مقالاتمقالات المنتدى

طوفان الأقصى وحروب الذاكرة (2)

مؤسسات دعم الصهيونية في أمريكا «منتدى الشرق الأوسط نموذجا»

طوفان الأقصى وحروب الذاكرة (2)

مؤسسات دعم الصهيونية في أمريكا «منتدى الشرق الأوسط نموذجا»

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

تهدف سلسلة المقالات التي بين يدي القارئ إلى الوقوف على تغيرات الذاكرة التي أحدثتها غزوة طوفان الأقصى في المجتمعات المختلفة حول العالم فيما يخص قضية فلسطين، وواجبنا كعلماء وباحثين ودعاة وسياسيين إزاء ذلك، وذلك من أجل الحفاظ على نقاء الذاكرة الجديدة للعالمين بخصوص الحق والباطل فيما يجري في فلسطين، وقد حاول المقال الأول من هذه المقالات إلقاء الضوء بشكل عام ومختصر على محاولات تشويش ذاكرة المواطن الأمريكي العادي بخصوص فلسطين وما يجري فيها.

وفي المقال الذي بين يدي القارئ نستمر مع الواقع الأمريكي وتفاعله مع غزوة طوفان الأقصى باعتبار أن أكثر فاعل مؤثر في القضية الفلسطينية-خارج المحيط العربي والإسلامي- اليوم ولأمد طويل هو الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي، وذلك من خلال تناول إحدى المؤسسات البحثية الأمريكية المؤيدة للكيان الصهيوني، وهي مؤسسة منتدى الشرق الأوسط، وكيف تستخدم الأدوات البحثية والتواصل مع التنفيذيين في الحكومة الأمريكية والإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي كسلاح في عمليات التأثير في عقل ووجدان وتوجهات المواطن الأمريكي؛ حاكماً ومحكوماً، من خلال استهدافه عقليا وعاطفيًا برسائل في ظاهرها حقيقية وعلمية في حين تخفي تحيزاً سافراً وعدواناً مشيناً على الحقيقة والبحث العلمي.

ما هو منتدى الشرق الأوسط؟

“منتدى الشرق الأوسط”، (http://www.meforum.org)، هو مؤسسة بحثية أمريكية يترأسها دانييل بايبس( سنخصص جزءاً من المقالات للتعريف به وبرؤيته للصراع مع الكيان الصهيوني), وتأسس المنتدى في 1990، وأصبح مؤسسة مستقلة في 1994.

ويحدد المنتدى مهمته ورسالته كالتالي” يرى المنتدى أن للولايات المتحدة مصالح هامة وحيوية في المنطقة؛ وعلى وجه الخصوص، يؤمن بعلاقات قوية مع إسرائيل، تركيا، وأي ديموقراطيات تنشأ؛ ويعمل من أجل حقوق الإنسان في المنطقة؛ ويسعى إلى تأمين امدادات النفط وبسعر منخفض؛ ويدعو ويحث على التسوية السلمية للنزاعات الإقليمية والدولية.

ويرى منتدى الشرق الأوسط أن المنطقة هي مصدر رئيسي للمشاكل التي تواجه الولايات المتحدة وذلك لانتشار الديكتاتوريات (الأنظمة الاستبدادية) والأيديولوجيات المتطرفة والصراعات ونزاعات الحدود والعنف السياسي وأسلحة الدمار الشامل بها. لذلك يطالب بإجراءات ايجابية من أجل حماية الأمريكيين وحلفاءهم الأجانب من هذه الأخطار.

ومن أجل هذا الهدف، يسعى المنتدى للمساعدة على تشكيل المناخ العقلي الذي تتم فيه صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة وذلك بتناول القضايا والشؤون الأساسية المفتاحية بطريقة يفهمها العامة والمثقفون من الشعب[1].

آليات عمل المنتدى

يصدر المنتدى فصلية الشرق الأوسط بغرض بيان الوقائع والحقائق والحجج والأدلة من أجل فهم قضايا الشرق الأوسط المركبة والمعقدة. كما ينشر الكثير من المقالات والأبحاث المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. ويظهر العاملون بالمنتدى على محطات الإذاعة والتليفزيون عشرات المرات سنويا، ويجرون بانتظام مقابلات وثائقية (منشورة) ومقابلات الخلفية (وهي نوع من المقابلات التي تتناول موضوعا هاما تناولا تفصيليا) لوسائل الإعلام، ويكتبون مقالات وكتب. ويظهرون على العديد من البرامج الأمريكية وعلى البي بي سي، والجزيرة والتليفزيونات الكندية والفرنسية واليابانية، وغيرها. ويكتبون لكل صحف الولايات المتحدة الكبرى والعديد من صحف أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا. فضلا عن ذلك يشغل العاملون بالمنتدى وظائفا رسمية قصيرة الأمد بحكومة الولايات المتحدة، ويمثلون أمام الكونجرس لتقديم شهاداتهم، ويجرون أبحاثا ودراسات لوزارة الدفاع وغيرها من المؤسسات الفيدرالية[2].

مجال تأثير المنتدى

منذ تأسس يتمتع المنتدى بتأثير على الحكومة في واشنطن من خلال حث وزارة الخارجية على مراجعة سياستها، وفي مساعدة جماعات الضغط على إعداد الحجج والأدلة القوية ذات المصداقية داخل الكونجرس (السلطة التشريعية)، وفي مساعدة كاتبي الخطابات بأفكار وتصورات معقولة وجيدة ذات صلة بالسياسة الخارجية. في الأروقة والقاعات الأكاديمية(سيتناول مقال مفرد ذلك التأثير) [3].

موقف المنتدى من حرب السابع من أكتوبر

يمكن الوقوف على موقف المنتدى من الحرب في غزة بتحليل بعض رؤى مديره دانيال بايبس الذي انتهى للتو من كتاب عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو يرى أنه ينبغي لإسرائيل أن تدير حربها على حماس من خلال تركيز حكومتها على قضيتين رئيسيتين، تدمير قوة حماس وإقامة نظام جديد لائق من أهل غزة الذين يحكمون غزة تحت الإشراف الإسرائيلي. وبتعبير أكثر إيجازا: اربح الحرب، تحصل على السلام. وكل شيء آخر : السياسة الداخلية، والرهائن، التعاطف الدولي مع الفلسطينيين الدولي يصبح أقل أهمية.

كما يرى أن حماس هي عدو لكل من إسرائيل والولايات المتحدة. وبينما تخوض إسرائيل المعركة العسكرية لتدمير عدونا المشترك، فإن أقل ما يمكن أن يفعله الأميركيون هو خوض المعركة الدعائية في الداخل[4].

وينطلق بايبس ومن معه في تناولهم للقضية الفلسطينية من مسلمة كاذبة يدعمونها بمعلومات خاطئة ويعيدون تكرارها في كتاباتهم ولقاءاتهم الإعلامية تقول بأنه مثل العديد من الشعوب القديمة الأخرى، فقد الفلسطينيون في النهاية هويتهم الأخلاقية المميزة، واختفوا من صفحات التاريخ منذ حوالي 2500 عام[5]. كما يرى أن المجموعة الأساسية المناهضة لإسرائيل في أمريكا  وهي في المقام الأول إسلاموية ويسارية، وهو يرى أنهم غير مؤيدين للفلسطينيين لكنهم مناهضون لإسرائيل[6].

وهو يشدد دائما على أن “حماس تعمل بمنطق الخسارة من أجل الحصول على تعاطف حلفائها، ولا سيما الإسلامويين في جميع أنحاء العالم، واليسار بشكل عام، واليسار المتشدد بشكل خاص. فحماس لديها منطق فريد. ولا أعرف أي مثال تاريخي يمكن مقارنته بذلك. حماس تطلب الموت والدمار. إنها لا تسعى إلى الفوز في ساحة المعركة بل إلى الخسارة. إنها تسعى إلى أن يتعرض الشعب الذي تحكمه للأذى، والقصف، والتشرد، والجوع، والموت. إنها تستخدم سكان غزة كوقود للمدافع، ولكن ليس النوع المعتاد من الوقود للمدافع الذي ينطلق ويهاجم العدو. هذا هو وقود المدافع الذي يعاني[7].

وتلخص سلسلة من المقالات  منشورة منذ نهاية يناير الماضي حتى أمس (23/2/2024م) بلغت خمس مقالات، في موقع المنتدى بعنوان “مواجهة الدعاية “المؤيدة للفلسطينيين[8]، كتبها  أ.ج. كاشيتا وهو محاضر رئيسي في معهد روتشستر للتكنولوجيا، وزميل ميلستين للكتابة في منتدى الشرق الأوسط وزميل كبير في المشروع الاستقصائي حول الإرهاب، رؤية المنتدى ومحور اهتماماته ومنطلقاته للتعامل مع القضية الفلسطينية والعالم العربي والإسلامي عموماً، فمن خلال هذه المقالات الثلاث سعى كاشيتا من أجل أن يفند أي جهد صادق لفهم ما جرى في 7 أكتوبر باعتباره مقاومة مبررة.

وهو يرى أن حركة حماس وحلفاؤها في وسائل الإعلام والكونغرس، وخاصة في الأوساط الأكاديمية، قد قاموا بإشباع الأمة الأمريكية بالدعاية التي تهدف إلى التأثير على “قلوب وعقول” الأمريكيين ضد إسرائيل. ويبدو أنهم يفوزون. ودليل ذلك انتشار الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في جميع أنحاء البلاد منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر ، وهو ما يراه الكاتب دليلا على فشل النظام التعليمي الأميركي ونجاح اللوبي “الفلسطيني”.

وتشدد المقالات أن نجاح ما يسميه “اللوبي الفلسطيني في أمريكا” يعتمد على الجهل بالحقائق فالطلاب وهم يهتفون “من النهر إلى البحر” لا يستطيعون تحديد النهر أو البحر المعني. ولم يسمع سوى القليل عن قرار الأمم المتحدة رقم 181، وما زال عدد أقل منهم يعرف كيف أصبحت قطعة من الأرض تعادل مساحة ولاية نيوجيرسي تقريباً تُعرف باسم “فلسطين”. لقد تم تضليلهم ليؤمنوا “بالحقيقة” البعيدة كل البعد عن الحقيقة.

ثم يعدد الكاتب ما يسميه الافتراءات المختلفة الموجهة إلى إسرائيل مثل: الاتهامات بأن إسرائيل هي “دولة فصل عنصري واستعماري استيطاني” وتمارس “التطهير العرقي” و”الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين. ومثل الاتهام بأن غزة هي “سجن مفتوح” وأن “اللاجئين” الفلسطينيين لديهم “الحق” في العودة إلى إسرائيل والمطالبة بالأراضي التي فقدوها في حرب عام 1948.

وليس ذلك وحسب بل إن العديد من طلاب الجامعات، وجميع المتظاهرين المناهضين لإسرائيل، يعتقدون خطأً أن دولة تسمى “فلسطين” كان يسكنها شعب يسمى “الفلسطينيين” حتى الحرب العالمية الثانية، وبعدها بدأ اليهود الذين فروا من المحرقة النازية بالهجرة إلى هناك “كمستوطنين”. ” وأخذ الأرض من العرب . واليوم، كما تقول الرواية، هم محتلون استعماريون “للأرض الفلسطينية المسروقة”، كما تقول “مجموعة أدوات يوم المقاومة” التي أطلقتها منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين. مصطلح “الفصل العنصري الإسرائيلي” هو افتراء هزلي، يهدف إلى اتهام إسرائيل بأنها إسرائيل دولة فصل عنصري دولة عنصرية من خلال مقارنتها بحكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

وتقوم المقالات بتفنيد كل هذه الادعاءات من وجهة النظر الصهيونية، وأبرزها حقيقة أنه لم تكن هناك قط دولة تسمى “فلسطين”، وأن الشعب اليهودي كانوا هم السكان الأصليين لهذه المنطقة. وكذبة أن “إسرائيل دولة فصل عنصري” التي لم تنبع من أحد المشتبه بهم المعتادين – الأمم المتحدة، أو الأوساط الأكاديمية، أو إحدى المجموعات الأمامية لحماس. لكن من جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري نفسها. وهو يفسر عداء جنوب أفريقيا تجاه إسرائيل من منظور علم النفس على أنه مزيج من الشعور بالذنب، والإسقاط، والانتقام، ومعاداة السامية. ويؤكد أن هناك عنصران لدحض هذا الادعاء. الأول سهل، ولا يتضمن سوى مقارنة موجزة بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل. أما الجزء الثاني فهو الأصعب، حيث يوضح أصل التهمة الافترائية. ويظل المقال يعدد الحقائق من وجهة نظره التي تدحض كل تلك الافتراءات ويقدمها للمجتمع الأمريكي باعتبارها الحقائق التي يجب الوثوق بها. وعلى هذا المنوال تتوالى المقالات والأبحاث التي ينشرها المنتدى عن القضية الفلسطينية.

 

وماذا بعد؟

كل ذلك الكلام السابق الذي عرضه المقال عن دور منتدى الشرق الأوسط الذي يخصص جهوده لتشويه قضيتنا الفلسطينية والعربية والإسلامية في أمريكا؛ وهو غيض من فيض، موجه للمواطن الأمريكي حاكماً ومحكوماً، ليل نار، لتشكيل وعيه إزاء فلسطين، وهو كما يراه كل غيور؛ على الحقيقة وعلى الأمة، محض أكاذيب وافتراءات على العلم والبحث العلمي والحقيقة. وهو الأمر الذي يجعل مهام العرب والمسلمين ثقيلة لمواجهة أمثال تلك المؤسسات المنتشرة بالآلاف في أمريكا، بل وبدأت مراكز أبحاث تحمل أسماء عربية تنافسها في ذلك(كما سنبين في المقالات القادمة.

لذلك تحتاج مؤسساتنا القائمة أو المطلوب إقامتها لدعم مالي كبير جداً ومتخصصين على قدر عال من المهنية والاحتراف الممزوجين بالرؤية الإسلامية الصحيحة لحقائق الصراع من أجل إكساب المواطن الأمريكي العادي والمتنفذ كيفية تقييم الرسائل الإعلامية وتفسيرها بشكل نقدي. واكتشاف المعلومات الخاطئة معالجة المفاهيم الخاطئة بشكل استباقي مقدمًا يمكن أن تمنع قبولها لاحقًا.

لقد أصبحت الأبحاث والمقالات وحملات الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة قضية مركزية على أجندة الحكومات والهيئات غير الحكومية العاملة في العالم كله، لما لها من تداعيات خطيرة على رؤية المواطنين والحكام على حد سواء للحقائق، وبالتالي تشكيل الوعي والتوجهات بخصوصها، لذلك فإن السؤال الآن: ليس ما هو المحتوى الضار الذي ينشر عن فلسطين في أمريكا، بل لماذا هو خطير في المقام الأول.

وكما حاول المقال أعلاه أن يبين، فإن صحة أو زيف المحتوى ليست هي القضية الرئيسية -مع أهمية ذلك البالغة- عندما يتعلق الأمر بعمليات التأثير على قضية ما، وإنما جاذبية المحتوى وفهم سبب تبني الجمهور لرسائل معينة بارزة سياسيًا والتعلق بها والترويج لها.

لقد أصبح ترويج المعلومة ولو كانت كاذبة علماً يدرس، وصارت سيكولوجية المحتوى واستجاباتنا التلقائية له جزءاً رئيسياً من تخصص كبير وخطير في عالمنا المعاصر يتعين الاهتمام به لكل العاملين للإسلام ولقضية فلسطين في عالمنا المعاصر.

لقد صار واجباً علينا أن نفهم كيف يمكن للمعلومات المضللة المصاغة بشكل جذاب، وفي أوقات مخصوصة، وعبر وسائل مختارة، ومن أشخاص محترفين، أن تؤثر بشكل عميق على الواقع السياسي من خلال تشكيل الرأي العام بسرعة، وبطرق بسيطة غير مسبوقة. وإذا أدركنا ذلك كله جيداً، سيصبح بوسعنا أن نأمل في تثقيف وبالتالي تحصين المجتمعات التي نخاطبها؛ وهي هنا المجتمع الأمريكي شعباً وحكومة، ضد القوى المنظمة  والمدعومة بترسانة مالية وعلمية محترفة والعاملة من أجل دعم الصهيونية ومشروعها الإحلالي الاستيطاني الاستعماري في بلادنا في عصر الصورة واللقطة والمعلومة السريعة.

نسأل الله أن يقيض للأمة من رجالها من يسخو بالمال وسائر ما يلزم لتكون لنا مؤسسات حقيقية تدفع عن قضيتنا ترسانات السلاح الفكري القاتلة المنتشرة كالسرطان في أمريكا والعالم كله تدعو للباطل الصهيوني وتزينه.

[1] https://ar.danielpipes.org/mef.php

[2] https://ar.danielpipes.org/mef.php

[3] https://ar.danielpipes.org/mef.php

[4] https://ar.danielpipes.org/article/22128

[5] https://www.meforum.org/65081/a-primer-on-hamas-part-4-who-are-the-palestinians

[6] https://ar.danielpipes.org/article/21640

[7]https://ar.danielpipes.org/article/22128

[8] https://www.meforum.org/65588/countering-pro-palestine-propaganda-part-5-gaza

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى