تقارير وإضاءات

في الأردن.. كبيرات السن يقبلن على مراكز محو الأمية لحفظ القرآن

في الأردن.. كبيرات السن يقبلن على مراكز محو الأمية لحفظ القرآن

إعداد أيمن فضيلات

من ساعات الصباح الباكر تستعد الحاجة أم محمد كتكت -74 عاما- للدرس الصباحي في مركز محو الأمية القريب منها، وهمها أن تتعلم الأحرف العربية وتهجئة الكلمات، وصولا إلى قراءة القرآن الكريم وحفظه.

تشاركها في الصف السادس ثماني سيدات من كبار السن اللواتي خسرن تعليمهن في الصغر لعدة ظروف أبرزها، الهجرة من فلسطين عام 1948 بعد الاحتلال الإسرائيلي وطرد السكان العرب.

ثم سنوات اللجوء في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وما فيها من تعب وكدّ وتربية أولاد، وبعد تقدمها بالسن ووفائها بواجباتها الأسرية بدأت بالدراسة في مراكز محو الأمية.

واجبات منزلية
ومثل حرصها على حضور الحصص المدرسية يوما بعد يوم، تحرص أم محمد -في حديثها للجزيرة نت- على حل الواجبات المدرسية التي تكلفها بها المدرسة، يساعدها في ذلك أحفادها، حتى استطاعت اجتياز المرحلة التعليمية الأولى، وبدأت في الثانية.

تجاور أم محمد في مقعدها الدراسي الحاجة أم زيد الراعي -52 عاما- لم يسمح لها أهلها في صغرها بالذهاب للمدرسة، فعاشت أمية لا تعرف الأحرف ولا الأرقام، حتى إذا أرادت التنقل من البيت بالحافلات، لا بد من مرافق معها لأنها لا تعرف كيف تقرأ اتجاهات الحافلات، مما كان يشكل لها صعوبة وعذابا.

وتقول أم زيد للجزيرة نت، “أول صعوبة واجهتها في الصف الدراسي كانت الإمساك بالقلم للكتابة، لكنني تغلب على الصعوبات، وأنهيت المرحلة الأولى للصف الرابع الأساسي، وبدأت في مرحلة الصف السادس بعدما أتقنت الأحرف والكتابة والقراءة بفضل من الله ثم مراكز محو الأمية”.


الحاجة السبعينية أم محمد كتكت حافظت على دراستها على مدى أربع سنوات حتى باتت تقرأ وتكتب بكل طلاقة (الجزيرة)
الحاجة السبعينية أم محمد كتكت حافظت على دراستها على مدى أربع سنوات حتى باتت تقرأ وتكتب بكل طلاقة (الجزيرة)

محو الأمية وتعدد اللغات
وكانت اليونسكو أعلنت في دورتها الرابعة عشرة أثناء مؤتمرها العام الذي عقد في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1966 يوم 8 سبتمبر/أيلول من كل عام يوما دوليا لمحو الأمية لتذكير المجتمع الدولي بأهمية القراءة للأفراد والمجتمعات، وضرورة تكثيف الجهود للوصول إلى مجتمعات أكثر إلماما بمهارات القراءة والكتابة.

وجاءت فكرة المناسبة الدولية نتاج فعاليات المؤتمر العالمي لوزراء التربية الذي عقد بشأن محو الأمية في العاصمة الإيرانية طهران يومي 18 و19 سبتمبر/أيلول 1965.

واحتفالية اليوم الدولي لمحو الأمية لعام 2019 فرصة للتضامن مع احتفالات 2019 بوصفها السنة الدولية للغات الشعوب الأصلية والذكرى السنوية الخامسة والعشرين للمؤتمر العالمي بشأن تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتبني شعار “محو الأمية وتعدد اللغات” مسألة أساسية لمواجهة تحديات محو الأمية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بحسب الموقع الرسمي لليوم العالمي لمحو الأمية.


المعلمة رسمية عبدالفتاح دعت الأبناء إلى متابعة دراسة أمهاتهم في البيت (الجزيرة)
المعلمة رسمية عبدالفتاح دعت الأبناء إلى متابعة دراسة أمهاتهم في البيت (الجزيرة)

مستويان تعليميان
ووفق الإحصائيات الرسمية الأردنية فقد انخفضت نسبة الأمية بين الأردنيين والأردنيات من 11% عام 2000 إلى 5% حتى نهاية عام 2017، بواقع 2.9% للذكور، و7.5% للإناث.

وتقدم وزارة التربية والتعليم الأردنية برنامجا مميزا لمحو الأمية يعتبر من أكبر البرامج التعليمية لكبار السن، ويشتمل على مرحلتين من المستويات التعليمية.

المرحلة الأولى ويطلق عليها مرحلة المبتدئين، وتمتد فيها مدة الدراسة لستة عشر شهرا أي عامين دراسيين، يمنح بعدها المتخرج شهادة دراسية تعادل شهادة الصف الرابع الأساسي.

أما المرحلة الثانية وتسمى مرحلة المتابعين، وتستمر الدراسة فيها ستة عشر شهرا أيضا وبواقع عامين دراسيين يمنح بعدها الـمتخرج شهادة تعادل شهادة الصف السادس الأساسي.

حب التعلم
“مقبلات على الدراسة بحب وشغف والتزام دون غياب عن الحصص الدراسية”، تصف المعلمة في فصول محو الأمية رسمية عبد الفتاح تفاعل كبيرات السن مع الدراسة.

وتضيف رسمية للجزيرة نت أن وزارة التربية تدير وتشرف على فصول محو الأمية، وتزودنا بالكتب الدراسية والقرطاسية لكل طالبة، وتم الاتفاق مع جمعية المحافظة على القرآن الكريم لتوفير الغرف الصفية للتدريس وبشكل مجاني، إضافة للهدايا التشجيعية والحوافز والنشاطات والرحلات الخارجية.

لكن المشكلة التي تواجهها بعض الأمهات -تضيف رسمية- عدم وجود احتضان ومتابعة لها بالبيت، فهناك أمهات لا يجدن من يدعمهن ويشجعهن على الاستمرار بالدراسة، وبعضهن ينشغل عنهن أبناؤهن وبناتهن ولا يقدمون لهن المساعدة في الواجبات البيتية والمتابعة الدراسية.

ويدرس الملتحقون ببرنامج محو الأمية مواد العربي والرياضيات والاجتماعيات والثقافة الإسلامية والعامة، إضافة إلى حصص مخصصة لتلاوة القرآن الكريم وحفظه بأحكام التجويد.

مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية التي افتتحت العام الدراسي الماضي بلغت نحو 140 مركزا، منها 120 مركزا للإناث وعشرون مركزا للذكور، التحق بها نحو 1823 دارسا ودارسة.


كبيرات بالسن في مركز لمحو الأمية التابع لوزارة التربية والتعليم الأردنية في مخيم البقعة (الجزيرة)
كبيرات بالسن في مركز لمحو الأمية التابع لوزارة التربية والتعليم الأردنية في مخيم البقعة (الجزيرة)

المتسربون ومحو الأمية
وزارة التربية والتعليم ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وقعتا خطة تعاون لتنفيذ البرنامج التعليمي الاستدراكي للفئة العمرية من 9–12 عاما من الأطفال المتغيبين عن الالتحاق بالمدارس، حيث تم افتتاح 110 مراكز لهذا البرنامج، التحق بها نحو 3538 طالبا وطالبة.

وعلى صعيد الطلبة المتسربين من المدارس، تنفذ وزارة التربية برنامجا لتعزيز الثقافة للمتسربين، ومعالجة مشكلة التسرب المدرسي، حيث افتتح 150 مركزا لتعزيز الثقافة للمتسربين، انضم له نحو ستة آلاف دارس ودارسة.

تقدم ملحوظ
“الأردن حقق تفوقا لافتا في مجال محو الأمية وتقدما ملحوظا خلال السنوات الماضية” يقول الخبير الاجتماعي منير إدعيبس للجزيرة نت، مؤكدا أهمية البناء على هذه الإنجازات والبناء عليها في محو أمية النساء والفتيات خاصة، وذلك لأن نسبة الأمية بين النساء أعلى منها بين الرجال.

وتشير دراسات إلى أن نسبة الأمية بين الإناث الأردنيات في الفئة العمرية -ستين عاما فأكثر- أعلى حيث بلغت 38%، مقارنة مع 12% بين الذكور من الفئة العمرية ذاتها.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى