مقالاتمقالات مختارة

صناعة الكراهية: الإسلام في مؤسسات التعليم الإسرائيلي

صناعة الكراهية: الإسلام في مؤسسات التعليم الإسرائيلي

بقلم أحمد البهنسي

لطالما مثّل النموذج الإسرائيلي في التعليم وصناعة الوعي المجتمعي أكثر النماذج ذكاءً وفاعلية في صناعة وخلق الكراهية والتشويه الممهنج للآخر (الإسلام). كما أن النشاط الاستشراقي اليهودي المعاصر المتعلق بدراسة الإسلام وعلومه بات على درجة عالية من الفاعلية والتأثير في الأكاديمية الغربية، وهو مؤشر على وعي العقل اليهودي بحجم وطبيعة معركته مع الإسلام.

يمكن تقسيم المجهودات الاستشراقية اليهودية عامة، التي تعرضت للإسلام ومصادره وشؤونه المختلفة بالدراسة والنقد، إلى ثلاث مراحل أو مدارس:

أولها: مرحلة أو مدرسة الاستشراق اليهودي، والتي تبدأ بالتوجه نحو دراسة الإسلام والمجتمعات الإسلامية كجزء من الحركة الاستشراقية في الغرب، والتي ظهرت مع بدايات القرن الـ18م.

وثانيها: مرحلة الاستشراق الصهيوني، والتي ارتبطت – بطبيعة الحال – بالحركة الصهيونية التي ظهرت في شرق أوروبا عام 1881م، وعملت على خدمة أهداف هذه الحركة وتبرير الاستيطان اليهودي لفلسطين.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة: هي مرحلة الاستشراق الإسرائيلي، وتبدأ مع قيام دولة إسرائيل عام 1948م كامتداد لكل من الاستشراق اليهودي والصهيوني، وبالتالي فقد حملت نفس سمات وأهداف المرحلتين السابقتين، في نفس الوقت الذي انفردت به بسمات وأهداف خاصة بها، صبت جميعها في خدمة الأهداف السياسية والفكرية لإسرائيل[1].

وقد احتل الإسلام ومصادره الرئيسة، وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة النبوية، موقعًا مهمًا من بين اهتمامات الاستشراق الإسرائيلي التي تجلت من خلال مجهوداته وإنتاجاته المختلفة، والتي كان من ضمنها مقررات تعليمية كاملة أو متضمنة داخل مقررات أخرى من ضمن مناهج التعليم في إسرائيل، سواء الجامعي أو ما قبل الجامعي، والتي حاولت إضفاء صفة «الأكاديمية العلمية» على تلك الشبهات الاستشراقية الإسرائيلية حول الإسلام ومصادره الرئيسة، والتي تستبطن طعنًا في أصالة مصادر الإسلام، والقائلة بأنه مقتبس أو متأثر بمصادر يهودية ونصرانية سابقة له، بشكل يمكن القول معه إن هذه المقررات التعليمية هدفت لمنهجة تشويه الإسلام، علاوة على غرس وتنشئة قيم كراهيته، واتهامه بالوحشية والإرهاب.


التشويه الممنهج: الإسلام في الأكاديمية الإسرائيلية

من أمثلة محاولات تشويه الإسلام ومصادره بمناهج التعليم الإسرائيلية والتشكيك في أصالته وأنه خليط من النصرانية واليهودية، كتاب (اليهودية بين المسيحية والإسلام) الذي صدر عام 1973م عن مركز المناهج الدراسية، التابع لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية للصف السابع الابتدائي، والذي جاء في الصفحة 22 منه:

الدين الإسلامي كان خليطًا من الأديان السماوية، فمادة الدين الإسلامي (القرآن) تجمعت نتيجة لسفرات الرسول التجارية، وتعرفه على مبادئ الدين اليهودي، وجمعه لقصص العجائب والتجارب التي حصلت لكل من سيدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب وأنبياء إسرائيل، ولم تكن تعاليم محمد جديدة على العرب؛ لأن اليهود كانوا قد سكنوا الجزيرة العربية منذ خراب الهيكل الأول، وعلّموا العرب تعاليمهم اليهودية[2].

وجاء في كتاب (رحلة للماضي) الصادر عن قسم مناهج التعليم بوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية عام 1997م، المخصص لطلبة الصف السابع في المدارس الرسمية الحكومية:

إن النبي محمد بذل جهدًا مضنيًا لمطابقة ومماثلة دينه مع العادات اليهودية، فقد أمر أتباعه بصيام يوم الغفران، والتوجه في الصلاة نحو القدس. ومع كل هذا كان أبناء الطائفة اليهودية يعرفون أن محمدًا ما جاء ليتبع ناموس التوراة والوصايا، وأن دينه (قرآنه) يختلف عن دين اليهود في كل تفاصيله[3].

أما مقرر «حياة وصورة النبي محمد» الذي يدرسه البروفيسور «أوري روبين» المتخصص في الدراسات القرآنية، لطلاب الفرقة الثانية بقسم الدراسات الإسلامية واللغة العربية بكلية الدراسات الإنسانية والاجتماعية بجامعة تل أبيب؛ إذ يقرر كتابيحمل عنوان:

«The Eye of the Beholder: The Life of Muhammad as Viewed by the Early Muslims a Textual Analysis»، ما يسميه «روبين» بـ«قرأنة» السيرة النبوية، زاعمًا أن القرآن أضيفت به بعض الآيات المتأثرة بالعقائد والشرائع اليهودية، بهدف إضفاء قداسة دينية على كتاب المسلمين المقدس.

وفي كتاب «الإسلام: التاريخ، الدين، الثقافة»، الذي صدر خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017م عن دار نشر «ماجنس» الإسرائيلية، التابعة للجامعة العبرية بالقدس المحتلة، ويدرس بقسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية بالقدس، فقد أشار في قسمه الأول الذي يتعرض لمرحلة ما سماها بـ«تكون الإسلام»، إلى أن الإسلام في بداياته افتقد للنظام العقائدي والتشريعي واعتمد في ذلك على الثقافة الدينية اليهودية التي كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية زمن البعثة النبوية.

وأضاف الكتاب الذي قام بتأليفه المستشرق الإسرائيلي مائير بر – أشير المتخصص في الشؤون الإسلامية، إلى أنه كان من الواضح في بدايات عهد الإسلام التأثر بالثقافة الدينية اليهودية، واقتباس مفاهيم مثل (القبلة للصلاة، والاحتفال بيوم عاشوراء)، كما اقتبس الإسلام عقائد وأفكار الملائكة والروح المقدسة من المسيحية، ومن بعد حاول الإسلام تطوير عقائد ومفاهيم دينية خاصة به.


تنشئة الكراهية: الإسلام كعدو وإرهاب لإسرائيل

من الأشياء المثيرة للانتباه بقوة، أن الكتب الدراسية الدينية والتاريخية التي تدرس في المراحل المختلفة من التعليم الديني في إسرائيل، تركز على قصص أنبياء بني إسرائيل المذكورين في العهد القديم، ومن أبرزها قصة النبي صموئيل مع الملك شاؤول، والتي تقص أن هذا النبي أمر الملك شاؤول بذبح أعداء إسرائيل عن بكرة أبيهم حسب أوامر رب إسرائيل، وهكذا يتعلم التلميذ الإسرائيلي أن الله قد حلل قتل الأغيار «غير اليهود» وتدمير مدنهم وأن قتل هؤلاء الأغيار واجب ديني.

وتربط بعض مناهج التعليم في إسرائيل هذه الدعوات بالقتل والكراهية ضد غير اليهود، بضرورة قتل وكراهية المسلمين والعرب تحديدًا، فعلى سبيل المثال ورد في الصفحة 165 من كتاب (القرن العشرون، قرن تغيير العالم) الذي يدرس للصف السابع الابتدائي بالمدارس الإسرائيلية:

أن العرب شنوا هجمات بربرية وقاموا بأعمال تخريبية ضد المستوطنات اليهودية في الجليل الأعلى منذ العام 1925م، فالحركة الوطنية الفلسطينية مؤسسة قائمة على أعمال تخريبية، والمفتي قاسم الحسيني هو محرض للجماهير في القدس وسواها من المدن ضد اليهود الذين يعتبرهم أناسًا يسعون للسيطرة على الأماكن المقدسة الإسلامية، إلا أن المسلمين والعرب إرهابيون، وكان على القوات الإسرائيلية قتلهم، فالعرب والمسلمون همجيون بدائيون وليس لهم جذور في هذه البلاد.

من ناحية أخرى، يتعلم تلاميذ المدارس الدينية اليهودية في إسرائيل عددًا من الفتاوى الدينية ومن أهمها فتاوى الحاخام مردخاي الياهو الذي كان مرجعية دينية يهودية كبيرة؛ إذ تحولت فتواه إلى مادة دراسية يتم تلقينها للطلاب في المدارس، ومن أبرزها أنه يجب أن يتم إبادة المسلمين بشكل كامل، حتى أولئك الذين لا يشاركون في القتال ضد إسرائيل، بل اعتبر أن هذه ليست مجرد فتوى، بل «فريضة» من الرب يتوجب على اليهود تنفيذها.

ومن الكتب الدراسية التي تحتوي على فتاوى دينية يهودية تدعو لكراهية العرب وقتلهم، كتاب «باروخ البطل» الذي يُدرّس كقصة تاريخية للصف الرابع الابتدائي بالمدارس الإسرائيلية، وجاء في الصفحة 23 منه:

إن العرب والمسلمين كالثعابين ويجب قتلهم جميعًا، فلغة الحوار الوحيدة بين المسلمين واليهود هي الرصاص، وأنه بدون إقناع العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص أنه لا يمكن فرض تسوية على «إسرائيل» بالقوة، فأنه لا طائل من مثل هذه الحوارات.

(المصدر: موقع إضاءات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى