مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٢٣) .. استراتيجية الشيطان

جواهر التدبر (٢٢٣)

استراتيجية الشيطان

 

بقلم أ.د.فؤاد البنا

توعد الشيطان البشر أمام الله عز وجل، فقال: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: ١٧]، وهذه الكلمات القليلة ترسم معالم استراتيجية عريضة، وهذه بعض ملامحها:
– {من بين أيديهم}: أي التخويف المستمر من المستقبل، وملئ العقول والقلوب بالهواجس وحشوها بمفردات اليأس والقنوط، والتشكيك بحقيقة الآخرة وما يعتمل فيها من أحداث، وزراعة الشبهات والظنون والأوهام في العقول والقلوب، بحيث لا يبقى شيء مقدس ولا قيمة محترمة.
– {ومن خلفهم}: الدخول من خلال الآداب والفنون والأعراف والعوائد الموروثة لزرع الشبهات وغرس الشكوك، وتضخيم الإخفاقات وزراعة الأسى على ما فات والفرح المفضي إلى الغرور القاروني بما تحقق من إنجازات، ولهذا كان الإيمان بالقدر سلاحا منيعا في هذا السياق، فقد علل الله الإيمان بالقدر، فقال تعالى: {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.
– {وعن أيمانهم وعن شمائلهم}: وهذا له معاني عديدة، سواء من ناحية الأهداف أو من ناحية الوسائل، فمن  ناحية الأهداف يرمز مجيء الشيطان عن يمين الإنسان للتشكيك بالحق والخير والتهوين من الصلاح والمعروف ولتقبيح كل قيمة جميلة، ويرمز المجيئ من الشمال لتسويق الآثام والأباطيل والشرور وتزيين الفساد والمنكر وكل آفة قبيحة.
ومن ناحية الوسائل يرمز المجيئ من اليمين للترغيب والتحبيب والتزيين، كما في قوله تعالى: {قال ربي بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} [الحجر: ٣٩]، ونلاحظ كيف نسب غوايته إلى الله، وبهذا فقد ارتكب جرما أشد من رفض السجود لآدم!
ويرمز المجيئ من الشمال لاستخدام أسلحة التخويف والترهيب والإرعاب، كما في قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر} [البقرة: ٢٦٨].
ولأن كلام الله يكتنز الكثير من المعاني، فإن المجيئ من اليمين يرمز أيضا لإفساد الطاعات وتخريب الحسنات عبر مداخل متعددة، ومنها التطرف والتنطع وصولا إلى الجمود على الموروث وتزكية الذات واتهام المخالف والمختلف بالمروق عن الدين، بينما يرمز المجيئ من الشمال لتزيين المعاصي وتزويق السيئات، كما قال تعالى: {تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزيّن لهم الشيطان أعمالهم} [النحل: ٦٣]، بمعنى أن الشيطان قد زين الطغيان والظلم السياسي لفرعون، وزين الاستئثار الاقتصادي لقوم شعيب، وزين الانحطاط الأخلاقي لقوم لوط، وهلم جرا!
وقد يصل الشيطان بالمرء إلى حد إيقاعه في وهدة التنطع، حيث يأتيه من اليمين فيهون أمام عينيه الفرائض الكبيرة والقيم الكلية، لينتقل الاهتمام إلى صغائر الطاعات وتعظيم النوافل. ويأتيه من الشمال فيهول الصغائر ويضخم المكروهات، وهكذا فإنه يعرف من أين تؤكل الكتف، ويتسلل من نقاط الضعف في كل شخص على حدة، ويبدو أنه عبقري في علم النفس، ومع ذلك يظل كيد الشيطان ضعيفا.
وبالطبع فإن كيد الشيطان ضعيف لمن دخل إلى الإيمان من سائر الأبواب وهي التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم (شُعب الإيمان)، فإن هذه الأبواب تغلق الأبواب أمام الشيطان، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة: ٢٠٨]، فقد ذكر خطوات الشيطان بعد الأمر بالدخول في السلم كافة وهو الإسلام بكافة فرائضه ومنهياته، فإن من قام عليها وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم يكون قد أغلق الأبواب كافة أمام الشيطان، ويصبح كيده أهون وأوهن من بيت العنكبوت، ولا تأثير له بتاتا على تصورات المؤمن وتصرفاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى