مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٣٥) .. آفات العقول

جواهر التدبر (٢٣٥)

آفات العقول

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– سوء تقدير العقول:
من المعلوم أن القرآن يهدي للتي هي أقوم، فهو كلام من لا أحسن من حكمه، كما في قوله تعالى: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: ٥٠]، ومن الواضح أن هذه الآية تؤكد بأنه لا يوجد أحسن حكما من الله لا في معناه ولا في مبناه، ولكن لماذا ختم الله الآية بقوله (لقوم يوقنون)؟
يبدو أن هذه الجملة تشير إلى أن العقل نتيجة تأثير الجزء الترابي من تكوينه، قد لا يدرك عظمة حكم الله في بعض المسائل بسبب قصوره أو تقصير صاحبه في تتبع الأسرار والعلل، ومن هنا فإنه ينبغي للمؤمنين الانتقال إلى الإيقان الغيبي حينما تتشوش عقولهم؛ وذلك بإطلاق منابع الثقة المطلقة بالله لأنه أعدل الحاكمين وفي ذات الوقت هو أحكم العادلين!

– مدخلات العقل:
مهما كانت جودة العقول فإنها تظل آلات يمكن ملأها بالحق أو الباطل، بالصواب أو الخطأ، ومن ثم لا يمكن أن تؤتي ثمارها المرجوة ما لم توضع فيها مدخلات علمية لا خرافية، وصحيحة لا خاطئة، وسليمة من غير سقم، ومستقيمة من دون عوج؛ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وما يعقلها إلا العالِمون} [العنكبوت: ٤٣]، وهو يتحدث تعالى عن الأمثال في القرآن الكريم، حيث أن فهم مرادها يحتاج إلى قدر من العلم، أما الجاهلون فإنهم غالبا ما يسيؤون فهم المراد ويقعون في بعض الأخطاء الفاضحة!

– انفصال القلب عن العقل:
يصبح المسلم مكتمل الإيمان حينما يرتقي إلى خالقه بعقله وقلبه في آن واحد، وقد اشتمل حوالي ثلث القرآن على قصص السابقين، لأنها مليئة بالذخائر الاعتبارية.
ومما أخبرنا به القرآن في هذا الشأن، ما ورد في قوله تعالى: {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم..} [الجاثية: ١٧]، وتكرر هذا التقرير في بضع آيات من القرآن الكريم، فقد وقع الاختلاف مع وجود العلم بسبب البغي بين حملة العلم أو ما نسميه في عصرنا بالشخصانية، ويبدو أن هذا حدث نتيجة تقدم العقل من دون مرافقة القلب له في العمل، فالتربية القلبية تطهر الناس من أوضار التراب وأوشاب الطين، وتمنحهم أواصر الائتلاف ودوافع التآزر!
ومن دون القلب اليقظ والحساس، فإن المرء يفقد القدرة على التمييز بين التفكير العقلي السوي وبين الهوى الذي يزيد من تضخم الأنا ويُذكي سعار الغرائز والشهوات!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى