما يحدث في فلسطين التي جعلها الله أرض رباط وجهاد إلى يوم أن ينطق الشجر والحجر يدل على اليهودي لقتله، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين وغيرهما، ولفظه: ” يقاتل المسلمون اليهود، فينصرون عليهم، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي تعال فاقتله “.
إن أهل فلسطين هم الذين اختارهم الله تعالى ليكونوا جنده الذين بمثلون رأس حربة لجهاد الغزاة، وطرد الاحتلال، فمن ركب سفينتهم فاز بإحدى الحسنيين، شهادة أو نصر، ومن تخلف عنهم، او خذلهم باء بخسران مبين، ولن يضرهم بشيء، لأن الله تعلى حافظهم،  قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” وأخرجه أيضا الطبراني . قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.
اللهم نصرك الذي وعدت عبادك المجاهدين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى