علماء من عصرنا

سلسلة علماء من عصرنا | المجادل عن الإسلام أ. د. محمد عمارة

سلسلة علماء من عصرنا

المجادل عن الإسلام أ. د. محمد عمارة

 

(خاص بالمنتدى)

 

ولد في 27 رجب 1350هـ الموافق 8 ديسمبر 1931م بريف مصر في قرية صَرَوَة بمركز قلِّين بمحافظة كفر الشيخ.

نذره أبوه للعلم وهو جنين في رحم أمه.

حفظ القرآن وجوَّده بكُتَّاب قريته.

سافر لمدينة دسوق ليلتحق بمعهدها الديني عام 1945 وحصل منه على الابتدائية عام 1949م.

شارك في المظاهرات الوطنية عام 1946م.

وانطلق إلى مدينة طنطا ملتحقًا بالمعهد الأحمدي الأزهري لينال منه الثانوية عام 1954م.

تعرف على السياسة بدخوله حزب مصر الفتاة، وكان يبحث عن نصير وسند للفلاحين مما دفعه للتعرف على الفكر اليساري، والذي كان ارتباطه به ارتباطًا سياسيًّا نضاليًّا يركز على قضية العدل الاجتماعي التي كان مشغولاً بها، ومن خلال صحيفة (مصر الفتاة) نُشرت أول مقال له بعنوان: (جهاد عن فلسطين).

استبشر بثورة 1952م في البداية، ثم تغير موقفه منها مع حلول 1955م، ثم كان العدوان الثلاثي على مصر في 1956 انعطافة جعلته يتوجه بكليته عاطفة وولاء لثورة يوليو، وتطوع في المقاومة الشعبية أثناء العدوان.

سافر إلى القاهرة ملتحقًا بكلية دار العلوم.

وقد فصل عام 1957 لمدة عام، بسبب إعداد مؤتمر لمناصرة حكومة النابلسي ومعاداة الحكومة الانقلابية في الأردن.

وفي هذا العام ألف أول كتبه وهو “القومية العربية ومؤامرات أمريكا ضد وحدة العرب”.

واعتقل أثناء دراسته عام 1959م، واستمر في السجن ما يُقارب من ست سنوات، مما أدى لتأخر تخرجه؛ إذ تخرج سنة 1965م، وألف أربعة كتب وهو في سجنه.

لم تعجبه نظرة الماركسيين إلى التدين والمتدينين في فترة الاعتقال فتركهم، ولم يعجبه الإخوان المسلمين لما رأى أنه ضيق أفق وعزوف عن الاهتمام بالقضايا الجماهيرية عامة، وقضية العدل الاجتماعي على وجه الخصوص.

وهذه التحولات الفكرية في حياة الدكتور عمارة يقول عنها الدكتور محمد عباس: إن محمد عمارة هو واحد من كوكبة لامعة صادقة هداها الله، فانتقلت من الفكر الماركسي إلى الإسلام… وكانت هذه الكوكبة هي ألمع وجوه اليسار فأصبحت ألمع وجوه التيار الإسلامي.

استكمل دراساته العليا بقسم الفلسفة الإسلامية فحصل على الماجستير سنة 1970م، والدكتوراه سنة 1975.

وفي تلك الفترة بدأ ينشر في بيروت؛ لتضييق النشر عليه في مؤسسات الحكومة.

تفرغ للبحث والكتابة، وترك الوظيفة الحكومية التي كان يعتبرها رقًّا، وزهد في المناصب، ولم يعمل بسلك التدريس في الجامعات، ولم يسافر إلى الجامعات العربية أو غيرها، وفضَّل أن يظلَّ حرًّا مشتغلاً بالعلم، مشتبكًا مع قضايا الأمة معالجًا لها، وموضحًا لمعضلاتها، ومدافعًا عن أصحاب الفكر الأصيل، ورادًّا شبهات العلمانيين وقاطعًا حججهم، مبينًا عوارها وافتئاتها على الإسلام وأصحابه، مدافعًا عن قيم الحق والخير والعدل والحرية.

وقد سانده والده بالمعينات الغذائية التي كان يرسلها له من القرية، وبذلك تفرغ للفكر، يقضي العام يقرأ ويكتب ويجمع المال لأجل معرض الكتاب حتى نمَّى مكتبة غطت جدران المنزل.

كان امتدادًا وإضافة لمدرسة التجديد والإحياء الإسلامي التي بدأت برفاعة الطهطاوي ومرت بمحمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورشيد رضا، وغيرهم.

وحاول استنقاذ رواد النهضة من براثن العلمانيين الذين ادعوا أنهم كانوا دعاة للتنوير على الطريقة العلمانية.

برز نجمه وانتشرت كتبه ومقالاته في حياته، حتى أصبح معدودًا من قادة الفكر في العالم الإسلامي في القرن الخامس عشر الهجري.

شغل عدة مناصب منها: عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ورئيس تحرير لمجلة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وكان عضوًا باللجنة التأسيسية لدستور 2012م.

حصل على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية والدروع، وكان أعظم جائزة له هو احتفاء الأمة به وبعلمه.

كان ثقة مأمونًا عند قادة الحركات الإسلامية وأبنائها؛ فكان يؤتمن على بعض الأسرار، ورسولاً في بعض الأحيان، ومرجعًا فكريًّا لأبناء الحركة الإسلامية.

ظل مرابطًا على ثغور الإسلام الفكرية يرد عادية المعتدين، ويدفع غارات المغيرين بعزم وحزم وصبر ومثابرة.

كان صاحب مشروع لم تقم به المؤسسات العلمية الكبرى؛ إذ عمل على إحياء أعمال مدرسة التجديد الإسلامي الحديث، وتحمل عبء التنقيب عنها عشرات السنين في أضابير السجلات ومحفوظات المكتبات العامة والخاصة، فخرجت الأعمال الكاملة لرواد الإصلاح والتجديد الإسلامي: الطهطاوي، ومحمد عبده، والأفغاني، والكواكبي… إلخ.

خاض معارك فكرية على جبهات كثيرة جدًّا، مع أصحاب الفكر الإسلامي الضيق، والشيعة، والعلمانيين، والملحدين، والمستشرقين، والدكتاتوريين، وبعض قادة الكنيسة المصرية الكارهين للحكم الإسلامي العربي لمصر الراغبين في إقامة دويلة لهم ويعملون على تخزين السلاح بالكنائس.

كان لا يغلق بابه عن الباحثين والكُتَّاب وطلبة العلم، ويرد بنفسه على الهاتف، ولا يتعالى على طلبة العلم، وجعل وقتًا محددًا للاتصال حتى يكون فارغًا في ذلك الوقت.

أسهم في العديد من الدوريات الفكرية المتخصصة، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية، وكان عندما يدعى لمؤتمر أو ندوة فإنه يحضر خير تحضير، ويجهِّز البطاقات التي يكتب فيها من النصوص ما لا يقف عليها أغلب الحضور، ولا يهمه قلة الحضور، وترى فيه حماس الداعية.

كان ضيفًا على البرامج التلفزيونية والقنوات الفضائية.

وقد التقيته بإحدى الندوات بنقابة الصحفيين المصريين وأهديته تحقيقين من تحقيقاتي هما: الفرق بين الفرق للبغدادي وشرح مشكل الحديث للقصري.

كان من أشد المؤيدين لثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم المخلوع الراحل محمد حسني مبارك؛ إذ وصفها بـالملحمة الشعبية، في حين اعتبر ما حدث في 3 من يوليو 2013م جنوحًا عن مدنية الدولة وانقلابًا على مطالب الجماهير، ووقف الموقف المشرف في وقت أحنى فيه الكثير رءوسهم خوفًا عليها أن تطير بعد الانقلاب العسكري بمصر على الرئيس الشهيد محمد مرسي، فقال الدكتور عمارة كلمة الحق، وكانت له مبادرة لعصمة دماء الأمة، وللعمل على توحيدها، لكن قادة الانقلاب لم يأخذوا بها، ولم ينسوها للدكتور عمارة فأقالوه من رئاسة تحرير مجلة الأزهر التي جعلها منارة من منارات العلم بكتابها والملحقات المجانية لها.

أربت أعماله على 250 عملاً موزعة بين التأليف والجمع والتحقيق وإعادة الطبع والتقديم، وهو أثناء كتابتها كان يمتلك ذاكرة المؤرخين، وحكمة الفلاسفة، ومناظرة المتكلمين، منها: التفسير الماركسي للإسلام رد فيه على كتابات نصر حامد أبو زيد، المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية، المعتزلة والثورة، معالم المنهج الإسلامي، الإسلام والمستقبل، المادية والمثالية في فلسفة ابن رشد، نهضتنا الحديثة بين العلمانية والإسلام، العلمانية ونهضتنا الحديثة، العلمانية بين الغرب والإسلام، معارك العرب ضد الغزاة، الغارة الجديدة على الإسلام، جمال الدين الأفغاني بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض، الشيخ الغزالي الموقع الفكري والمعارك الفكرية، الوعي بالتاريخ وصناعة التاريخ، التراث والمستقبل، الإسلام والتعددية، الإبداع الفكري والخصوصية الحضارية، الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا إسلامية الدولة والمدنية والقانون (والعمران)، الإسلام والسياسة الرد على شبهات العلمانيين، الجامعة الإسلامية والفكرة القومية عند مصطفى كامل، قاموس المصطلحات الاقتصادية في الحضارة الإسلامية، عمر بن عبد العزيز ضمير الأمة وخامس الخلفاء الراشدين، جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام، جمال الدين الأفغاني المفترى عليه، الإمام محمد عبده مجدد الإسلام، الإمام محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين، عبد الرحمن الكواكبي شهيد الحرية ومجدد الإسلام، أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية، رفاعة الطهطاوي رائد التنوير في العصر الحديث، علي مبارك مؤرخ ومهندس العمران، قاسم أمين وتحرير المرأة، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، القدس الشريف رمز الصراع وبوابة الانتصار، هذا إسلامنا خلاصات الأفكار، الصحوة الإسلامية في عيون غربية، أبو حيان التوحيدي، ابن رشد بين الغرب والإسلام، الانتماء الثقافي، التعددية الرؤية الإسلامية والتحديات الغربية، صراع القيم بين الغرب والإسلام، الدكتور يوسف القرضاوي المدرسة الفكرية والمشروع الفكري، التشيع الفارسي المعاصر خفايا المؤامرة، عندما دخلت مصر في دين الله، الحركات الإسلامية رؤية نقدية، المنهج العقلي في دراسات العربية، النموذج الثقافي، تجديد الدنيا بتجديد الدين، الثوابت والمتغيرات في فكر اليقظة الإسلامية الحديثة، نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم، الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق دراسة ووثائق، معركة الإسلام وأصول الحكم، التقدم والإصلاح بالتنوير الغربي أم بالتجديد الإسلامي، الحملة الفرنسية في الميزان، الحضارات العالمية تدافع أم صراع، إسلامية الصراع حول القدس وفلسطين، القدس بين اليهودية والإسلام، نظرة جديدة إلى التراث، التراث في ضوء العقل، الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، الإسلام والحرب الدينية، الأقليات الدينية والقومية تنوع ووحدة أم تفتيت واختراق، السنة النبوية والمعرفة الإنسانية، خطر العولمة على الهوية الثقافية، الأمة العربية وقضية الوحدة، مستقبلنا بين العالمية الإسلامية والعولمة الغربية، بين الغزالي وابن رشد، هل المسلمون أمة واحدة، الغناء والموسيقى حلال أم حرام، أزمة العقل العربي، المواجهة بين الإسلام والعلمانية، تهافت العلمانية، في فقه الصراع على القدس وفلسطين، الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية، افتراءات شيعية على عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب نظرة عصرية جديدة، الفكر الاجتماعي لعلي بن أبي طالب، قارعة سبتمبر (بالاشتراك)، الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديد الأمريكاني، الغرب والإسلام أين الخطأ وأين الصواب، مقالات الغلو الديني واللاديني، العروبة في العصر الحديث، الإسلام والعروبة، العرب والتحدي، قراءة النص الديني بين التأويل الغربي والتأويل الإسلامي، الإسلام بين التنوير والتزوير، إسرائيل هل هي سامية، الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، فجر اليقظة القومية، الإسلام والأقليات الماضي والحاضر والمستقبل، تحرير المرأة بين الغرب والإسلام، مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، المشروع الحضاري الإسلامي، أزمة الفكر الإسلامي المعاصر، في النظام السياسي الإسلامي، نظرية الخلافة، السماحة الإسلامية حقيقة الجهاد والقتال والإرهاب، هذا هو الإسلام، النص الإسلامي بين الاجتهاد والجمود والتاريخية، التحرير الإسلامي للمرأة، الإسلام وفلسفة الحكم، معالم المشروع الحضاري في فكر الشيخ محمد الغزالي، الشيخ محمد الغزالي الواقع الفكري والمعارك الفكرية، الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات لا حقوق، في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام، الغزو الفكري وهم أم حقيقة، الطريق إلى اليقظة الإسلامية، عندما أصبحت مصر عربية إسلامية، أكذوبة الاضطهاد الديني في مصر، تيارات الفكر الإسلامي، تيارات اليقظة الإسلامية الحديثة، العالم الإسلامي والمتغيرات الدولية الراهنة، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، محمد [ الرسول السياسي، الإسلام في عيون غربية، التيار القومي الإسلامي، في فقه الحضارة الإسلامية، الصحوة الإسلامية والتحدي الحضاري، الاستقلال الحضاري، الإسلام وقضايا العصر، معالم المشروع الحضاري في فكر الإمام الشهيد حسن البنا، شبهات حول القرآن، القرآن يتحدى، الإسلام والفنون الجميلة، الأصولية بين الغرب والإسلام، فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية، الفريضة الغائبة عرض وحوار وتقييم، الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين، حقائق وشبهات حول السُّنة والشيعة، سقوط الغلو العلماني، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، السلف والسلفية، رفع الملام عن شيخ الإسلام ابن تيمية، الإسلام والأمن الاجتماعي، تقرير علمي رد على كتاب مستعدين للمجاوبة لسمير مرقص، مقام العقل في الإسلام، مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا، هل الإسلام هو الحل لماذا وكيف، في المسألة القبطية حقائق وأوهام، استراتيجية التنصير في العالم الإسلامي، مسلمون ثوار، الإسلام والثورة، ثورة 25 يناير وكسر حاجز الخوف، الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي (تحقيق)، الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني (تحقيق)، الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده (تحقيق)، الأعمال الكاملة لعبد الرحمن الكواكبي (تحقيق)، الأعمال الكاملة لقاسم أمين (تحقيق)، الأعمال الكاملة لعلي مبارك (تحقيق)، رسائل العدل والتوحيد (تحقيق)، كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام (تحقيق).

وقد تُرجمت العديد من كتبه إلى بعض اللغات الشرقية والغربية، مثل: التركية، الملاوية، الفارسية، الأردية، الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الإسبانية، الألمانية، والألبانية.

توفي في ساعة متأخرة من مساء الجمعة 4 رجب 1414هـ الموافق 28 فبراير 2020م بعد أن أصيب بجلطة دماغية دامت 3 أسابيع فقط.

وتمت الصلاة عليه يوم السبت في مسجد الحمد بالتجمع الخامس بجوار مجمع المحاكم بالقاهرة، ودفن في قريته صروة بكفر الشيخ.

وأعلن ولده الدكتور خالد عمارة أن والده أوصى بإكمال مشاريعه الفكرية وكتبه وأبحاثه.

وصفه الدكتور يوسف القرضاوي -في حفل تكريمي لعمارة أقامه مركز الإعلام العربي عام 2010- بأنه “أحد مجددي القرن الخامس عشر الهجري، الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية، وصولاته وجولاته القوية في تعرية أعداء الإسلام”.

أما الكاتب والمفكر الإسلامي راشد الغنوشي فاعتبره “كاسحة ألغام أمام الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية، فهو شديد البأس على أعداء الإسلام من العلمانيين الاستئصاليين، وهو فحل في هذا المجال وعون لكل باحث في الفكر الإسلامي ولكل شاب يريد أن يطلع على الإسلام في موارده الصافية”([1]).

___________________________________________

([1]) انظر: المشروع الفكري للدكتور محمد عمارة، موقع المسار للدراسات الإنسانية، وموقع الجزيرة نت، ومحمد عمارة.. كاسحة الألغام الإسلامية في المواجهات الفكرية، موقع ن بوست بتاريخ 16/02/2020.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى